** العباسية ستظل دائما عباسية.. محتفظة بقدر العبقرية الساحر وكل خيط فاصل بين الذكاء والجنون.. تتجاهل احيانا.. تتغابي حينا.. تغض الطرف.. تواجه صراحة.. تغضب تلعن تحرق.. وستظل عباسية وإن بقي الرماد ساخنا محتفظا بجمرات اللهب والجنون والحكمة معا. اسقطت العباسية كل الاقنعة لكل الاطراف.. بل وتركتهم عرايا يواجهون المهانة والعار. كشفت العباسية واحداثها رغم فظاعتها ودمويتها كل اللاعبين والمتلاعبين والمحرضين علي الفتنة .. والعابثين بأمن البلاد وأمان المواطن.. والمتاجرين بالمقدسات والمنتهكين للحرمات.. والعابثين بأي شيء من أجل مصالح واغراض فئوية ضيقة. نجحت العباسية في توجيه لطمة قوية وصفعة مباشرة لكل من يلعبون بالنار ومحترفي حمل كرات اللهب.. واعتقد ان كل القوي.. بلا استثناء.. قد اصيبت بلسعة نارية حادة وجراح من الدرجة الاولي.. بعد أن ظل المتصارعون علي الساحة يدفعون باتجاه التصعيد ومحاولة استعراض المزيد من العضلات واثبات أنه طالما يقاوم ويناطح فهو اذن موجود.. حتي فوجئت كل القوي بانها تصطدم بكرة اللهب المستعرة فجأة.. وان الحريق يحاصرهم والدخان يخنقهم وأنها فقدت الكثير من مصداقيتها.. وتآكل جزء كبير من رصيدها العام والخاص لدي عموم الشعب. الاخطاء والخطايا الكبري تتجلي من بين سحابات الدخان. وألسنة اللهب المستعرة والتي سمحنا لها بأن تشتعل وزودناها بقصد أو عن جهل أو بحسن نية.. بكل انواع الوقود الحيوي ليظل أوارها مستمراً.. لتعمل بدأب وتنهش بجد ووحشية في جسد الوطن المنهك والمثخن بالجراح الداخلية والخارجية علي السواء. اخطاء الكبار بدت واضحة للعيان ولم يعد هناك مكابرة في الاصرار والعناد والتصعيد المخزي الذي لاطائل من ورائه.. بل ويساهم في مزيد من التعقيد والتوريط والغوص داخل مستنقعات الوحل السياسي.. لذا كانت الصدمة شديدة.. وكان التراجع حتميا ولزاما.. والدخول مباشرة في البحث عن مخرج أو محلل للخروج من الكارثة أولاً.. ولحفظ ماء الوجه علي الأقل ثانيا. ولابد من الاعتراف أن اخطاء الكبار قادت بالضرورة الي خطايا الصغار.. وسمحت للخلايا النائمة والقوي المتربصة والمستترة بالعمل بجد ونشاط.. وأيضاً اعطت الفرصة لتطاول الصغار علي الكبار.. ومنحت تراخيص عمل لفئات ضالة ومضلة ركبت الموجة علي صهوة الدين.. واستدعت واستنفرت مصطلحات من عصور سحيقة.. تصيب الكثيرين بالارتكاريا.. وتستفز اعداء كل ما هو إسلامي وتؤلب كل المتربصين.. باصحاب وأنصار التيار الإسلامي.. ويتخذون من تلك المصطلحات والاسماء والمرادفات التاريخية - رغم دلالتها وظلالها الجميلة في سياقها التاريخي الصحيح والدقيق - خناجر للتهويل والتخويف والتشكيك والاتهامات بالرجعية والتخلف والعداوة لكل تقدم والرفض لكل ما هو حضاري وإنساني معاصر. ومن ذلك استدعاء مقولات مثل فتح مصر.. والجهاد.. ورفع رايات معينة وما إلي ذلك. ولابد من الاعتراف أن رغبة التصعيد لدي البعض ودفع الأمور إلي حافة الهاوية.. وترك الحبل علي الغارب للصغار قد أوقع الكبار في مطبات صعبة ودفعهم للسقوط في مزالق خطرة ليس اقلها الاعتداء علي حرمات المساجد وانتهاك قدسيتها سواء بالاسلحة أو اقتحامها بالقوة.. حتي وإن كان بغرض السعي لتحقيق اهداف سامية وأغراض نبيلة. هذا فضلا عن حرمة الدماء التي سفكت وسالت علي ارصفة الشوارع.. والتي وصفها النبي صلي الله عليه وسلم بأنها أشد حرمة عند الله تعالي من الكعبة المشرفة البيت الحرام. وإذا كانوا يقولون.. رب ضارة نافعة.. فإن موقعة السقوط في بئر الفتنة بالعباسية.. يجب أن تكون علامة فارقة ونقطة تحول في مواقف وتوجهات كل الاطراف والعناصر الفاعلة علي الساحة المصرية كبيرها وصغيرها.. وأيا كانت درجة تحملها للمسئولية وأيا كان موقعها وموقفها.. وضرورة أن تكون هناك وقفة جادة تجاه كل ما يحدث.. مع وقف فوري لسياسة استعراض العضلات التي اربكتنا وكادت توردنا المهالك واستبعاد منطق القوة وفرض سياسة الغلبة بالقوة المادية أو المعنوية أو بالاكثرية العددية.. أو الاختباء والتحصن أمام شبهات قانونية أو دستورية أو رغبات وطموحات شعبية قد تكون صحيحة أو زائفة أو مغرر بها لسبب أو لآخر. أعتقد أن السقوط في بئر العباسية قد كشف للشعب بوضوح القدرات الحقيقية والكامنة لدي القوي والاطراف الفاعلة.. سواء من حيث القدرة علي المناورة والمراوغة والتحايل والشحن والتحريض ولا نقول الاثارة. وعلي الطرف الآخر.. القدرة علي المواجهة والصد والردع عندما يريد وأينما يريد.. وهذه مسألة في غاية الخطورة.. فعلي الرغم من تأثيرها الإيجابي احيانا إلا أن لها تبعات سلبية خطيرة وانعكاسات نفسية بالغة السوء.. ويطرح الكثير من علامات الاستفهام.. ويفتح باب التاويلات والاسقاطات.. ليس أقلها وجود شبهات في حال الصمت وعند التحرك السريع وكلها لا تخلو من قلق مزعج ومربك ايضا ..في ظل سيادة حالة من الفوضي العارمة.. واختلاط الاوراق وتداخل المشاهد وضبابية الرؤية وانعدام القدرة علي التفسير والتحليل والتوضيح الصحيح وافتقاد المعلومة وانتعاش الشائعات ورواج الشيء ونقيضه في ان واحد ومكان واحد أيضا. نأمل أن تتجلي كرامات العباسية هذه المرة.. ولا تتركنا في حيص بيص كما فعلت اخواتها السابقات في مواقع كالجمل وماسبيرو ومحمد محمود وغيرها.. نضرب الاخماس في الاسداس عن المحرضين والممولين والمتورطين والمنفذين.. نأمل ان ينجينا الله هذه المرة من حدوتة اللهو الخفي الملعونة .. واكذوبة الطرف الثالث البائسة الحقيرة. وألا تخيب النيابة العسكرية التي تباشر التحقيقات.. ظننا هذه المرة وتكشف عن هؤلاء المتورطين والفاسدين المفسدين في الارض مهما كانت اسماؤهم أو اوزانهم.. حتي نستريح ولو مرة واحدة قبل أن يقضي الله امرا كان مفعولا.