نواصل حديثنا عن اسس التقريب فنقول وبالله التوفيق الأمر الثامن: ينبغي اتخاذ منطوق أقوال المذاهب ملاكاً للحكم عليها. ولا ينظر إلي مستلزمات تلك الأقوال مما يرفضها أصحاب المذاهب. وعلي سبيل المثال: لو قال أحد المذاهب بأن الله يُري في الآخرة. لا يسوغ لنا أن نحمل هذه العبارة ما يستلزمها عقلاً "وهو أن الله جسم" مادام أئمة هذا المذهب ينكرون ذلك صراحة "قد أنكروه بالفعل" بادعاء عدم الاستلزام ابتداء. أو بتوجيه الرؤية إلي نحو من العلم والإدراك الباطني. فإن القول بالتجسيم للذات الإلهية مرفوض لدي المذاهب الأربعة المعروفة بين المسلمين. ويعد هذا من جملة الأصول الأساسية للتوحيد. ولهذه المسألة أمثلة شتي في أكثر المذاهب لا مجال للخوض فيها. الأمر التاسع: ألا نجعل المسائل الخلافية الجانبية في نفس درجة أهمية المسائل الأصولية المتفق عليها. مما قد يؤدي إلي سيطرة الفروع علي الأصول في زحمة الاختلافات الفرعية. بل يجب نسيانها موقتاً إذا زاحمت المسائل الأساسية. لئلا تصرفنا عن الاهتمام بتلك الأصول. غافلين عنها ومشتغلين عن الأهم بغيره. الأمر العاشر والأخير: السعي لفتح باب الاجتهاد في كل المذاهب الإسلامية. وفي كل الأبعاد بالنسبة إلي المسائل الخلافية غير الضرورية لكي تكون أبواب البحث فيها مفتوحة علي أساس الالتزام بالحق والاحتجاج بالدليل. وتكون القلوب مفتوحة ومستعدة لقبول ما انتهي إليه البحث حسب الدليل. مع رعاية جانب الإنصاف وأدب الجدال بالتي هي أحسن. ومع النظر إلي تلك المسائل الخلافية من منظار التقريب والتحبيب سعياً للوفاق مهما أمكن. لا من منظار الخلاف والخصام سعياً إلي الشقاق. وفي العدد القادم نتحدث عن سبل التقريب.