الحكمة لغة: العلم بحقائق الأشياء علي ماهي عليه في الوجود والعمل بمقتضاها. وهي إذا أضيفت إلي الله - عزوجل - يراد بها: العلم بالأشياء وإيجادها علي غاية الإحكام. وإذا أضيفت إلي الإنسان يراد بها معرفة الحق. وفعل الخيرات. وتطلق علي العلم والفقه كما ورد في الحديث الشريف "ورجل آتاه الله - تعالي - الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" وجاءت بمعني النبوة قال الله - سبحانه: "وآتاه الله الملك والحكمة". "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب". واصطلاحا: ما يترتب علي ربط الحكم بعلته. أو بسببه من جلب مصلحة أو دفع مضرة. أو تقبلها. وتطلق ايضا علي الوصف المناسب لشرع الحكم. إذا علم هذا: فإن حكم الحكمة - إجمالا - يتضح من المقارنة بين الحكمة والعلة: ہ العلة هي الوصف الذي جعله الشارع مناطاً للحكم - أي لثبوت الحكم - حيث ربط الشارع به الحكم وجوداً وعدما علي أنه مظنة لتحقيق المصلحة المقصودة للشارع من شرع الحكم. ہ أما الحكمة فهي المصلحة نفسها. لذلك تتفاوت درجاتها في الانضباط. وقد تخفي فلا تكون معلومة للناس أصلا. لهذا اختلف الأصوليون في جواز ربط الحكم بالحكمة. فقال بعضهم: إذا وجدت الحكمة ظاهرة منضبطة جاز ربط الحكم بها لعدم المانع لأنها المؤثر حقيقة. ويري آخرون أنه لا يجوز ربط الحكم بها وإن كانت ظاهرة منضبطة. وقد استقرأ بعض أهل العلم أن حكمة الحكم قد تكون معلومة إجمالا ولا يخرجه ذلك عن كونه تعبدياً - أي الاحكام الشرعية التي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرد التعبد - أي التكاليف بها - لاختيار عبودية العبد فإن اطاع أثيب. وإن عصي عوقب. والمراد بالحكمة هنا مصلحة العبد من المحافظة علي دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله. أما مصلحته الأخروية: النجاة من العذاب والخلاص من العقاب. والفوز بالجنات. فهي ملازمة لكل أمر تعبدياً كان أو غيره - لاحظوا بالاستقراء أنها قد تكون معلومة إجمالا ولا يخرجها - أي الحكمة - كما سلف عن كون الحكم تعبدياً من بعض الوجوه ما لم يعقل معناه علي وجه الخصوص مثل العدة للنساء والفروض المقدرة في المواريث بل وسائر المقدرات الشرعية من عدد الصلوات والأنصبة في الزكوات. وما يناظر هذا ويماثله ويشابهه من الأمور التي لا مجال للعقول في فهم مصالحها الجزئية حتي يقاس عليها غيرها. وتوسع بعض العلماء علي أن كل الاحكام معللة بمصالح العباد في الدنيا والأخرة كالمعتزلة ومتأخري الفقهاء فما قالوه".. أحاط علمه - أي الله - تعالي - بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيها وظاهرها. ما يمكن إطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم. وليست هذه التخصيصات والتقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة" ويري بعض أهل العلم عدم العموم في هذا بل توجد أحكام يقصد منها التعبد والامتثال. ہ وعلي ضوء ما ذكر فإن الحكمة ترتبط بأمور وثيقة ينبغي لدارس الشرع تعلما وتعليما إفتاء وتأصيلا وتنظيراً الالمام بها دفعا للالتباس والاشتباه. والخلط وكلها تؤدي إلي الخطأ في معرفة الأحكام والزلل في سلامة الاستنباط والخلل في بيان المقاصد فمن ذلك: 1 - السبب: الوصف الظاهر المنضبط المعرف للحكم. 2 - المانع: ما يلزم من وجوده وعدم السبب أو الحكم. ولا يلزم من وجوده الوجود. 3 - التعبدي: سلف بيانه. مع مراعاة معرفة حق الله - عزوجل - من أمور تعبدية تخفي حكمتها. وغير تعبدية تظهر حكمتها. وحق العبد. والمعلل بالعلة القاصرة. والمعدول به عن سنن القياس. والمنصوص علي علته. وما هو معقول المعني وما ليس كذلك. ونختم بمثال يوضح مقالا. في قول الله - عزوجل - : "إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون" فالخمر من جهة حكمه التكليفي فهو حرام لدليل التحريم القطعي الدال علي حتمية الاجتناب. ومن جهة العلة فالاسكار فمتي وجد الإسكار بأي سبيل وأي مقدار فهو حرام. فالحكم الذي هو التحريم دائر مع العلة وجوداً في مثالنا هذا. والحكمة إيقاع الشيطان للعداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله - تعالي - وعن الصلاة. فما ذكر في الآية "الحكمة الظاهرة في هذا الحكم" لأن الحكمة ظاهرها منضبطة عند من يري ذلك. ہ لعل مسألة الحكمة في الأحكام الشرعية أماطت اللثام عن سلامة ورسوخ الأحكام الشرعية فما ظهر منها يدل دلالة واضح علي "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" من جريان أحكام علي حكمة تعود بالمصلحة في العاجل والآجل معا. وروح الدين الحق مراعاة المصالح ما كانت بنظر الحق لا بأهواء خلق. وما خفي دل علي ابتلاء عين المكلف في دائرة "افعل أو لا تفعل". ہ وتظل "الحكمة في الأحكام الشرعية" نبعاً زلالا لمن يريد. ہ ذوق الشرع المطهر المحكم الشامل الكامل.