أذكر أن مسئولاً إعلامياً كبيراً علي قمة هرم صحيفة خليجية كبري جمعتني به وأحد المشايخ المتخصصين في شئون الأسرة وأحوالها وجه الينا السؤال: ماذا تعني الدلالة القرآنية من جملة "وكشفت عن ساقيها" في قصة بلقيس مع سليمان؟ ولمح الي عدة دلالات في "الهم" المشترك بين زليخا ويوسف الصديق عليه السلام في قوله تعالي: "ولقد همت به وهم بها" وأشياء عديدة من هذا القبيل. وقلنا وعدنا وخضنا في الدلالات التي كلها تنم علي أدب قرآني جم فيما يتعلق بتلك العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة سواء كانت علاقة زوجية أو علاقة عابرة كما كانت مثلاً بين سليمان وبلقيس أو يوسف وزليخا أو بنت شعيب وموسي وغير ذلك من قصص النساء في الإسلام ومواقفهن مع الرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء.. والحق لم يصارحنا دين سماوي بطبيعة العلاقة الزوجية بين المصارحة والمواربة بقدر ما صارحنا الإسلام. ولعل النماذج السابقة التي ذكرتها بدلالاتها تعطينا انطباعا واضحا عن ما نسميه الآن بلفظة "أدب الفراش".. وهذا يدفعنا للتساؤل "هل نبقي هذا الأدب سرا مقدسا تحت شعار "لا مساس" أم أن نفتح بابه علي مصراعيه ونعرف عنه كل شيء أيا كان هذا الشيء.. أم نجعل الباب مواربا يعني "بين بين" حسب الحاجة والظروف المتمثلة في البيئة وثقافتها ومدي محافظتها أو انفتاحها وما درجت عليه أو خرجت عن ثوابتها فيه ومألوفاتها؟؟ الذي دفعني لهذا كله برنامج سمعته من إذاعة هولندا العالمية بعنوان "سعادة الزوجين في الفراش هي أساس نجاح العلاقة الزوجية". ونسبت الإذاعة هذا الكلام أو فحوي هذا العنوان إلي امرأة عربية إماراتية اسمها "وداد لوتاه" وهي موجهة أسرية في هيئة تنمية المجتمع في دبي. وهي صاحبة الكتاب الأخطر عربيا في نظري الذي يحمل عنوان "سري للغاية: المعاشرة الزوجية أصول وآداب". وقد نشرت مؤلفته مؤخرا الترجمة الانجليزية لكتابها الذي أثار ردود فعل سلبية وتهديدات للكاتبة العام الماضي عندما نشرته باللغة العربية.. وصلت لحد التهديد بالقتل. تساءلت مع نفسي هل لأن مؤلفة الكتاب وهي سيدة عربية خليجية أي من بيئة محافظة خرجت عن مألوف القبيلة والعرف فأراد هذا العرف أن يخرس لسانها وليس فقط بل يتعاداه إلي إخفائها من الوجود لأنها تمردت علي المألوف وأرادت أن تزرع بذور الثقافة الجنسية علي مستوي أوسع معتبرة أن ذلك حق للمرأة وجب أن تعيه وتعرفه وتتشربه. حتي تطبقه مع زوجها في الفراش؟ ربما رأت "لوتاه" أن نجاح الأسرة كله يتوقف علي نجاح العلاقة الخاصة في الفراش. فإن صلحت هذه العلاقة صلح البيت كله ومن ثم صلح المجتمع كله. وإن فشلت تلك العلاقة فشل البيت كله ومن ثم فشل المجتمع كله وأصيب بنواقص وقواصم وعواصف وأعاصير تهدده بل وتهدمه وربما تجعل سقفه يخر علي من فيه من فوقه؟ واستشف هذا كله من قولها: "سعادة الزوجين في الفراش تساهم في حل أي مشكلة بينهما مهما بلغ تعقيدها".. وربما كان دافعها في ذلك كله ما لمسته من الواقع المرير الذي بدأ يتفكك وينخزه سوس الفشل الزوجي في كثير من الأسر العربية والإسلامية ايضا بشكل لم يكن معهودا من قبل.. فهي مثلا تدلل علي ذلك بان هيئة تنمية المجتمع في دبي تتلقي ما لا يقل عن 2500 حالة من المشاكل الزوجية سنويا. وتري أن معظمها تتعلق بمشاكل زوجية منشأها العلاقة الجنسية بين الزوجين. وكان هذا دافعا لها لنشر كتابها حول أصول المعاشرة الجنسية في الإسلام. ودعوني أقل: ربما يري الغرب أن الإسلام يحرم المتعة بين الزوجين ويؤطرها في إطارات سرية غامضة. ويتصور أن المعاشرة تقف عند حد "قضاء الحاجة" مثلا ثم الاغتسال وكل طرف يلزم فراشه لتبدأ مرحلة الحمل والولادة والانشغال بتوابع ذلك وهكذا دواليك. دون ان يكون للرجل متعته وللمرأة متعتها التي احلها الله وجعلها من أكبر متع الدنيا بل ومن أكبر متع الآخرة في الجنة وما آيات الحور العين عنا بغريبة ولا ببعيدة عن مسامعنا. ربما هذا كان دافعا مثلا لتلك السيدة أن توضح هدفها في كتابها الخطير فعلا يتضح ذلك من وحي كلامها "مهمتي من هذا الكتاب ومن ترجمته للإنجليزية بالأخص هو أن أبين للمجتمع الغربي وأي مجتمع آخر بأن الدين الإسلامي فيه أسس سليمة للثقافة الجنسية. وليس فقط الثقافة الغربية. ولهذا كتبت بالتفصيل عن الأمور التي يعتقد الناس أنها حرام في الدين الإسلامي بينما هي في الواقع محللة ومسموح بها. ولا من محرمات في الدين الإسلامي إلا منطقة واحدة وهي منطقة الدبر". وربما كانت الصراحة الزائدة عن الحد في عرض المشكلة الجنسية في العلاقات الجنسية غير السوية بين الرجل والمرأة أو علاقة "الشذوذ" مثلا هي التي ألبت علي المؤلفة غضبة المحافظين والملتزمين والذين يرون أن العلاقة بين الزوجين مكتوب عليها شعار "لا مساس" أي ممنوع اللمس والاقتراب لتلك المنطقة المحظورة عرفا وتقليداً. ولهؤلاء العذر في أن القرآن الكريم كتاب رب العاملين خالق الذكر والأنثي لما يتعرض لمثل هذه العلاقة يكني ولا يفضح ويلمح ولا يصرح وراجعو مثلاً آياته العطرة "وعاشروهن بالمعروف". "فلما تغشاها حملت حملاً خفيفا فمرت به". و" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم". و"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن". وكذلك الأدب النبوي الشريف مثلاً:" أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر". وهكذا في أدب جم عفيف لا يخرج عن المألوف المعروف الذي يوصل القصد دون إثارة لشهوة أو عزيزة سواء للرجال والنساء مثلاً.. غير أن المؤلفة حسب مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" حول كتابها تطلق صيحات التحذير من غياب التوعية الجنسية للشباب في دولة الإمارات وتقول: "الكثير من الشباب مارسوا الجنس الشرجي "الدبر" مع ذكور آخرين قبل الزواج. وبعد الاقتران يرغبون بالممارسة نفسها مع زوجاتهم. هذا أحد الأسباب التي تجعل التربية الجنسية ضرورية في مدارسنا. وتوضح لوتاه التي اقترحت من قبل ادراج التربية الجنسية في المدارس الإماراتية ان كتابها هذا ليس لغرض التدريس وإنما يستهدف الشباب المقبل علي الزواج. وهي تري "ان الحملة التي استهدفت الكتاب تكشف ان الذين يخوضونها لم يقرأوه أصلا. ولم يكلفوا أنفسهم عناء تصفحه. وإلا لاكتشفوا بسهولة انه لم يخرج أبداً عن القرآن الكريم. مشيرة الي انها استشارت قبل طباعته علماء دين. واستجابت لنصائح بعضهم في الغاء بعض الفصول المتعلقة بممارسة الجنس أثناء فترة الحمل. ان تصادم الطرح الصريح والقوي في مسائل حساسة لم تألفها عقلية القارئ والمتلقي العربي. حمل القضية كثيراً من الأبعاد التي تدخل في نطاق "قلة الأدب" مثلاً أو سوء العرض مثل هذه الأمور الشائكة. وهذا الذي أشمه وألمسه من قراءتي لشخصية المؤلفة وتتبع مسارات طرحها. وربما يوافقها في طرحها كثير من العقلاء والتربويين وتراه ويرونه حقاً واجباً فهمه ومعرفته. ومن ثم تطبيقه لاحقاً بالحلال. وبين من يرون ان كل الكائنات الحية من حيوانات وطيور وحشرات وحتي نباتات. تمارس الجنس بطبيعتها دون الحاجة لا إلي وعي أو قراءة أو كتاب سري أو حتي جهري. أو تثقيف.. والأمثلة حية بدءاً من العصفورة فوق الأشجار وفي الأعشاش وبين الحمار أكرمكم الله في "زريبته" مع حبيبته الحمارة؟