إذا كانت لفريضة الحج معان روحانية ملائكية. فإنها كذلك لها معان في فلسفة القوانين والأحكام التي توضع لتنظيم سير الحياة في إطار من التواءم والتوافق. وقد افترض الله تعالي علي الحج الوقوف بعرفة وقال صلي الله عليه وسلم: "الحج عرفة". وسمي بهذا الاسم. لأنهم إذا وقفوا بعرفات طيب الله تعالي نفوسهم. وطهرهم من خطاياهم. وهو مأخوذ من العرف بمعني الطيب. كما قال الحكيم الترمذي في كتابه أسرار الحج. وهذا المكان المقدس هو البقعة التي أعلن فيها رسول الله دستوره وقوانينه الدولية الخالدة في خطبة الوداع. في هذا السهل الصحراوي تجمع جموع الناس كل عام. كعصبة واحدة في مظهر واحد. وهم مقتنعون منتظمون خاضعون لنداء القانون. الذي وضعه رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم في تعاليمه السامية. وقد صاغ صلي الله عليه وسلم قواعده في كلمات قليلة بمعان كثيرة. صيغت بدقة فائقة. لتناسب كل زمان ومكان. وفيها من المرونة الكافية ما يسمح بتطبيقه في أي ظرف. وهي قوانين عامة وشرع شامل لدين خاتم. وفي خطبته صلي الله عليه وسلم وضح فيها الأصول الثابتة التي تقوم عليها العلاقات الفردية والدولية وبين فيها الحقوق والحرمات. وألغي فيها مآثر الجاهلية وشعاراتها ووضعها تحت قدميه. وأوصي بالنساء خيرا وبحسن معاملتهن. ودل البشر علي سبيل العصمة من الخطأ والضلال باتباع كتاب الله وسنته صلي الله عليه وسلم والاعتصام بحل الوحدة. ثم أشهدهم علي بلاغه فشهدوا بذلك. فقال في خطبته يوم عرفة: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع. ودماء الجاهلية موضوعة.... وربا الجاهلية موضوع.... واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله.... وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلي السماء وينكتها إلي الناس: اللهم أشهد. اللهم أشهد. اللهم أشهد". ومن وصاياه في تلك الخطبة وصية الوحدة والمساواة بين المسلمين وهي في غاية الأهمية- يجب أن نستحضرها الآن- وتأتي في الأهمية بعد التمسك بكتاب الله وسنة نبيه. فالتشرذم والتفرقة لا تقوم عليها أبداً أمة ولا تنهض بهما حضارة. هذا هو عرفات وهذه هي قوانينه.