هزت جريمة قتل الأب لبناته الثلاثة أركان المجتمع المصري حيث تجرد الأب من كل مشاعر الإنسانية والرحمة.. وارتكب هذه الجريمة لشكه في سلوك مطلقته والدة هؤلاء البنات.. فلم يتبق له سواهن فقام بقتلهن بأبشع طريقة. "عقيدتي".. ناقشت القضية مع عدد من العلماء والخبراء والمهتمين.. هل هذا الإنسان سوي؟ وما هو الدافع وراء ارتكابه للجريمة؟ وهل هناك علاقة بين هذه الجريمة وشكه في سلوك زوجته؟ وماذا قال الخبراء النفسيون وعلماء الاجتماع حول هذه الجريمة؟.. * الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بجامعة الأزهر يقول: من كليات الإسلام حفظ النسل وقد صان ديننا الحنيف النسل بالزواج الصحيح الواضح الذي يحضره جماعة من الناس ويقربه العرف والقانون ووضع الإسلام القواعد المثالية لهذا الزواج وصانه عن كل ما من شأنه أن يدخل الريبة علي الزوجين لذلك لم يرض بأي علاقة مشبوهة أو غير قائمة علي الأسس المتعارف عليها وبعد الزواج قطع الشبهات التي تؤرق شأن البيت المسلم وتدفع مع النسل الشك والريبة في نفوس الأزواج فمنع الزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها وألا تأذن لأحد في دارها دون رضا بعلها كما أنه منع الزوج أن يترك بيته ليلاً بعد مجيئه من سفره بدون معرفة أهله لأنه ظن أنه يشك فيهم كما أنه منع الغيرة في غير ريبة حيث قال صلي الله عليه وسلم: "إن من الغيرة ما يحبه الله ومنها ما يبغضه الله فأما الغيرة التي يحبها الله فما كانت في ريبة وأما الغيرة التي يبغضها الله فهي التي في ريبة" وليس المقصود هنا الغيرة الفطرية الموجودة في طبعنا إنما المقصود الغيرة المدعاة التي نبعت علي إفساد البيت وقد كان السابقون يستخدمون أدوات يستدلون بها عما إذا كان الولد هو ابن الزوج أم لا من هذه الوسائل القديمة "القافة" حيث كان ينظر في خطوط رجل الطفل ثم ينظر إلي رجل أبيه فإن وجد بينهما تشابها فالولد ابنه ومع تطور العلم وظهور وسائل حديثة مثل ال"D.N.A" التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك إن كان الولد ولده أو لا. وأضاف: سنظل نؤكد أن الأسرة المسلمة إذا بنيت علي قواعد الإسلام ابتداء وانتهاء فإنها لا تجد نفسها مضطرة إلي هذا الأسلوب بل يكفيها الطهر والعفاف والتماس الأعذار فحتي إذا وجد الزوج في بيته رجلاً غريباً في غير وجوده وأقسم أمام القاضي علي ذلك وسكتت المرأة ولم تحلف يقام عليها الحد أما إذا حلفت بالله أربع شهادات فإنها بريئة وأن زوجها من الكاذبين وشهدت الخامسة أن زوجها كاذب وإن غضب الله عليها وكان الزوج من الصادقين عندئذ يفرق بينهما ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاعتداء علي الأطفال الأبرياء حتي إذا ثبت بالدليل القاطع أنهم ليسوا أبناءه وأنهم حصيلة الزنا مع رجل آخر لأنهم أرواح بريئة طاهرة ومن قتلهم يقتل بهم لأن قتل النفس بغير ذنب جرم كبير ومن أعظم الذنوب عند الله تعالي لقول جل شأنه: "ولا تزر وازرة وزر أخري". وأشار: إذا شك الزوج في سلوك زوجته ونفت الزوجة هذه التهمة ولم تعترف بذلك فيكفي الشخص الذي أيقن ذلك إما أن يطلق زوجته أو يعفو عنها.. أما أن يعتدي عليها بأي شكل من أشكال الاعتداء ناهيك عن القتل إما لها أو لأولادها ولا يتصور أن يصدر هذا التصرف من رجل مسلم فربما يكون هذا الشخص في حالة جنون أو حالة سكر أو أن غضبه غلب علي عقله فيصير مغلق العقل.. لذا أري أن الالتزام بأخلاق ديننا يحفظ الجنس والنسل ويؤمن البيوت كوارث عظيمة. موروث سلبي ووافقته الرأي الدكتورة سلوي البسوسي مدرس العقيدة بجامعة الأزهر قائلة: للأسف الشديد طفت موروثاتنا الاجتماعية السلبية علي مبادئ وتعاليم ديننا الحنيف فالإسلام وضع الحلول الهادئة والمريحة لمثل هذه الجرائم لكن الناس تركتها ولم تلتفت إليها وراح كل إنسان يتصرف حسب هواه وحسب ما فعل غيره قديماً كانت تجرم المرأة قبل الإسلام والميراث وجدنا هذه العادة السيئة تعود مرة ثانية وليس وحدها وهي في نفس الوقت لا تصدر من إناس غير متعلمين إنما تصدر من إناس مثقفين ومتعلمين لكنهم يجهلون تعاليم وأوامر دينهم وبالنسبة لهذه الجريمة التي أراها تتكرر من وقت لآخر وتهز معها أركان المجتمع ترجع في المقام الأول إلي جهل مرتكبها دينياً وعلمياً وقد لاحظت من مظهره أنه يفتقد الثقافة التي تدفعه للتفكير الصحيح والتأكد من إن كانت هؤلاء البنات بناته أم لا قبل ارتكابه هذه الجريمة البشعة وإزهاق أرواح ثلاث بنات لا ذنب لهن سوي أنهن أبناء لأب جاهل وأم مستهترة. صورة دموية وأشارت الدكتورة زينب النجار أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر إلي أن هذه الحادثة البشعة ما هي إلا نتاج لثقافة قاطنة مترسخة داخل طبقات المجتمع المصري خاصة الطبقات التي لم تأخذ حظاً من التعليم الدنيوي والديني.. فأنا لا أستطيع أن أتصور أن يشرع إنسان عاقل في قتل أولاده بهذه الصورة الدموية والبشعة فلاشك أنه كان مغيب العقل وليس في وعيه لأنه لو كان في كامل وعيه لقام بقتل زوجته التي ألحقت به العار كما يقول لكن أن يقتل بنات أبرياء قصر بهذه الطريقة الوحشية فأنا لا أجد حرجاً في أن أنفي عنه صفة الإنسانية فالإنسان يفزع من مشهد الدم فما بالنا بدماء أغلي وأعز شيء في حياتنا. وأكدت علي ضرورة قيام علماء الدين بدورهم في مكافحة مثل هذه الجرائم التي تنخر في جسم الأسرة المسلمة وتصيبها بكافة الأمراض وكفي حديثاً في السياسة التي أقحموا أنفسهم فيها وتركوا مهمتهم الأساسية وهي تهذيب أخلاق الناس وحل مشكلاتهم. وطالبت الدكتورة سعيدة أبوسوسو أستاذ ورئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر بضرورة عرض هذا الرجل علي طبيب نفسي والتأكد من سلامة قواه العقلية لأنه ليس من المعقول أن يرتكب إنسان طبيعي هذه الجريمة البشعة ويخطط لها بهذه الطريقة. وأضافت: أحياناً الغضب يدفع الإنسان لارتكاب أخطاء لكن ليست بهذه الصورة البشعة والدموية.. لذا أطالب بفحصه جيداً علي أيدي أطباء متخصصين وإذا ما تأكدنا من سلامة قواه العقلية فلتوقع عليه أقصي العقوبات ليصبح عبرة لغيره.. لأني حتي اليوم لم أجد مبرراً لقتل هؤلاء البنات الثلاث فقد نتقبل محاولة الاعتداء علي زوجته والقصاص منها لأنها السبب الأساسي في الجريمة وهي من ألحقت به العار إذا كانت شكوكه حقيقية وليست مجرد خرافات وتخيلات لا أساس لها علي أرض الواقع.