بعد مرور 13 عاماً علي نزول الوحي وتبليغ المصطفي صلوات الله وسلامه عليه لما نزل عليه. وصل عدد المسلمين إلي مائتين. وهذا العدد في أعراف البشر لا يمثل شيئاً في معادلة النصر. فماذا يفعل هؤلاء أمام سادة مكة الذين يتبعهم الألاف من قومهم ويناصبون رسول الله العداء منذ أول يوم للدعوة؟ وماذا يفعل هؤلاء وحولهم إمبراطوريتان عظيمتان هما الفرس والروم؟ كل هذه الاسئلة لم يتركها الوحي دون جواب. بل أسس مفهوماً جديداً للبشر وجعله من مفاهيم العقيدة مثله مثل الرزق والموت. والجنة. والنار. وهذا المفهوم الجديد الذي نزل به الوحي هو مفهوم النصر. حيث بين الوحي أن النصر لا ينزل إلا من الله. ولا يملك أي بشر مهما كانت القوة التي يمتلكها أن يمنح النصر لأحد أو يتحكم في النصر. ولنقف مع الآيه 26 من سورة الانفال " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون". فهي تصف واقع المسلمين حيث كانوا قلة ضعفاء يخشون الناس. إلا أن الله قد أيدهم بنصره. واستطاعوا مع رسول الله برغم قلة عددهم أن يشيدوا صرح الإسلام العظيم بإقامة دولته في المدينة. ولم يكن هذا بقوة مادية إكتسبوها جعلت لهم السبق والتفوق علي الكافرين. بل لأنهم ثبتوا علي الحق ونصروا الله فأيدهم الله بنصره. ودعاة الحق بحكم طبيعة دعوتهم يكونون دائماً قلة قبل النصر والتمكين لهم في الأرض. ولو أن النصر يعتمد علي عددهم وعدتهم ما انتصرت أي دعوة حق. وساد الباطل. إلا أن الله تعالي قد حمي أصحاب الحق بأن جعل النصر من عنده. إن هم نصروه وساروا علي طريقه. فأصبح النصر ضرورة حتمية لمن يسير علي طريق الحق الذي نزل به الوحي. يقول تعالي أيضاً في سورة الأنفال " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين "9" وما جعله الله إلا بشري ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم". فإمداد الله سبحانه وتعالي للمؤمنين بالملائكة من أجل أن يستبشروا وتطمئن قلوبهم. أما النصر فلا ينزل إلا من الله. هذه هي حقيقة النصر بأنه من عند الله. لذلك لا يجوز أن نظن أننا قادرون علي صنعه بسبب قوة ذاتية نتحصل عليها. بل الشرط الوحيد الذي وضعه الله تعالي لإنزال النصر هو أن ننصره " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" محمد 7 أي نلتزم بشرعه الذي أنزله علي رسوله. أما إذا ظننا أننا قادرون علي صناعة النصر بقوتنا دون السير في طريق الحق الذي رسمه لنا الوحي فإننا واهمون. يقول تعالي: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلي الله فليتوكل المؤمنون" آل عمران .160 ان جميع المعارك التي انتصر فيها المسلمون كانوا أقل عدة وعدداً من أعدائهم. ويوم حنين حين اغتر المسلمون بعددهم وقالوا لبعضهم: لن نهزم اليوم من قلة! ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وكادوا أن يهزموا لولا عناية الله لرسوله وللقلة القليلة التي تثبت معه ويصور القرآن هذا المعني بدقة " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين "25"