* تحدث الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسان في مقدمته لملخص بحثه ودراسته "منهج النبي صلي الله عليه وسلم في التعامل مع الآخر" والذي نال عنه درجة الدكتوراة في الإعلام والدعوة قائلاً: لا يخفي علي أحد ما وصلت إليه البشرية من تقدم علمي مذهل في كل مناحي الحياة ولا سيما في مجال الاتصالات فما يحدث هنالك يري هنا في التو واللحظة وأمام هذه الثورة العلمية الهائلة تمرد كثير من البشر علي منهج الله ورسوله بدعوي أن الانقياد لهذا المنهج يشكل حجراً علي العقل البشري المبدع الجبار وبحجة أن البشرية الآن قد بلغت مرحلة من مراحل النضج والرشد التي تؤهلها أن تختار لنفسها من المناهج والأوضاع ما تشاء وتختار حتي هجرت البشرية بالفعل منهج الله جل وعلا وأنا أقر أن البشرية الآن قد بلغت مرحلة من التقدم العلمي والمادي لا ينكرها إلا مكابر ولكنني في الوقت ذاته لعلي يقين جازم بأن الحياة ليست كلها مادة ولا يمكن لطائر جبار أن يحلِّق في أجواء الفضاء بجناح واحد وإن نجح في ذلك لفترة وإن طالت فإنه حتماً سيسقط لينكسر جناحه الآخر. وواقع البشرية الآن في الجانب الإيماني والروحي والخلقي والإنساني خير شاهد علي ما وقعت فيه من انفصام نكد وغفلة عن الآخرة. المنهج الإلهي أضاف: البشرية الآن تهذي كالسكران وتضحك كالمجنون وتجري كالمطارد تئن من الألم تبحث عن أي شيء وهي في حقيقة الأمر تملك كل شيء لكنها حين انحرفت عن منهج الله ورسوله فقدت كل شيء ولقد حرمت من نعمة الأمن والأمان وراحت تبحث عنه وسط الركام رغم كثرة الوسائل الأمنية الحديثة والتخطيط العلمي والنفسي لمحاربة الجريمة وحرمت من راحة الضمير وانشراح الصدر وطمأنينة النفس رغم كثرة الوسائل العلمية والطبية والترفيهية وانتشار الحدائق الغناء والبساتين الخضراء وحرمت من نعمة البركة والرضا وأصبحت تعيش في ضنك ونكد رغم كثرة الأسواق وضخ المليارات بل وكثير من الناس يفترش الأرض ويلتحف السماء ويموت جوعاً بين المتخمين ويزداد الألم حين تقصر أمة الدعوة والبلاغ في تحمل مسئوليتها الكبيرة وأمانتها العظيمة في الشهادة العملية لهذا الدين علي أرض الواقع بأخلاقها وسلوكها وعلمها من ناحية وتقصيرها الشديد في دعوة أهل الأرض إلي دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة والخلق الجميل من ناحية أخري فالحق معنا ولكننا لم نحسن أن نشهد لأهل الحق شهادة خلقية عملية علي أرض الواقع ولم نحسن أن نبلغ هذا الحق لأهل الأرض بحق والباطل مع غيرنا لكنه يحسن أن يلبس الباطل ثوب الحق وأن يصل بالباطل إلي حيث ينبغي أن يصل الحق وحينئذ ينزوي حقنا ويضعف كأنه مغلوب وينتفخ الباطل وينتف كأنه غالب وهنا نتألم لحقنا الذي ضعف وانزوي وللباطل الذي انتفخ وينتفش ونعبّر عن ألمنا بصورة من صورتين لا ثالث لهما إما أن يكون تعبيرنا سلبياً مهزوماً لنزداد هزيمة علي هزيمتنا أمام المجتمع والعالم وإما أن يكون تعبيرنا صاخباً متشنجاً منفعلاً وأحياناً دموياً فنخسر الحق حتي ونحن في طريقنا للذود عن الحق والناس حينذ سيزدادون بغضاً للحق الذي معنا وإصراراً علي الباطل الذي معهم. وتابع من هنا تزداد حاجة البشرية عامة والأمة خاصة إلي منهج النبي صلي الله عليه وسلم في الدعوة إلي الله لأنه المنهج الأوحد الذي يصفو أغوار النفوس ويفتح القلوب والعقول للسماع عن الله جل وعلا وإقناع هذه العقول بهذا الحق الذي معنا إلا بالمنهج النبوي في الدعوة إلي الله فهو منهج توفيقي ليس من حق أي أحد يسلك طريق الدعوة إلي الله أن يحيد عنه فإتباع منهجه صلي الله عليه وسلم ليس تطوعاً ولا اختيار وإنما هو واجب شرعي لا مفر منه فالله من ورائه وإنما هو واجب شرعي لا مفر منه فالله من ورائه وأساس هذا المنهج الكريم هو ربط القلب البشري بالله جل وعلا فنرجوه ونخشاه وننقاد لأوامره ينتهي عن نواهيه ويقف عند حدوده يخشي سخطه وعذابه والله جل وعلا لم يأمر إلا بكل خير ولم ينه إلا عن كل شر ولتحقيق هذا المنهج الرباني الذي يعبد الخلق للحق ويخرجهم من ظلمات الشرك إلي أنوار التوحيد ويدعوهم إلي تحقيق الغاية التي من أجلها خلقوا ويدعوهم إلي التحلي بمكارم الأخلاق وتسلية النفوس وتطهير القلوب وإصلاح الدنيا بالدين لتحقيق هذا المنهج وتطبيقه وتحويله علي أرض الواقع إلي منهج حياة قام النبي صلي الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولي التي نزل فيها قوله تعالي: "يا أيها المدثر قُم فأنذر" فقام ولم يذق طعم الراحة ولم يدع سبيلاً من سبل الدعوة إلا وسلكه وقام لله خير قيام يحمل علي عاتقه حملاً ثقيلاً كان بالأمس القريب حلماً جميلاً وصارت الدعوة همه بالليل والنهار وفكره في النوم واليقظة وشغله في السر والعلن يضحي في سبيل هذا بالجهد والوقت والراحة والمال بل وبروحه ودمه ويستعذب في سبيل ذلك كل محنة وبلاغ يصعد جبلاً ويهبط وادياً ويسلك كل الدروب بقدميه المتعبتين يبحث عن أمل ويشق للإسلام نهراً للحياة وسط أحجار صلدة عاتية ويضيء للتوحيد شعلة في أرض مظلمة ويغرس للحق شجرة وارفة الظلال في صحراء مقفرة وراح بهمة عالية وإرادة صادقة يخوض بدعوته الكريمة بحوراً هائجة ويواجه بها أمواجاً عاتية في عالم النفس والضمير ومع شهوات ثقيلة وشبهات خطيرة وفي عالم الواقع الأليم مع الكفر والباطل والضلال ولا يعرف قدر هذا الجهد المضني من البلاغ المتواصل الدءوب الصابر الطامح إلا من عرف حجم الباطل من جهة وحجم استعصاء النفس البشرية إذا انحرفت عن الله وطال عليها الأمد من جهة أخري. تحرير النفوس أوضح بالمنهج النبوي وحده نستطيع أن تحرر النفوس من شباك الشبهات التي أبعدتها عن الحق المبين وبهذا المنهج النبوي وحده نسقي الدنيا كأس الفطرة لتروي بعد ظمأ ولتهتدي بعد ضلال. وبهذا المنهج النبوي وحده نرد الناس إلي الحق ونقيم حجة الله علي الخلق لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل وهذا المنهج هو الذي يجب أن نخاطب به الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين بدعوة إلي الله ورسوله بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة والكلمة الرقيقة والحجة الصادقة الواضحة والخلق النبيل والسلوك القيم والعمل الحكيم بكل الأساليب المتاحة المشروعة هو منهج توفيقي يقدم الأولي فالأولي بضوابط الشرع التي يهدي إليها نور الوحي والعقل وفهم الواقع فلا يقدم ما حظه التأخير ولا يؤخر ماحظه التقديم ولا يضخم الصغير ولا يهون الكبير والخطير وينتقل من الجزئي إلي الكلي ومن الفرعي إلي الأصلي ومن ظاهر الأمور إلي جوهرها لتحديد القواعد الأصلية وتأصيل المفاهيم الشرعية. وهو منهج يتسم بالتكامل والشمول والسعة بقدر تكامل الإسلام وشموله.