قال تعالي: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" "آل عمران:31" ذات يوم وهو في الطائف. حديث عهد بدعوته سلط عليه أعداؤه بعض السفهاء. لقد جاشت نفسه. رموه بالأذي. سفهوا دعوته. ردوا نبوته. كذبوا قوله. أغروا به سفهاءهم وقد جاءهم من مكة إلي الطائف. جاشت نفسه. وظهر ما في نفسه من حب للخلق كافة ورفع بصره إلي السماء: "يارب. إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ولك العتبي حتي ترضي. لكن عافيتك أوسع لي. جاءه جبريل عليه السلام. قال: يامحمد. لقد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك. لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين. فقال: لا. يا أخي. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله! من الذي حجزه عن أن يسمح بإهلاكهم؟ محبته للخلق. أحد الخلق. ولن تسطتيع أن تكون هادياً للناس. إلا إذا أحببتهم. إلا إذا استوعبتهم. إلا إذا احتويتهم. إلا إذا قدرت ظروفهم. إلا إذا أردت إسعادهم. أيها الإخوة المؤمنون. ذات يوم يدخل علي ولده الحبيب إبراهيم. وهو مسجي في فراش الموت. يتدفق حنان محمد صلي الله عليه وسلم غامراً. مفيضا. فلا يزيد علي أن يقول. وعيناه تبكيان: تدمع العين. ويحزن القلب. ولا نقول ما يسخط الرب. وإنا عليك ياإبراهيم لمحزنون. أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام رأوا القمر قد خسف. وظنوا أن هناك ارتباطاً بينهما. بين خسوف القمر. وبين موت إبراهيم. فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام. فقال: أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان. لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه. ولا لحياته. ومحبته لله عز وجل طغت علي عاطفة الأبوة. أراد أن يفصل بين هذه الظاهرة الكونية. وبين أن تتخذ دليلا علي قدسية النبي عليه الصلاة والسلام. إنما أنا بشر أرضي كما يرضي البشر. وأغضب كما يغضب البشر. والشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالي. لا تتكسفان لموت واحد. ولا لحياته. لا شيء يؤكد المحبة كإخلاص. لذلك إذا أردت أن تكشف ما إذا كنت محباً لله عز وجل فامتحن إخلاصك له. يقول عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي. فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها. أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هجر إليه. لا شيء يفسد المحبة كالنفاق. والرياء. لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويستعيذ به من النفاق. ومن الرياء. ومن سوء الاخلاق. وكان يقول: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يارسول الله؟ قال: الرياء. فالرياء شرك أصغر. يقول الله عز وجل: إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلي الذين كنتم تراؤون في الدنيا. فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟ الشرك. والنفاق. والرياء. هذه كلها تفسد المحبة. وأثمن ثروة تملكها أن يحبك الله ورسوله صلي الله عليه وسلم. سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام قال: والله يا معاذ إني لأحبك. وإذا حظيت بمحبة الله. ومحبة رسوله. ومحبة أهل الحق. فهذه ثروة كبيرة لا تقدر بثمن. النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من خردل من رياء. فالرياء. والشرك الأصغر. والنفاق. وعدم الإخلاص. هذا كله يفسد محبة العبد لربه. هذا عن محبة النبي عليه الصلاة والسلام لله. فماذا عن حبه للناس؟ أحب الناس جميعاً. لذلك كافأه الله عز وجل بأن جعله نبياً للناس جميعاً. ورسولا للناس جميعاً. قال عليه الصلاة والسلام: بعثت إلي الأحمر. وإلي الأسود. وإلي الناس كافة. وفي حديث آخر: بعثت إلي الناس كافة ويدعو النبي عليه الصلاة والسلام إلي أن يحب الناس بعضهم بعضاً. بل يجعل من الحب آية للإيمان. قال عليه الصلاة واسلام: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتي تحابوا. والنبي عليه الصلاة والسلام يدعو أصحابه الكرام إلي أن يعبروا عن محبتهم بعضهم بعضاً. جليس لرسول الله صلي الله عليه وسلم. وقد مر رجل. إني أحب هذا الرجل. فسأله النبي الكريم: هل أعلمته بهذا؟ قال: لا. قال: فأعلمه. فلحقه الرجل. وقال للذي أحبه: إني أحبك في الله تعالي. فأجابه صاحبه. أحبك الذي أحببتني له. وقد وضع عليه الصلاة والسلام توجيها ثابتاً. فقال: إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه. وكان يقول: إذا آخي الرجل الرجل فليسأله عن اسمه. واسم أبيه. وممن هو؟ فإنه أوصل للمودة. يسأله ذات يوم سيدنا أبو ذر رضي الله عنه. يقول يارسول الله: ما شأن الرجل يحب القوم. ولا يستطيع أن يعمل عملهم. فيجيبه عليه الصلاة والسلام بعبارته الجامعة: أنت مع من أحببت. قال الإمام الشافعي رحمه الله: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة أكره من بضاته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة