إن الذي يتأمل التاريخ يجد أن سبب قوة الأمة في سائر العصور هو التوحد والتآلف وسبب الضعف الذي يعصف بالأمم ويذر الديار بلاقع هو التشرذم والتناحر والتدابر وعلي مدار تاريخ أمة الإسلام كان شعار أعداء الأمة للقضاء عليها "فرق تسد" وقد ظهر هذا المخطط في العصر الأول من ظهور الإسلام علي يد بن قيس الذي أوعز إلي بعض اليهود للتحريش بين الأوس والخزرج وتذكيرهم بأيامهم في الجاهلية وا ستنشاد الأشعار حتي حمل الأوس والخزرج السلاح. لكن النبي صلي الله عليه وسلم أطفأ نيران هذه الفتنة المستعرة قائلاً "أتقتتلون وأنا فيكم" وأنزل الله تعالي وصية للأمة إلي يوم القيامة "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين". إن ضعف المسلمين يرجع إلي اختلافهم وتفرقهم إلي شيع وأحزاب ومذاهب متناحرة. إذا ما أراد الله إذلال أمة رماها بتشتيت الهوي والتخاذل وهل ضاعت الأندلس يوم ضاعت إلا بسبب التناحر والتدابر والاختلاف "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم". يقول بن حزم عن حال أهل الأندلس "فضيحة لم يأت الدهر بمثلها أربعة أمراء يسمي كل منهم نفسه بأمير المؤمنين واحد بسبته والآخر بمالقه والثالث بغرناطة والرابع بقرطبة وقد عبر بن شرف القيراوني عن ذلك بقوله: ومما يذهدني في أرض الأندلس سماع معتمد فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انقاضاً صولة الأسد وهل ضاعت الأندلس يوم ضاعت إلا بسبب التفرقة وهل سقطت بغداد وبترت ذراع السودان واحتلت الأوطان إلا بسبب هذه الآفة. عجباً لأمة تحمل من مقومات الوحدة ما لم تحمله أية أمة علي وجه الأرض ثم تتنازع فهي تحمل وحدة العقيدة ووحدة الشريعة ووحدة الهدف. بقلم الدكتور: عادل المراغي إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية