لم تكن محاولة اقتحام مقر مشيخة الأزهر بالحدث العادي أو الطبيعي في مسلسل اقتحامات مرحلة الفوضي الانتقالية التي تغرق فيها البلاد.. فقد جاء ليجلل وجه الكآبة والإحباط بمزيد من الإحباط واليأس وليضغط علي واحدة من مناطق الوجع شديدة الألم والخطورة أيضا.. أيا ما كانت الجهة الراعية والداعمة أو المساندة أو الموجهة لقوي التحدي والاقتحام فإنها ارتكتب جريمة لا تغتفر.. وما كان لعاقل أو فاسد أو مختلف سياسياً أو حتي كاره لتيار أو فصيل أن ينتهك حرمة وقدسية المشيخة ويعرض أو يتعرض لشيخه وإمامه الأكبر حتي ولو بالشارة فما بالك بالاقتحام في ظل حالة من الغوغائية مع التقدير الشديدة لحالة الغضب من كارثة التسمم في المدينة الجامعية وضرورة معاقبة وردع المسئولين عن الفساد المادي والأخلاقي في الواقعة.. سألوني: ما رأيك في رد الفعل الذي جاء في أعقاب محاولة الاقتحام سواء الرافضة أو الداعمة والمؤيدة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب..؟ قلت: لقد أصابني بصدمة فلم يكن علي مستوي الحدث وجسامة الانتهاك للرمز و الشارة والمكانة.. ولم تكن الانتفاضة من جانب الأزهريين بالقدر الواجب والوعي اللازم التصرف الحتمي عندما يتعرض الأزهر الكيان للخطر أو عندما يخطط له ويراد بسوء مهما اختلفت الاتجاهات وتعارضت المواقف السياسية ومهما كان الارتباط بالشيخ أو الانتماء السياسي. لقد كانت خلطة رد الفعل وموزاييك التظاهرات والدعم والدفاع عن شيخ الأزهر كاشفة عن حقيقة وطبيعة خريطة الصراع علي الساحة السياسية.. وفاضحة لعدد من الأطراف في السلطة والمعارضة علي السواء خاصة تلك التي احترفت المتاجرة بالآلام والكوارث.. والاخطاء علي الساحة من أجل مصالح حزبية أو توجيه ضربات أو صفعات لهذا الطرف أو ذاك.. وهو ما يدفعنا إلي ضرورة التأكيد والتوضيح لهؤلاء وأمثالهم علي أن حب الأزهر وشيخه ليس لعبة سياسية والتعبير عنه ليس نكاية في أحد. وبالتالي فلا الذين هبوا لنصرة الأزهر وشيخه أحسنوا وأجادوا ولا أولئك الذين تقاعسوا أو التزموا الصمت وفقوا.. ولا الذين لعبوا علي الحبال وحاولوا توجيه سهام مغلفة أو مبطنة بمواقف سياسية عقيمة افلحوا.. بل لقد ارتدت عليهم سهامهم.. جرحتهم ونالت منهم حتي وأن لم تسل لهم دماً غائباً. لقد كان رد فعل السلطة غريباً مريباً ولم يكن علي مستوي المسئولية والتقدير والمكانة للأزهر وهو أمر ما كان يجب أن يتأثر بموقف ورؤية لشيخه وإمامه الأكبر.. لقد كان الواجب السياسي ولا أقول الذكاء السياسي يتطلب ضرورة المسارعة إلي الدفاع وتوفير الحماية والزود عن الأزهر ليس حباً في الشيخ الطيب ولكن دفعاً لاتهامات ودرءاً لشبهات والحيلولة دون إعطاء فرصة للانتهازين والمتربصين لكل ساقطة ولاقطة علي الساحة السياسية.. لتحين أي فرصة لضرب الإسلاميين عامة والإخوان خاصة.. لكن للاسف جاء رد الفعل مأساوياً وكانت المعالجة بائسة يائسة لم يفلح معها أي تأكيد بأن شيخ الأزهر غير قابل للعزل.. وكيف يصدقك الناس وهذا أثر فاسك وهذا صدي صوتك يتردد أن الشيخ يتحمل المسئولية السياسية عن التسمم.. وما دري هؤلاء أنهم يسممون أنفسهم والأجواء من حولهم.. للأسف حدث هذا وهم يعلمون أن البعض سيلعب علي اوتار العلاقة غير الحميمة بين الإخوان والشيخ لاسباب بعضها سياسي حزبي والبعض الآخر له علاقة بالفلول والغلول من ناحية.. وبالأداء السياسي وصراع التيارات وتدافع القوي الإسلامية علي الساحة ورغبات في الاستحواذ والسيطرة والهيمنة.. وقيل والله اعلم بالصكوك أو ما شابه.. وهذا ما كان يجب أن يدركه الاخوان جماعة وحزباً ويأخذوه بعين الجد والاعتبار. قالوا: لكن كان هناك بالفعل أناس صادقين.. يدافعون عن الأزهر بحرارة ورافضين المساس به؟ قلت نعم هذا صحيح.. وأمر طبيعي.. وهذه الفئة تؤمن وتعتقد يقينا بأن الأزهر جزء منها فعلاً لا كلاماً ولا عاطفة أو متأجرة.. والأزهر عندهم وكما يجب أن يكون عند الجميع مواطن مصري.. بصفة حقيقية وليست اعتبارية.. وهذا التعبير نحته وصكه الإمام الأكبر الراحل جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله.. فقد قال: إن الأزهر مواطن مصري يعتز بالله رباً ومصر له مقراً ويعرف حقها عليه كما قامت وتقوم بواجباتها نحوه تمده وتسانده وترتجيه لها وللمسلمين عامة علي اختلاف لغاتهم وألوانهم وأوطانهم ومن ثم فهي تواليه بالاصلاح وتعينه وتمكن له من أداء مهامه. لكن الخطورة أن هؤلاء المخلصين الاطهار قد ضاع صوتهم وسط المتاجرين وشلة المنتفعين والراكبين لكل الامواج ولا يهمهم تضارب وتناقض مواقفهم بين عشية وضحاها..اليوم يدافعون عن الأزهر وغدا يلعنونه.. ويتهمونه بأعلي صوت وفي كل المحافل بانه يريد دولة دينية ويؤصل لها ويحارب الدولة المدنية ويريد أن يفرض حجاباً علي العقول ويريد أن يخضع البلاد والعباد لسلطة الفقيه انه يريد جر مصر الحديثة إلي غياهب دولة الملالي كما يحدث في إيران وهكذا. قلت أيضا إن عملية الاقتحام لا تقل خطورة عن رزية بتعبير الجبرتي دخول الأزهر بالخيول أيام الفرنسيس.. الحملة الفرنسية.. وذلك لما فيها من الامتهان والرغبة في اخضاع الأزهر واجباره علي الانحراف عن دوره الاصيل ورسالته الاصيلة السامية.. "فقد دخلوا أي الفرنسيين إلي الجامع الأزهر وهم راكبون للخيول وبينهم المشاة كالوعول.. وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأروقة والحارات وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف علي الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل ما صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه". * * * واضح أن كثيراً من القوي بحاجة إلي دراسة واستيعاب معني كلمة الأزهر ودوره ومكانته وتاريخه الديني والسياسي والنضالي ومواقف شيوخه وعلمائه منذ انشائه وحتي الآن.. وإذا كان هذا الأمر عاما لكل المصريين وغيرهم فانه واجب علي من هم الآن ولاحقاً في السلطة.. ليعلموا ويتيقنوا أن محاولات السيطرة واخضاع الأزهر المؤسسة والشيخ كانت وستظل مستحيلة وكل المحاولات باءت بالفشل.. ولذلك فان صوت الاصلاح وإعلان الاستقلال التام المالي والإداري كان هو العامل المشترك الأكبر والأصغر لدي شيوخه العظام.. في فترات الضعف السياسي أو الازدهار العلمي والاقتصادي.. في أيام الاحتلال وفي فترات الاستقلال. أيضا فشلت كل طرق الاختراق والتأثير علي الشيخ والمشيخة.. إغراء المال أو تقرباً من السلطة أو المضايقات الإدارية أو السياسية وغيرها أو حتي عن طريق اثارة الطلاب.. ضد الإمام.. وقد حدث هذا بالفعل أيام الإمام محمد عبده وعندما كان يقود حملة الاصلاح في الأزهر ولم تكن علي هوي ورغبة الخديوي ولم يفلح في محاولات اثنائه عن ذلك وهو وغيره من المشايخ والذي كانوا يلوحون بالاستقالة في وجه "الخديوي".. ولجأ "الخديوي" إلي بعض الرجعيين في الأزهر ممن يعارضون الشيخ محمد عبده واثاروا الشغب بين الطلبة والخدم وعمال الأزهر واطلقوا الشائعات ضد رجال الإصلاح واتهموهم بالخروج علي الإسلام وصلت حد اتهام الاستاذ الإمام محمد عبده بالكفر!! ** يقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي عن الأزهر: قم في فم الدنيا وحي الأزهرا واجعل مكان الدر إن فصلته واذكره بعد المسجدين معظماً واخشع مليا واقض حق أئمة كانوا أجل من الملوك جلالة زمن المخاوف كان في جنابهم من كل بحر في الشريعة زاخر وانثر علي سمع الزمان الجوهرا في مدحه خرز السماء النيرا لمساجد الله الثلاثة مكبرا طلعوا به زهوا وماجوا أبحرا وأعز سلطانا وأفخم مظهرا حرم الأمان وكان ظلهم الذرا ويريكه الخلق العظيم غضنفرا ويقول د. إبراهيم علي أبوالخشب مستنكراً جحود فضل الأزهر: الأزهر المعمور شيخ يا أخي لبس العمامة واشاع هذا النور وهو موقر لم يحن هامه أنا ما عرفت سواه يبذل دون شح أو سآمة وتنكروا أو أنكروا أنا به نلنا الزعامة ومشي بها علي أرض القداسة والطهارة والكرامة كم ثار للظلم المسلط وانبري ليصب جامه ما بال قومي ها هنا أو ها هنا جهلوا مقامه