في مطلع الحديث عن القرآن الكريم لابد لنا من تحديد عدد من معالمه الثابتة التي منها أنه الصورة الوحيدة الموجودة بين أيدي الناس اليوم من كلام الله المعجز باللفظ والمعني الموحي به إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين والذي أنزل من قبل الف وأربعمائة سنة بلسان عربي مبين علي هذا الرسول الخاتم والمنقول عنه صلي الله عليه وسلم نقلا متواترا بلا أدني شبهة بنفس النص الذي أوحي إليه والذي تم تدوينه كتابة عقب الوحي مباشرة بكل آية أو مجموعة آيات أو بكل سورة كاملة منه ثم تم ترتيبه في سوره بتوفيق من الله تعالي كما هو موجود اليوم بين دفتي المصحف الشريف من أول سورة "الفاتحة" إلي آخر سورة "الناس" والممثل ببلايين النسخ من المصاحف التي خطت أو طبعت علي مر العصور والتي توارثها بلايين الحفاظ وسجلوها في الصدور جيلا بعد جيل من جيل الوحي المبارك إلي اليوم ومن ثم تم حفظه علي مختلف صور الأشرطة والأسطوانات الممغنطة والمضغوطة وعلي غير ذلك من مختلف صور الحفظ الحاسوبية المتعددة. ومن هنا كان القرآن الكريم هو الكلام الوحيد الذي يتعبد الله تعالي بتلاوته ولذا عرف بأنه : كلام الله الموحي به إلي خاتم أنبيائه ورسله والمتعبد بتلاوته أي أن مجرد تلاوته تعني عبادة لله تعالي سواء كان ذلك في داخل الصلاة ام خارجها. وقد تعهد ربنا تبارك وتعالي بحفظ القرآن الكريم حفظا مطلقا فقال عز من قائل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون""الحجر"9. والسبب في هذا العهد الإلهي المطلق هو أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا علي هذه الأرض حياة سوية ولا أن يحقق رسالته في هذه الحياة الدنيا بنجاح دون هداية ربانية خاصة في الأمور التي يعلم ربنا سبحانه وتعالي بعلمه المحيط أن الإنسان عاجز عجزا كاملا عن الوصول فيها إلي أية تصورات صحيحة وذلك من مثل قضايا: العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات التي تشكل ركائز الدين. وهذه الهداية الإلهية علمها ربنا تبارك وتعالي لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه ثم أوحاها إلي أكثر من مائه وعشرين ألفا من أنبيائه الذين اصطفي منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا أرسلهم إلي مختلف بقاع الأرض علي فترات من الزمن كي يجدد بهم هذه الهداية الربانية التي علمها لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه ثم أكملها وأتمها في وحيه الخاتم "القرآن الكريم" ولذلك تعهد بحفظه تعهداً مطلقا فظل محفوظا بحفظ الله في نفس لغة وحيه علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنأ وسيبقي كذلك إلي ما شاء الله وذلك لأن سلسلة النبوات والرسالات قد ختمت ببعثة النبي والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبدالله فكان لابد من حفظ رسالته حتي يتحقق العدل الإلهي الموصوف بقول ربنا تبارك اسمه "وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا" الإسراء 15. ومن الثابت ان حفظ كل رسالة من الرسالات السماوية السابقة كان قد وكل بأتباعها فضيعوها وفي هذا يقول ربنا سبحانه وتعالي :"كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدي الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم البقرة 213".