الجدل الحالي بين دعاة زيارة القدس الشريف وتيار عريض من الرافضين جدل قديم. فقد تعددت في السابق المبادرات التي تبناها عدد من السياسيين بحجة دعم الاشقاء في فلسطين. وقابلها الرأي العام في عالمنا العربي والإسلامي بالرفض والاستهجان باعتبارها تكريساً لسلطة الاحتلال وكسر المقاومة وترسخ شعور الانكسار في الأمة. احتدم الجدل خلال الأيام الماضية بسبب زيارة الداعية الإسلامي اليمني علي حبيب الجفري لمدينة القدسالمحتلة وأداء الصلاة في المسجد الأقصي بتأشيرة دخول إسرائيلية. وساهم في تعقيد الموقف وسخونته تنظيم رحلات لأقباط مصر إلي الأراضي المحتلة لزيارة المعالم المسيحية بمدينة القدس. في إطار احتفالاتهم بعيد القيامة. بالمخالفة لقرار كان البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية. بطريرك الكرازة المرقسية. قد اتخذه بحظر سفر الأقباط للقدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وإذا عدنا بالذاكرة إلي الوراء قليلاً نجد أن الدكتور محمود حمدي زقزوق - وزير الأوقاف الأسبق - كان قد تزعم من قبل الدعوة لزيارة القدس ولو بتأشيرات إسرائيلية. وحث جميع المسلمين علي الصلاة بالمسجد الأقصي. تحت زعم تعزيز ومؤازرة الحق العربي والإسلامي في المدينة المقدسة. إلا أن المبادرة رفضتها كافة القوي والتيارات الوطنية واتهمت من يقفون خلفها بالدعوة إلي التطبيع ومحاولة تمرير أهداف خفية من ورائها. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ماذا تغير في المشهد حتي يعاد إنتاج ذات المبادرة. وهل حدث تغير في مواقف القوي الوطنية والدعوية إزاء رفض وتحريم زيارة القدس بتأشيرات إسرائيلية؟ رفض الدكتور عبدالله الأشعل - أستاذ القانون الدولي والمرشح المحتمل للرئاسة - المبادرة واعتبرها دعوة لانتهاك الثوابت. مضيفاً أنها شكل من أشكال التطبيع واعتراف صريح من الأمة بهذا الكيان الغاصب والرضوخ لممارساته والقبول بسيادته علي المقدسات الإسلامية والمسيحية والتسليم بإملاءته خاصة أن الزيارة تتطلب الحصول علي تأشيرات دخول من الاحتلال. ومن غير الجائز أو المقبول دخول الأماكن المقدسة للأمة بتأشيرة من دولة الاحتلال. الاعتراف أولاً قال إن هذا النوع من المبادرات يصطدم مع ما أجمعت عليه الأمة منذ بداية الصراع مع المحتل الغاصب. مؤكداً أن مكمن الخطورة فيها هو الخلط والتدليس علي الرأي العام وإظهار الأمور علي عكس حقيقتها لدفع جموع الأمة نحو التطبيع دون أن تدري. أضاف أن السماح بزيارة المدينة المقدسة يجب أن يكون عقب اعتراف قوة الاحتلال بحقوق الأمة والإقرار بكافة القوي السياسية والدينية والتاريخية للشعب العربي علي أرضه ومقدساته فبدون إحداث نوع من التقدم الحقيقي علي المسار السياسي فهي بمثابة مكافأة مجانية نمنحها للعدو علي استمراره في ارتكاب جرائمه. يقول إن بعض رجال الدين يتصرفون وكأنهم سياسيون ويرفعون لافتات البرجماتية السياسية ويتسببون بمواقفهم غير المسئولة في إثارة البلبلة وبث الانقسام في صفوف الأمة. مضيفاً أن كل تيارات الأمة ضد التطبيع مع العدو بكافة أشكاله والتحمس لهذه الدعوة فيه افتئات خطير علي ضمير الأمة. أكد عبدالقادر ياسين - المفكر الفلسطيني المعروف - أن الدعوة لزيارة القدس التي يتحمس لها بعض الرسميين من رجال الدين في مصر ليست جيدة وإنما سبق وتبناها سياسيون فلسطينيون من قبل مثل فصيل الحسيني مسئول ملف القدس والشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين بحجة عدم ترك القدس للصهاينة يطمسون هويتها ويمحون ملامحها. قال إن تبسيط المسألة والزعم أن الحصول علي التأشيرة الإسرائيلية من أجل دخول القدس وزيارة المسجد الأقصي ليس اعترافاً بالوجود الإسرائيلي. وإنما مجرد تصرف إجرائي نضطر إليه لتعزيز عروبة القدس هو زعم باطل والمؤسف أنه يصدر عن أناس ليس من طبيعة عملهم أو ما يفترض فيهم أن يبثوا الهوان بين الناس. أشار إلي أن المبادرة تخدم دولة الاحتلال وتقدم لها أعتراف الأمة وقبولها بممارساتها علي طبق من فضة. مضيفاً أن القدس تحتاج دعماً اقتصادياً وسياسياً وليس الوقوف أمام السفارة الإسرائيلية من أجل الحصول علي تأشيرة إسرائيلية. والذي يقرأ الصحف العبرية يجد أن أعداءنا الإسرائيليين منتشون وفرحون بهذه المبادرة لأنها في حقيقة الأمر تمنحهم اعترافاً صريحاً من الأمة التي قبلت أن تدخل وتزور القدس سياحياً بأن المدينة المقدسة عاصمة أبدية لإسرائيل. ملك للعرب والمسلمين يقول الدكتور قاسم عبده قاسم - المؤرخ المعروف - إن المدينة المقدسة والمسجد الأقصي والأوقاف الإسلامية هي ملك لكل العرب والمسلمين وعليهم أن يأخذوا زمام المبادرة لاستردادها. وشدد علي ضرورة رفض التطبيع بكافة صوره وأشكاله. موضحاً أن المبادرات الرسمية يحكمها اعتبارات سياسية متغيرة ولا يمكن أن نرهن الحقوق التاريخية والدينية للأمة بهذه الاعتبارات. ونحن الآن في أمس الحاجة لمشروع يشارك فيه الجميع في المنطقة العربية وإدارته بطريقة جادة بعيداً عن السياسيين الذين لن يقوموا بهذا الدور حرصاً منهم علي الاعتبارات السياسية والمصلحية ولتحكم التباينات السياسية في المواقف. قال إن القدس أرض تحت الاحتلال الإسرائيلي الكامل ودخول المواطنين العرب إليها سوف يتم وفقاً لإرادة دولة الاحتلال وهو في المحصلة النهائية اعتراف بالمحتل وخضوع لرؤيته والابتعاد عن فكرة مقاومة الاحتلال ورفض إجراءاته وممارساته. مؤكداً أن التسليم بهذه المبادرة هو إفلاس سياسي ونوع من الاستسهال ورغبة للتجريب في وقت وظروف لا ينفع فيها مثل هذا العبث. يقول إن مقدسات الأمة تتعرض لأخطار شرسة. وهناك عشرات الأفكار التي يمكن أن نستخدمها لدعم صمود إخواننا المقدسيين منها فكرة شراء الأراضي في القدس من قبل المسلمين وتمويل التجار الفلسطينيين. فلا يمكن أن يكون اتخاذ المواقف ضد الاحتلال والتعبير عن مناهضة المشروع الإسرائيلي لصهينة المدينة بكسر إرادة الأمة والقضاء علي سلاح المقاطعة ورفض التطبيع مع العدو. تضليل حذر الدكتور محمد أبوغدير - أستاذ الدراسات الصهيونية بجامعة الأزهر - من الانسياق وراء مثل هذه المبادرات دون دراسة متعمقة يقوم بها عقول الأمة ومفكريها المخلصين للوقوف علي تأثيراتها علي حقوق الأمة. ومؤكداً أن الخطأ الذي يقع فيه من يعولون علي المبادرة هو التصور بأنها سوف تسهم في ملء الفراغ وتغلق أبواب الاجتياح الشامل أمام الاحتلال الغاشم وتعزز من الوجود العربي بالمدينة المقدسة. قال إن المبادرة لا تخدم قضية القدس ولكن تصب في مصلحة إسرائيل وتظهرها أمام الرأي العام العالمي بالدولة المتحضرة المتسامحة دينياً التي تتيح للمسلمين والمسيحيين حرية الوصول إلي المقدسات وأداء العبادات. وبالتالي لا يكون هناك مجال للحديث عن السيادة الإسلامية أو المسيحية علي مقدسات الأمة طالما أن إسرائيل تتيح لنا الوصول إليها وتضيع المطالبة بالمدينة إلي الأبد. طالب بضرورة التحرك الشعبي علي كافة الاتجاهات والاستمرار في رفض التطبيع ومقاطعة العدو والتنديد بممارساته وإجبار الحكومات علي تبني المواقف التي تحمي الحقوق العربية وتنتزع القدس والمسجد الأقصي من أيدي الصهاينة. المنكسرون عبر الدكتور عبدالمعطي بيومي - عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف - عن رفضه التام للمبادرة واستهجانه لطرحها في وقت تقوم فيه دولة الاحتلال بالممارسات الوحشية والقرصنة علي الحقوق العربية والإسلامية. وقال إن شعور الذاهب إلي القدس بتأشيرة إسرائيلية هو شعور المنكسر الذي تهاوت كل حصون المقاومة في داخله. فراح يحصل علي صك الاعتراف بالهزيمة والاستسلام دون مقابل سوي زيارة المسجد الأقصي ودعم إخواننا الفلسطينيين. يضيف أن الذين يتحدثون عن دعم القدس بهذه الزيارة يغفلون عن حقيقة أنها ليست سوي دعم للسياحة الإسرائيلية. واعتراف بالهزيمة وقبول بالاحتلال واستمرار لحالة التراجع والاستسلام للمشروع الصهيوني. يقول إن الأمة مطالبة برفض هذه المبادرة والتمسك بالمقاومة علي كافة المستويات لأن كل الأدلة التي يتعلل بها إخواننا القائلون بتأييد الزيارة وهم قلة مرفوضة ولا تنهض علي منطق أو حسن تقدير. وكان عليهم أن يتستروا بإظهار القوة بدلاً من المجاهرة بإظهار الضعف فالمنطق القرآني هو "لا يحب الله الجهر بالسوء" النساء 148. حتي وإن كانت في أسوأ الفروض قوة مفتعلة.