لقد شرع الله الوصية ليصل الإنسان بها من يجب وتكون قربة إلي الله الذي أحب فيمتد أثرها لما بعد الوفاة من خير وبر وحسنات لا يعلم عددها إلا رب السموات وهذا من محاسن الشريعة ورقيها. والوصية وان كان الأصل فيها أن تبقي صحيحة ألا أنه قد يطرأ عليها ما يبطلها أو يقترن بها ماينال منها وسوف نتطرق إلي الأسباب التي تبطل بها الوصية. فقد ذهب علماء الأحناف إلي أن الوصية تبطل بهلاك العين الموصي بها جميعها وأن هلكت بعضها صحت في الاخر علي تفصيل ليس محلة الان وقد أخذت المادة "15"من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946بالمذهب الحنفي في جملته إلا أنهم خالفوه إذا زال اسم الشيء الموصي به كمن أوصي شخص بملاحة فزال الملح عنها وصلحت الأرض للزراعة فإن الوصية لاتبطل في نص المادة سالفة الذكر عملاً بقول المالكية خلافاً للأحناف فقد نصت المادة "15" علي الأتي تبطل الوصية إذا كان الموصي به معيناً وهلك قبل قبول الموصي له. وكذلك تبطل الوصية بجنون الموصي عند الأحناف رغم اختلافهم في طبيعة الجنون ومدته ومدي اتصاله بالموت حيث ذهب محمد إلا أنه ما يمتد سنة وذهب أبو يوسف ما يمتد شهراً وذهب صاحب الدار المختار إلي أنه ما امتد ستة أشهر. وحجة الأصناف في بطلان الوصية بالجنون أنها تصرف غير لازم والعقود غير اللازمة عندهم يكون لبقائهم حكم إنشائها من شروط وأركان منها تمام العقل مثلاً حتي تتوافر الإرادة المستمرة لبقائها وعدم الرجوع فيها وهذه الإرادة لا تستمر بوجود الجنون أو مايؤدي إلي زوال الأهلية. ويري المالكية والحنابلة إلا أن الوصية لاتبطل بالجنون أو زوال الأهلية متي كان الموصي كامل الأهلية وقت إنشائها سواء كان الجنون مطبقاً أي كاملاً لا تتخلله إفاقة أو إتصل بالموت أو لم يتصل وحجتهم في ذلك أن العقود والتصرفات تعتمد في صحتها علي وقت إنشائها فقط فزوال الأهلية بعد ذلك لا يؤثر عليها ولاعلي صحتها فالجنون الحادث لايؤثر علي البيع والإجارة والوقف وغير ذلك من التصرفات القانونية ويري الأمام أبو زهرة في شرحه لقانون الوصية بأنه يجب ألاتقاس الوصية علي الوكالة في بطلانها بالجنون لأن الوكيل يستمد ولايته علي التصرف من ولاية الموكل فإن زالت أهلية الموكل زالت الولاية التي يستمد منها الوكيل سلطاته فتبطل الوكالة. والقانون في نص المادة "14" من قانون الوصية اشترط للبطلان بالجنون شرطين.. الأول.. أن يكون الجنون مطبقاً كما ذهب المذهب الحنفي.. والثاني.. ان يتصل بموت الموصي حيث نصت المادة تبطل الوصية بجنون الموصي جنوناً مطبقاً إذا اتصل بالموت وكذلك تبطل بالنسبة للموصي له إذا مات قبل الموصي واذا لم يكن الجنون مطبقاً بان يمكث شهراً ولم يتصل بموت الموصي فلا تبطل بذلك الوصية وهذا ما نميل إليه من توسط في مدي إمكانية وأحقية الموصي في الرجوع في الوصية سواء في عدم استمرار الجنون وكونه مطبقاً أو لعدم اتصاله بموت الموصي. وقد أكد ذلك كذلك ما نص عليه المادة "16" من قانون الوصية بأنها لاتبطل بالحجر علي الموصي للسفه أو الغفلة وهو مايتفق مع قول الجمهور إذا قالوا بصحة الوصية من السفية وذي الغفلة إذا كانت في سبل البر وتنفذ في الثلث وقد أجاز القانون في الخامسة وصية السفيه وذي الغفلة المحجور عليه بإذن المجلس الحسبي. وأخيراً تبطل الوصية بموت الموصي له إن كان معيناً وبه أخذ القانون في المادة "14"وقد حكي عن ابن رشد وابن قدامه اختلافاً خلاصته أن الوصية تبطل بموت الموصي له قبل الموصي في قول الجمهور وأكثر أهل العلم وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وروي عن الحسن أنه قال أن الوصية تكون لولد الموصي له. وقال عطاء إذا علم الموصي بموت الموصي له ولم يحدث فيما أوصي به شيئاً فهو لوارث الموصي له وهواجتهاد طيب له قوته ووجاهته. وقال عطاء إذا علم الموصي له ولم يحدث فيما أوصي به شيئاً فهو لوارث الموصي له وهو اجتهاد طيب له قوته ووجاهته. وحجة الجمهور أن الوصية عطية وقد صادفت المعطي ميتاً فلا تصح كالهبة للميت. ولقد أكدت هذه الاختلافات سعة الشريعة ورحمتها التي تؤكد كل يوم صلاحيتها للحكم والتحاكم في كل زمان ومكان.