أثارت واقعة القبض علي المحامي المصري الحقوقي "أحمد الجيزاوي" من قبل السلطات السعودية أثناء توجهه لأداء فريضة العمرة مع زوجته استياء كل المصريين علي كافة المستويات. ترجع أحداث الواقعة عندما فوجيء أحمد الجيزاوي وزوجته بالقبض عليه من قبل السلطات السعودية وأنه صدر عليه حكم بالسجن سنة والجلد 20 جلدة وقد تضاربت أسباب القبض عليه فهناك من قال انه قد قام بسب الذات الملكية وهناك من ادعي بأنه تم العثور معه علي كمية كبيرة من المواد المخدرة.. عقيدتي تفتح ملف إهانة المصريين بالخارج وسوء معاملتهم وتخاذل السلطات المصرية وممثلي السفارات المصرية بالدول العربية والأجنبية في حماية رعاياها والبحث عن حقوقهم. في البداية نعرض بعض نماذج المصريين بالخارج وما يتعرضون له من اهانة وتعذيب والسفارة لا حس ولا خبر. * احتجاز شابين مصريين هما "حسام محمد سليم وجمال محمد عبدالشافي" بأحد أقسام الشرطة الكويتية وتعذيبهما بطريقة فظة حتي أن وصل الأمر لسكب ماء النار علي مناطق حساسة بجسديهما وذلك لاتهامهما بتزوير تأشيرات عمل وعدم عرضهما علي النيابة وعدم اتخاذ السفارة أي رد فعل تجاههما. * جمال طه ظل يعمل في الكويت مدة 13 عاماً تجرع فيها كل ألوان العذاب حيث سجن عامين بدون حكم ونهبت نصف أمواله وعندما لجأ للسفارة المصرية بالكويت لمساعدته ما كان من السفير إلا أن قال له: "نحن مجرد بوسطجية نكتب كلمتين ميري وبس" وبعدين "إحمد ربنا إنك خرجت من هنا وما تدورش علي فلوسك لأنه ما حدش هيجبهالك". * كمال محمود إسماعيل نموذج صارخ لتعذيب المصريين بالخارج حيث تعرض لعملية نصب بالأردن نهبت فهيا كل أمواله وليس هذا فحسب فقط سجن وعذب سنوات منذ أن كان عمرو موسي وزيراً للخارجية وحتي اليوم لم يحصل علي أمواله التي نهبت منه وكان يظن أنه بعد الثورة يستطيع استرداد حقه لكن لم يستطع. معلومات متضاربة في البداية أشار الدكتور منصور السعيد ساطور عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الي تضارب المعلومات حول هذه القضية فالبعض يقول إنه سب الذات الملكية وهناك من يقول إنه عثر بحوزته علي كمية من المواد المخدرة وهذا سبب إلقاء القبض عليه.. لكن علي أية حال فالقضية قيد التحقيق ولا يمكن أن نتسرع في اصدار أحكام قد تكون غير دقيقة فمتي تتوافر لدينا المعلومات الدقيقة والحقيقية عن الواقعة نستطيع البت فيها والحديث عن الموقف القانوني الصحيح والسليم له.. أما قبل ذلك فيصعب الحديث لأن التطرف لهذا الموضوع في هذا الوقت أمر شائك وقد يتسبب في مشكلات بين البلدين. أضاف: لا أحد يستطيع انكار تقصير السفارات المصرية في حق مواطنيها وعدم قيامها بدورها المنوط تجاههم فالكل لديه ملاحظات علي أداء هذه السفارات المصرية وتقصيرها الفادح في رعاياها الأمر الذي انعكس علي علاقة المسئولين بالدول الأجنبية بالمواطنين المصريين وهذا ليس شيئاً مستغرباً فكما تهتم بمواطنيك وترعاهم يكون اهتمام الآخرين بهم واحترامهم وأنا شخصياً لي تجربة في إحدي الدول العربية فقد سافرت في اعارة لسلطنة عمان وكان السفير لا يعطي أدني اهتمام من وقته للمواطنين المصريين هناك في حين أنه كان يتخذ من السفارة مرتعاً خاصاً له ولعائلته حيث خصص لهم كل الوظائف بالسفارة وجند لهم الموظفين والعمال لخدمتهم وتحقيق طلباتهم. سوء الاختيار أكد أن الخلل الذي نتلمسه جميعاً في السفارات المصرية بالدول العربية والأجنبية يرجع في المقام الأول إلي سوء اختيار القائمين علي أعمال هذه السفارات فالاختيار لا يكون علي أساس الكفاءة والسمعة الطيبة إنما قائم علي أساس الواسطة "المحسوبية والعلاقات الشخصية" وهذا بالطبع سبب كل الكوارث التي نسمع بها ونراها في عيون كل المصريين الذين يسافرون لأي دولة عربية في حين أن هناك دولاً تهتز سفاراتها وتقلب رأساً علي عقب اذا ما أصيب أي مواطن من رعاياها بسوء ولو كان عاملاً بسيطاً.. أما المواطن المصري فإذا فعل به أي شيء لا يحرك أحد ساكناً وكنا نود أن يتغير هذا الوضع المرير بعد الثورة لكن مازال الحال علي ماهو عليه طالما أن مصر مازالت علي ماهي عليه قبل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير فمازالت طاردة لأبنائها وتذلهم في الداخل والخارج من أجل الحصول علي لقمة العيش وهذا شيء مخز ومهين. تناول خيط الحديث بهي الدين الرشيدي السفير السابق قائلاً: لقد عملت سفيراً لمصر في ست دول أوروبية وأفريقية وشرق أوسطية وكانت علاقتي بالجالية المصرية في كل البلدان التي خدمت فيها طيبة للغاية حيث كان هناك جسر من التواصل بيني وبينهم وكنت دائماً أدعوهم في بيتي وفي السفارة وكنت استمع إليهم وأتعرف علي مشكلاتهم وقضاياهم ولا أتواني عن حلها وهذا الجسر من التواصل جند هؤلاء المصرين المغتربين لخدمة السفارة وتقديم خدمات جليلة لها.. لكن كثيراً ما نسمع عن معاناة المصريين بالخارج وتخاذل السفارات عن القيام بدورها تجاههم وهذا يتوقف من وجهة نظري علي أفراد السفارة نفسها لأنه ليس بالطبع الكل متخاذلاً ومقصراً إنما هناك أناس يقومون بعملهم علي الوجه الأكمل فليست كل السفارات المصرية بالخارج متخاذلة ومقصرة كما يصور الإعلام وتنشر الصحف فهناك اناس يعملون في صمت ليل نهار. أضاف: هناك دول علاقتها ليست جيدة بالجانب المصري وهذا بالطبع ينعكس علي طبيعة التعاون بين السفارة في هذا البلد والمسئولين بها فإذا ما حدثت واقعة لأي مصري في هذا البلد يكون من الصعب تدارك المشكلة وحلها.. أما الدول التي تجمعها بمصر علاقة طيبة تذلل العقاب ونحل أكبر المشكلات في وقت قصير. أكد علي ضرورة حسن اختيار السفراء بشكل موضوعي بعيد كل البعد والواسطة والمحسوبية لانجاح العمل وتقدير الخدمات للرعايا المصريين بالخارج. واجب ديني قال الشيخ عادل أبو العباس من علماء الأزهر: السفارة في الإسلام توكيل رسمي من الدولة بحماية رعاياها في الدول التي يقطن بها السفراء فهو قائم مقام الأمين المحافظ علي العلاقات الدولية بين بلده والبلدان الأخري وذلك في جميع المجالات سياسياً وثقافياً وعسكرياً حتي أنهم وضعوا له من يساعده كالملحق الثقافي والملحق السياسي ونحويهما. أشار الي أنه من أهم مهام السفير أن يتابع قضايا أهل وطنه عندما ينزلون ضيفاً عليه في البلد الذي يقيمون فيه ويحل لهم مشاكلهم ويسمع لآرائهم ويتابع قضاياهم مع الدولة التي نزلوا بها وهذا هو الذي نعرفه عند أصحاب القيم الذين يؤدون أعمالهم علي الوجه الذي يرضي الله.. وإذا كانت العلاقات السيئة وعدم رعاية الضمير قد تحققت في النظام البائد فإنه لا حجة للسفراء في هذه الآونة بعد ثورات الربيع العربي لأنهم يراقبون الله وحده في أعمالهم ونحن بذلك لا نطالبهم بخرق القوانين إنما نطالبهم بالعمل الجاد المنصف الذي يرعي حقوق المصريين بالخارج ولا يؤدي الي اهانتهم وعندنا أمثلة للسفارات القوية في شتي أنحاء العالم وعلي رأسها الكيان الصهيوني الذي رأينا وسمعنا كيف كان يدافع عن حقوق الجواسيس الذين دخلوا البلاد وحاولوا وكذا تخريبها وما قضية عزام عزام ببعيدة فقد كان مداناً ومتهماً بالجاسوسية ومع ذلك كان الدفاع عنه مستميتاً كذلك رأينا الدور الذي لعبته الدول الأخري في القضية الأخيرة الشهيرة للأجانب الذين كانوا يعملون تحت مسمي منظمات حقوق الإنسان ومع ذلك كيف استطاعوا تهريبهم والدفاع عنهم. أضاف: لقد رفضت الحضارة الإسلامية السابقة أن يهان واحد من مواطنيها علي أرض أخري ورفضت كذلك أن يهان ضيوفها من أهل البلاد الأخري علي أراضيها ومعروف كيف حمي الإسلام السياح وكيف طالب بحمايتهم فلماذا الاهانة للمصريين وحدهم فإذا كان هذا الرجل متهماً فينبغي علي السفارة أن تضع له المحامين وهذا حقه للدفاع عنه فإن ثبتت براءته فهو في الإسلام بريء وإن ثبتت ادانته فلتنظر السفارة في القوانين التي تضمن له حقه عما اذا كان مطالباً بأن يحاسب أمام قضاء وطنه أم أن الاتفاقيات الدولية تطالب السفارة بأن يحاسب أمام القضاء الآخر.. لذا أياً ما كان فالوقوف بجانبه دليل علي ادراك السفارة لمهمتها كما نري في الحضارات الأخري والدول المتقدمة ويطالب باعادة النظر في الاهانات الموجهة للمصريين ولكل مظلوم في العالم الإسلامي أمام الأماكن الأخري التي هاجر إليها أو ذهب من أجل العمل فيها. ووافقته الرأي الدكتورة آمنة نصير الأستاذة بجامعة الأزهر قائلة: هذه القضية يدخل فيها التباسات متعددة فعندما قرأت خبر القبض علي هذا المواطن المصري سألت نفسي من هي الذات التي يحرم علي الإنسان اهانتها أو سبها غير الذات الالهية.. فأي ذات بشرية قابلة للنقد لكن النقد غير الجارح.. فلدينا قاعدة عريضة تقول: "الاجماع من الناس علي إنسان أمر عزيز المنال" فاذا كان الناس لم يجمعوا علي الأنبياء والمرسلين إنما راحوا يتطاولون عليهم ويشككون في أمرهم وهؤلاء هم الأنبياء فما بالنا بالبشر الذين يخطئون ويكررون أخطاءهم فهم ليسوا ببعيدين عن توجيه الانتقاد لهم. أضافت: لا يجوز شرعاً أو قانوناً القاء القبض علي أي مواطن بهذه التهمة واهانته بهذا الشكل وانتهاك آدميته بهذه الطريقة وتساءلت: كيف يسمح خادم الحرمين الشريفين والمسئولون في هذا البلد الشقيق بارتكاب مثل هذا الجرم لإنسان ينوي اداء فريضة العمرة وكل ما أتمناه هو ألا تثبت علي هذا الشاب المصري هذه الجريمة المخزية والمعيبة لأنها اهانة لكل المصريين ولوطنهم الخالد مصر. هذا من ناحية ومن ناحية أخري فيجب علي كل مصري يعمل خارج وطنه الالتزام بأعراف وتقاليد هذا البلد ويجب ألا ينسي أنه يمثل مصر ويحمل علي أكتافه ابن مصر ويعطي لهذا الاسم كل ما يستحقه من الاحترام والتقدير واتقان العمل كما أود أن أقول لهم كفاكم تنازلاً وتنازعاً فالأرزاق بيد الله يمنحها للإنسان داخل وطنه وخارجه كما أناشد كل المؤسسات الدبلوماسية في الخارج أن تقوم بدورها الحقيقي تجاه مواطنيها وترعاهم وترعي مصالحهم.