بيد كل من الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق إذا أخفق أحدهما في الانتخابات أن يسدي لمصر خدمة عظيمة لا تقل في أهميتها عن الخدمات التي يمكن أن يسديها في حال فوزه. وذلك إذا ما أقدم علي تهنئة منافسه الفائز. ففي هذه الحالة ستهدأ فورة الغليان في الشارع وتلفت كل القوي السياسية للعمل من أجل المستقبل ونبدأ في قطف ثمار الثورة. وتفرز الأحداث من الذي يعمل من أجل الوطن والشعب ومن الذي يعمل من أجل الكرسي. وفي المقابل يطهر الرئيس الفائز نفسه وقلبه من نوازع الانتقام ورغبات الشر ضد قوي المعارضة بل يطلب العون والدعم من الجميع في كل أحواله مستحضراً قول الخليفة الأول أبوبكر الصديق رضي الله عنه عندما تولي أمر المسلمين: "إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن وجدتموني علي حق فأعينوني وإن وجدتموني علي باطل فقوموني أو فسددوني. أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" فالخليفة رضي الله عنه هنا يقر أن من يتولي الحكم ليس بالضرورة أن يكون خير الناس فهناك في الشعب من هو خير منه. كما أن من واجب الشعب تجاه الحاكم مد يد العون له إذا كان علي الحق ليرتقي بشأن بلده. وتقديم النصح والرأي والمشورة إذا ما كان علي الباطل ليعود إلي جادة الصواب. وليس من الإسلام أو الأخلاق في شيء ما يسعي إليه البعض الآن من الادعاء بأنه إذا لم يفز فلان أو علان تكون الانتخابات مزورة وهم يعلمون تماماً سوء نواياهم ومقاصدهم. ولأن الشيء بالشيء يذكر أثمن مواقف بعض الذين اخفقوا في الجولة الأولي ولم يرتقوا إلي جولة الإعادة لاحترامهم رأي الشعب وعدم التشكيك في صحة النتائج. وفي نفس الوقت استغرب موقف السيدين حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وادعاءاتهما التي لا محل لها من الإعراب وكان الأولي بهما أن ينخرطا في صفوف الشعب يعملان من أجل الوطن لا علي إثارة الفتن وتزكية الأحقاد. فمن يريد خدمة مصر يا سادة يا كرام ليس بالضرورة أن يكون علي كرسي الرئاسة. ومازلت أتذكر موقف المرشح الجمهوري الأمريكي جون مكين عندما خسر في انتخابات الرئاسة الأمريكية مقابل باراك أوباما. ففي التقليد الأمريكي فور إعلان النتيجة يعلن الرئيس الفائز من مقر حزبه الفوز. وبعده بنصف ساعة يعلن المرشح المهزوم من مقر حزبه هزيمته ويقدم التهنئة للرئيس الجديد. وبينما كان جون مكين يعلن هزيمته هتف بعض أنصاره ضد أوباما وهنا أوقف مكين خطابه وقال لهم: "من فضلكم لا تسيئوا للرئيس لقد كان السيد أوباما منافسي في الانتخابات قبل نصف ساعة أما الآن فهو رئيسي ورئيسكم ورئيس أمريكا كلها وواجب علينا جميعاً أن نقف خلفه وندعمه ونعاونه ونؤازره". فأين نحن من هذه المواقف المتحضرة يا سادة يا كرام يا مرشحي الرئاسة في مصر أنتم وأشياعكم؟. ألسنا ونحن المسلمين أولي بها؟! لقد حان الوقت لأن يكون لشعب مصر حاكم متحضر يحقق له عزته ويعيد له كرامته التي أهدرت وتحقيق الكرامة لا يكون إلا بأمور في طليعتها زيادة عطايا الناس وأرزاقهم فالرخاء يزيد في الأخلاق. ثم الضرب بيد من حديد علي الجشعين والظالمين المستغلين الذين يستحوذون علي حقوق الناس وأقواتهم. ففي أول خطاب للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء: "لن تكون شدتي إلا علي أهل الظلم والتعدي علي المسلمين" ثم قرأ قول الله تعالي: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم". أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا لهم ألين من بعضهم لبعض. ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يتعدي عليه حتي أضع خده علي الأرض وأضع قدمي علي الخد الآخر حتي يذعن للحق. وإني بعد شدتي تلك أضع خدي علي الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف. ولكم علي أيها الناس خصال أقرها لكم فخذوني بها: "لكم علي ألا أجتبي شيئاً مما أفاء الله له إلا في وجهه ولكم علي أن أزيد في عطاياكم وأرزاقكم". وهنا بيت القصيد في الثورة المصرية حيث يريد الشعب من رئيسه الجديد تحسين مستوي معيشته مثل بقية شعوب الأرض. والله من وراء القصد.