مصر هي قلب الأمة العربية النابض والسند القوي للجميع . فلا غرابة إذن أن يتابع كل العرب ما يجري علي أرضها ويرصدون بدقة ما يدور فيها . ونحن هنا في قطر بلا استثناء تابعنا لحظة بلحظة كتابة مشروع الدستور الجديد من خلال جلسات الجمعية التأسيسية مثلنا مثل المصريين بالضبط لأننا نفرح لفرحهم ونتألم لألمهم . بهذه الكلمات قدمت الدكتورة عائشة المناعي عميد كلية الشريعة والقانون جامعة قطر المستشار الدكتور حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية للدستور والدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية وعضو الجمعية ورئيس وفد الأزهر بها في مستهل ندوة الأحزاب والدستور في القرآن والسنة التي عقدت مساء الأربعاء الماضي. والتي أقيمت مصاحبة لمعرض الدوحة الدولي الثالث والعشرين للكتاب وشهدت مداخلة للعلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وحضرها الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر وجمع كبير من المثقفين ورجال الفكر والسياسة . كان أول المتحدثين الدكتور حسن الشافعي فهنأ الشعب القطري باليوم الوطني الذي صادف الثامن عشر من هذا الشهر ثم انتقل إلي صلب الموضوع مستعرضا مفهوم الديمقراطية لدي الإغريق والغرب . وفي الكتاب والسنة والتجربة المصرية نموذجا وأوضح أن الديمقراطية كلمة تعني قيمًا وأدوات. ووفقًا للتعريف الإغريقي فإن الديمقراطية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه بواسطة ممثليه لمصلحة جميع أبنائه. ووفقًا للمفاهيم الأخري فقد شهد هذا التعريف تطورات لاحقة حتي أصبحت الديمقراطية بمثابة مذهب سياسي كامل. وأسلوب لإدارة المجتمعات يعتمد علي قيم أساسية ويتخذ أدوات ووسائل عملية. وكانت الديمقراطية في الغرب تعني حكم المدينة فلم تكن هناك إمبراطوريات إلي أن انتقلت التجربة إلي تطور حضاري لاحق . وفي الفترة الرومانية عرفوا أن الخلافة تشمل ميادين واسعة وتبعًا لذلك انطلقت فكرة الديمقراطية. واختلطت بها أمور أخري. ومع قيام فكرة المجالس النيابية في التجربة الرومانية كانت هناك فكرة موازية لها هي فكرة سيادة القانون والمساواة أمامه. غير أن الغرب ما زال حتي الآن يشهد نوعًا من التميّز. وإن كان هناك تقدّم حاليًا في نفي فكرة التمييز واستبعاد الأفكار العنصرية. لأنه علي مستوي القانون لا فرق بين أحد وأحد. ثم تلا ذلك تطور آخر تمثل في الفصل بين السلطات. ويتم الفصل بينها بطريقة منظمة. كما أعقب ذلك - في إطار التطورات - نشوء الأحزاب السياسية ولعب الإعلام دورًا كبيرًا جدًا في ذلك حيث كان من الأدوات التي بلورت كل ذلك في وثيقة عرفت بالدستور. الشوري في الإسلام أوضح الشافعي أن كل هذه التطورات يقابلها في تراثنا الإسلامي فكرة "الشوري" وهي ثابتة في الكتاب والسنة . وقال إن الكثيرين يفهمون الشوري فهما غير صحيح . يظنون أن للحاكم أن يأخذ بالمشورة أو لا يأخذ . لكن الصحيح أن الشوري ملزمة للحاكم . وقد أثبت هذا العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله والأستاذ محمود شاكر في كتابه الطريق إلي ثقافتنا. وبالنسبة للتجربة المصرية في مجال الشوري فقد تمّ إحياؤها من خلال أول مجلس نيابي في عهد محمد علي باشا وإن كان تمثيلاً قاصرًا إلا أن التمثيل النيابي عاد مرة أخري في عهد الخديوي إسماعيل ابن إبراهيم ابن محمد علي الذي كان أول من أنشا ما يُعرف ب "مجلس شوري القوانين". والشوري كلمة لها سندها في القرآن الكريم فهناك سورة كاملة في القرآن الكريم باسم الشوري. ومن المعروف أن الشوري والديمقراطية متشابهان. وبينهما فروق أبرزها أن مفهوم الديمقراطية في الفقه الغربي كان يقضي أن مجلس الشوري أو العموم قادر علي عمل كل شيء إلا تحويل الرجل إلي امرأة وتحويل المرأة إلي رجل وأعتقد ان هذا أصبح ممكنا. وفي المقابل فإن سلطة ممثلي الشعب كانت موجودة في الفقه الإسلامي وإن كان هناك اختلاف في الرؤية ومبدأ السيادة . فمبدأ السيادة في الإسلام يقوم علي أن السيادة لله.پوهذا لايتنافي مع الإقرار بمبدأ السيادة للشعب مستدلا بحديث النبي محمد صلي الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم". رافضا ادعاءات البعض بأن يكون نظام الخلافة أو الإمارة مأخوذا عن الرومانية . ونوه الشافعي بأن الأزهر الشريف يرجع له بعض الفضل في الربيع العربي بفضل بعض إنتاجاته الفكرية. وأثناء حديثه عن التنظيم السياسي ذكر رئيس مجمع اللغة العربية أنه يقوم علي التعددية وأن هذا المبدأ موجود في الطبيعة. مستشهدا بالآيات الشهيرة في سورة فاطر وسورة هود. وتضمن حديث الدكتور حسن الشافعي مناسبة إزالة بعض المغالطات عن تاريخ مصر الحديث من قبيل أن النهضة جاءت مع حملة نابليون بونابرت وجلبه للمطبعة إلي مصر. منبها إلي أن النهضة بدأت مع أبي البركات الدردير. وفي السياق ذاته. ذكر عالم اللغة العربية. أن الإنتاج الأدبي والفني ازدهر في بدايات القرن العشرين. وقال بهذا الخصوص إن العبقريات "يقصد كتابات عباس محمود العقاد" هي من أمهات كتب تلك الفترة. ليختتم حديثه بالبيت الشهير لأحمد شوقي والذي جاء ضمن قصيدته "ولد الهدي": والدين يسر والخلافة بيعة والأمر شوري والحقوق قضاء فترة الاعاجيب وأعقب ذلك كلمة د.حسام الغرياني وصف الفترة التي كتب فيها الدستور المصري الجديد بأنها فترة امتلأت بالأعاجيب حيث إن الناس لم يكونوا يعرفون كيف تجري كتابة الدساتير. فهي تكتب إما من قبل فرد فقيه أو عالم يكلف بأن يضع مسودة الدستور. أو لجنة خبراء في حين أن الطريقة الأخري الأكثر شيوعًا هي أن من يضع الدستور جمعية منتخبة إما من الشعب أو من قبل ممثلي الشعب وعددها لا يحدّد برقم معيّن لكن السائد أنها تبدأ بخمسين وتصل إلي.600 وعاب الغرياني علي من قالوا إن اللجنة "سلقت" الدستور منوها بهذا الخصوص أن اللجنة التأسيسية اشتغلت عليه أزيد من 5 أشهر و12 يوما. واستقبلت في بادئ الأمر أكثر من 35 ألف مقترح ونص من عموم الشعب والجمعيات والأحزاب. فضلا عن إنشاء موقع إلكتروني استقبلت عن طريقه أكثر من مليون مقترح ورسالة من داخل ومن خارج مصر فضلا عن تكوين لجنة الحوار المجتمعي التي اتخذت من قاعة الدستور في مجلس الشوري مقرا لها واستقبلت وفودا من كل أطياف الشعب المصري . كما جابت محافظات الجمهورية لمقابلة الناس وجمعت كما هائلا من المقترحات وبوبته بحسب أبواب الدستور. أحزاب مصر وأشار إلي عدة ملامح من اختلاف وجهات النظر تفيد في إضاءة خلفية هذه التباينات. ففي 25 يناير كان عدد الأحزاب 35 حزبا ولم يكن بينها أحزاب قوية. ومن حوالي شهر أصبح المجموع 73 حزبا فضلا عن وجود أحزاب في عمق الشارع المصري غير مسجلة. من قبيل حركة "كفاية". و "شايفنكو" التي لا تضم إلا 3 نساء. وما وصفه ب ¢المحظورة¢ في كناية عن جماعة الإخوان المسلمين والتي تضم أعدادا كبيرة من المجتمع المصري. وأضاف الغرياني: إن كل أشكال كتابة الدستور تجري في كل الأحوال داخل الجدران لكن أولي العجائب المصرية أننا كنا نعمل علي شاشات التلفزيون فهو أول دستور يكتب بهذه الطريقة العلنية. وفي هذا يقول: أحيانًا أقول إننا أخطأنا وأحيانًا أقول إننا أصبنا. وأشار إلي تجربة الدستور الأمريكي الذي شهد تعديلات علي مدار 200 سنة وصلت إلي 33 تعديلاً . وبهذا أشار إلي أن الأجيال هي التي تضيف أو تعدّل شيئًا في الدستور بوصف هذا حقًا مكتسبًا من حقوق البشر تبعًا لتطورات وحاجات مستقبلية. فلا يوجد دستور له الحق في مصادرة المستقبل. وأوضح أن الأزهر الشريف لعب دورًا عظيمًا في محاولة لم الشمل وإحداث التوافق حول الجمعية التأسيسية وأثني علي جهود الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب وقال الغرياني إن عدد المنسحبين أحد عشر شخصا لكنهم وقعوا جميعا علي مشروع الدستور ما عدا شخص واحد - وهنا رد كل من في الصالة قائلين : نعرفه إنه للأسف عمرو موسي فعقب الغرياني قائلا : لا أريد ذكر أسماء . شهدت الندوة حضورا كثيفا اختتمها العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بكلمة موجزة أعرب خلالها عن موافقته علي مشروع الدستور المصري من حيث الجملة. وإن كان لديه بعضپالملاحظات التي ذكرها للجنة التأسيسية من قبل وأعاد بعضها أمام الحاضرين. ومنها خلوپالدستور من ذكر الله تعالي ومحمد صلي الله عليه وسلم والإيمان. وكذلك أسلوب القسم.پالذي رأي فضيلته استبداله بالتعهد لأن القسم له كفارة فإما صيام ثلاثة أيام أو إطعام مساكين فممكن لأحدهم أن يحنث ويُكفّر. وطالب بأن يتضمن القسم الحفاظ علي الدينپوالأخلاق وليس فقط الأرض والوطن.