قال تعالي: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" سورة التوبة آية 71 التعاون علي البر والتقوي ماهو إلا تعاون علي تحقيق ما أمر الله به ورسوله قولا وعملا وعقيدة وعلي ترك ما حرم الله ورسوله قولا وعملا وعقيدة وكل إنسان محتاج إلي هذا التعاون لقول ربنا عز وجل. فكون بعضهم أولياء بعض يقتضي التناصح والتعاون علي البر والتقوي: لقوله صلي الله عليه وسلم. "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد والواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي" متفق عليه. لقد جاءت شريعة الإسلام بالأمر بالتعاون علي البر والتقوي وهي كلمة جامعة تجمع الخير كله ونهاهم عن التعاون علي المعاصي وعلي الاعتداء علي حرمات الله وحرمات خلقه فلا يجوز للمسلم أن يرتكب المحرمات ولا يجوز له أن يعين من يرتكبها بقول أو بفعل. وقد لعن النبي صلي الله عليه وسلم أكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبيه لتعاونهم علي الإثم والعدوان. ولعن صلي الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش "الساعي بينهم" لتعاونهم علي الإثم والعدوان. والتعاون هنا ليس مقصور علي أمور الدين فحسب بل يشمل التعاون علي أمور الدنيا وعلي تنفيذ حدود الله وتنفيذ أوامره وعلي الأمر بالخير والدعوة إليه. ولا يكون هذا التعاون صحيحا إلا إذا ائتلفت القلوب وتقاربت وتحابت وحسنت ظنون بعضهم في بعض فعند ذلك تجدهم يتزاورون في الله ويتبادلون في الله ويتناصحون فيما بينهم ويرشد بعضهم بعضا ويهدي بعضهم بعضا في الحديث. عن أبي هريرة قال قال صلي الله عليه وسلم: "السلسلة الصحيحة للألباني 426 "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس". فالتعاون أمر رباني وخلق إسلامي وهدي نبوي تتقرب به إلي الله تعالي نرجو رحمته وجنته ورضوانه. ولقد شهد التاريخ الإسلامي في صدره الأول مواقف عملية تجلي فيها التعاون بأبهي صورة في المجتمع الإسلامي. وفي غزوة بدر الأولي في الإسلام دعت الظروف المسلمين إلي أن يشترك كل ثلاثة منهم في ركوب دابة بالتناوب وكان للنبي صلي الله عليه وسلم شريكان في دابته فقالا له: نحن تمشي مانك وأنت تركب مكاننا يا رسول الله فأبي النبي صلي الله عليه وسلم ذلك وقال "ما أنتما بأقوي مني علي المشي ولا أنا بأغني منكما علي الأجر". وفي غزوة الخندق أراد المسلمون حفر الخندق حول المدينة من الجهة التي لا تحصنها الجبال وكان الوقت ضيقا والأحزاب تتقدم نحو المدينة بسرعة وبفضل التعاون استطاع المؤمنون أن يتموا حفر الخندق الطويل قبل أن تصل الأحزاب وإذا اتجهنا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم في تعاونه نجد أنه كان متعاونا مع أصحابه في كل أعمالهم الجماعية ويختار لنفسه أشق الأدوار ويقوم بها. وقد ورد أنه صلي الله عليه وسلم كان في سفر مع أصحابه وأتي له بشاه فقال أحد الصحابة وأنا علي ذبحها وسلخها وقال آخر وأنا علي تقطيعها وشيها وقال صلي الله عليه وسلم وأنا علي جمع الحطب فالتعاون أمر رباني وخلق إسلامي وهدي نبوي يستجلب رحمات الله ومعينه لقوله صلي الله عليه وسلم "يد الله مع الجماعة". ومن مظاهر تعاونه صلي الله عليه وسلم مع أهل بيته ما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة". وقد ورد أن الأنبياء جميعهم كانوا يطلبون العون فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يأمره به أن يرفع قواعد البيت "الجدران" ويجدد بناءها فقام إبراهيم عليه السلام علي الفور لينفذ أمر الله وطلب من ابنه إسماعيل عليه السلام أن يعاونه "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا وتقبل دعاء" 127 البقرة. وهذا موسي عليه السلام قد أرسله الله إلي فرعون يدعوه إلي عبادة الله وحده فطلب موسي من الله أن يرسل معه أخاه هارون ليعاونه ويقف بجانبه في دعوته "واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري واشركه في أمري" 29-32 طه.