الموت قادم لا محالة فلا يفلت منه صغير أو كبير ولا غني ولا فقير وصدق العلي القدير "كل نفس ذائقة الموت" 85 آل عمران.. وقال صلي الله عليه وسلم "ما حق أمريء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصية مكتوبة عنده" رواه البخاري. لذلك سوف نتناول الأحكام المتعلقة بالوصية وأركانها وبعض الأمور المتعلقة بأحكامها فالوصية في اللغة اسم مصدر بمعني التوصية أو الإيصاء ومنه قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" "المائدة". وأحيانا تطلق علي الشيء الموصي به كما في قوله تعالي: "من بعد وصية توصون بها أو دين" فلفظ الوصية يعم الوصية والإيصاء فيطلق علي فعل الموصي وهو الإيصاء ويطلق علي ما يوصي به من مال وغيره. وقد ذكر الفقهاء أن أركان الوصية أربعة الأولي الموصي والثاني الموصي له والثالث الموصي به والرابع الصيغة علي خلاف الاحناف الذين قالوا إن أركان الوصية اثنان أحدهما الإيجاب من الموصي ويكون بلفظ يدل علي التمليك بعد الموت كقول الموصي أوصيت لك بكذا أو ملكتك كذا بعد موتي والآخر القبول ويكون بعد موت الموصي فإن قبلها قبل موت الموصي أوردها فلا عبرة عند الاحناف بذلك لأن العقد لا ينفذ إلا بالوفاة وقد يتعذر القبول الصريح عند الاحناف في ثلاث حالات الأولي إذا مات الموصي له قبل الموصي والثانية الوصية للجنين والثالثة الوصية لغير المعين من فقراء المسلمين فهذه الحالات لا تستلزم عند الاحناف القبول وتنعقد الوصية بالإيجاب فقط والجمهور يتفق مع النفية في أن إيجاب الموصي متي توفي وهو مصر علي وصيته ركان وأن الوصية تكون بكل ما يدل علي معني الوصية وأن القبول شرط لزوم الوصية بعد الموت وإن اختلفوا في القبول كركن فلا عبرة للقبول حال الحياة. وأخيرا هناك بعض الأمور التي تتعلق بالوصية نذكرها قبل الحديث عن شروط الوصية مثل التبرعات والعطايا فيمرض الموت وهل تأخذ حكم الوصية أم لا ذهب ابن قدامة في المغني أن التبرعات المنجزة مثل الهبة المقبوضة والصدقة والعتق والوقف والإبراء من الدين والعفو عن الجناية الموجبة للمال إن صدرت في الصحة من غير محجور عليه فهي من رأس المال ولا نعلم في ذلك خلافا. وبالرجوع إلي الرأي السابق يتبين أنه مذهب الجمهور إن كانت الهبات والعطايا للأجنبي في حالة الصحة من غير محجور عليه فله أن يهب وأن يتصدق بكل ما له وإن فعل نفذ تصرفه وذهبت طائفة من العلماء وأنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في كل ماله إنما يقتصر علي الثلث قال ذلك عروة وابن شهاب وعمر بن عبدالعزيز وذهب ابن حزم إلي أنه لا تنفذ هبة ولا صدقة لأحد إلا لمن أبقي له ولعياله غني فإن تصدق أو وهب كل ما يملك فسخ لأنه لا يتفق مع روح الشريعة وما تقضي به العدالة. وأما العطية للأولاد حال الصحة ذهب الجمهور إلي استحباب التسوية فيما بينهم فإن فضل بعضهم علي بعض صح مع الكراهة لأنهم حملوا الأمر بالتسوية في حديث النعمان بن بشير علي الندب كما حملوا النهي عن التفضيل للتنزيه ومال إلي ذلك الشوكاني في نيل الأوطار هناك فقهاء آخرون ذهبوا إلي وجوب التسوية بين الأولاد في العطية كقول أحمد والثوري وطاووس واسحاق والمشهور عندهم أن عدم التسوية تبطل العطية. والعطايا في مرض الموت المتخوف تأخذ حكم الوصية في أشياء وتفارقها في أشياء فهي تأخذ حكم الوصية في عدة أمور. أولا: وقف نفاذها إذا تجاوزت الثلث بإجازة الورثة. ثانيا: عدم صحتها إن كانت لوارث إلا بإجازة بقية الورثة. ثالثا: خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله ولا بعده. وقد تفارق هذه التصرفات حكم الوصية في عدة أمور كذلك. الأول: أنها لازمة في حق المعطي فليس له الرجوع فيها. ثانيا: أن قبولها علي الفور حال حياة المعطي وكذلك ردها. ثالثا: أن الواهب لوما مات قبل قبض الهبة كان الخيار للورثة عكس الوصية التي تلزم بالقبول بعد الموت من غير حاجة إلي رضاهم والقانون المدني تعرض للوصية في المواد 915. 916. 917 والظاهر أن المادة 916 تعتبر أن تصرفات المريض مرض الموت المنجزة في حكم الوصية لما يحيط بها من دلائل وقرائن وأحوال تدل علي ذلك وهكذا يكفي لاعتبار التصرف متي كان قانونيا مضافا إليا بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية وكذلك المادة 917 التي اعتبرت تصرف الشخص حال صحته لأحد الورثة بعين مع احتفاظه بحيازاتها حال حياته فإن هذا التصرف مع هذه الاحتفاظ يعتبر في نظر القانون تصرفا مضافا إلي ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك وهو ما يفعله الكثيرون لأنه وعند النظر الصحيح لا يعتبر هذا مخالفا للقواعد الفقهية فإن الأمور بمقاصدها والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمعاني.