ينقسم المجتمع المصري إلي مؤيدين ومعارضين للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية.. ويقدم المعترضون أو المعارضون مبرراتهم لموقفهم الرافض للتطبيق.. ومن هذه المبررات: أولاً: زعموا ان في العمل بأحكام الفقه الإسلامي رجعة للوراء ومنافاة لتطور العصر فقوانين الشريعة لا تصلح للتطبيق في القرن العشرين ولا تقدم حلولا لمشاكل العصر. ثانياً: تطبيق الشريعة الإسلامية يؤدي الي عزل الشعوب الإسلامية اقتصاديا عن العالم الخارجي: لأن في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية إغلاق للمصارف - وشركات التأمين - ودور اللهو وفي هذا تأثير كبير علي الوجه الحضاري لهذه الشعوب. وانهيار لاقتصادها وسد لأبواب كثيرة من أوجه النشاط الاقتصادي فيه. ثلاثاً: ان في تطبيق الجزاءات الشرعية في صورة الحدود يتنافي مع المدنية الحديثة ويؤدي الي الاكثار من العجزة والمشوهين نتيجة قسوة هذه الجزاءات. رابعاً: ان في تطبيق الشريعة الإسلامية أصباغ للعالم الإسلامي بالصفة الدينية بما يضر بمصالحه مع الدول الأخري حيث ستتردد الدول في التعامل معها نتيجة تعصبها الديني. خامساً: ان في تطبيق الشريعة الإسلامية خطر علي غير المسلمين من أبناء العالم الإسلامي. سادساً: ان تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وان كان نظاما فاضلاً إلا أنه يجب ان يمهد لتطبيقه بتهيئة الجو العام وهذا يستلزم وقتا حتي يتعود الناس علي ترك ما ألفوه من عادات وسلوكيات. وحتي يمكن سد أبواب الفساد. وإعادة توزيع ثروات ودخول الشعوب الإسلامية توزيعا عادلاً. الرد علي مبررات المعترضين: وقد رد المؤيدون والمطالبون للعودة للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي بما يلي:- أولاً: رد المؤيدون والمطالبون للاسراع بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية علي المبرر الأول.. بأن في تطبيق أحكام الشريعة عودة الي الوراء ويتنافي مع التطور.. بأن هذا القول لا يخلو من كثير من المغالطات.. ذلك انهم يتناقضون مع أنفسهم في هذه المقوله وذلك: أ- أن أصحاب هذا الرأي يطبقون العديد من القوانين القديمة وعلي سبيل المثال مجموعة نابليون الفرنسية التي مر عليها حوالي قرنين من الزمان. أو بعض قواعد القانون الروماني التي أعتمد عليها القانون الفرنسي والقوانين اللاتينية ومنها نبعت القوانين الوضعية في بعض بلاد العالم الإسلامي ومع ان القياس بين هذه القوانين القديمة والشريعة الإسلامية قياس مع الفارق فلماذا يعد أصحاب هذا الرأي قوانين الشريعة اقديمة؟ ولا يعتبرون تلك القوانين التي يتعمدون عليها قديمة وتنافي التطور!!! ب- نسي أصحاب هذا الرأي - انه رغم ان الشريعة الإسلامية عالمية تصلح للتطبيق العالمي زمنيا ومكانياً وذلك لصلاحيتها لنشر مظلتها علي كافة الوقائع الجديدة بالاجتهاد واستنباط الأحكام - إلا أنها لا تمانع أبداً ولا تعارض الاهتمام بكل جديد من الدراسات الفكرية المختلفة قانونية وغيرها - حديثة أو قديمة طالما ان هذا الفكر لا يتعارض مع الحل والحرمة حتي ولو كان كذلك عدلناه بما يتناسب مع أوامر الله ونواهيه. ج- ان الأخذ بآراء الفقهاء الأوائل والعمل بالقواعد الشرعية التي نظموها ليس استحضارا لأرواح القدامي وآرائهم طالما انها لا زالت قائمة حتي اليوم وكأنها وليدة اللحظة في أحكامها وتطبيقاتها. وإلا فلماذا لا يرفضون الحقائق العلمية التي استقرت علي يد العلماء القدامي كالجاذبية. والنسبية رغم الفارق الشاسع في القياس بين هذه الحقائق التي تقبل التغير - وبين احكام الشريعة الثابتة بالنصوص السماوية واجتهادات الفقهاء المستندة إليها؟. ثانياً: رد المؤيدون للتطبيق:- علي المعترضين قولهم بأن التطبيق يعزل العالم الإسلامي اقتصاديا وحضاريا يؤدي الي إغلاق الكثير من مصادر الدخل بما يؤدي الي انهيار تام للاقتصاد. بأن في التطبيق إزدهار لاقتصاد العالم الإسلامي وتنمية لموارده ودخوله ويظهر هذا فيما يلي:- أ- في تطبيق الشريعة الإسلامية تحديد لشخصية العالم الإسلامي وهويته الاقتصادية - وذلك بخروجه من تيار الاتجاهات المسيطرة علي العالم الآن.... والتي تؤدي الي صهر شخصية معظم بلدان العالم في إطارها - أما في العودة الي أحكام الشريعة الإسلامية التي تحترم ملكية الفرد - وتحترم دور الدولة في توجيه بعض مصادر الاقتصاد الحيوية. وتحمي نماء الثروات واستثمارها طالما تحري الفرد قواعد الحل في نشاطه الاقتصادي. وادي حق الله المتمثل في مصارف الزكاة علي مختلف النشاطات فيصير للعالم الإسلامي سمة اقتصادية وهي "الاقتصاد الإسلامي". ب- ليس في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية إغلاق للمصارف وشركات التأمين ودور اللهو. بقصد ضرب الاقتصاد الإسلامي.. لأنه ليس معني تنقية معاملات المسلمين وابعادها عن شبهة الحرام من الربا وحيله المتعددة. ودرء المفاسد الناجمة عن هذه الأبواب ليس معناه ضرب مصادر تنمية الاقتصاد ففي الوقت الذي نسد فيه هذه الأبواب التي تؤدي إلي خلط الحل بالحرمة - وتدفع الي المفسدة المحرمة تفتح العديد من الأبواب التي أساسها الزيادة والنماء بما فيها من الطهارة في اساسها والبركة في نتاجها - فتضخم نماء الحرام سريع وزواله أسرع ونماء الحلال المشروع أكثر وأوفر. ج- ان العالم الإسلامي ليس في حاجة الي الدخل المشبوه فالإسلام يفتح الباب لكافة الأنشطة الخالية من المحظورات والتي تراعي مصالح الأمة ونحن نري دول الغرب تقوم بغسيل أموالها المشبوهة المصدر. ثالثاً:- أما القول بأن تطبيق العقوبات الشرعية فيه قسوة ويؤدي إلي الاكثار من العجزة والمشوهين.. فقد رد عليه الداعون إلي التطبيق بما يلي:- أ- إذا كانت التشريعات الجنائية الوضعية تهدف جميعها الي استئصال الجريمة وفي هذا تحقيق لمصلحة المجتمع. ب- أو تهدف الي إصلاح المجرم وعلاجه والاعتناء به فقد جمعت العقوبة في الشريعة الإسلامية بين الأمرين: "1" فأطلقت يد المجتمع في الحماية المطلقة له في نوعية من الجرائم التي تسبب اعتداء صارخا علي كيان المجتمع - وتمسه مساسا خطيراً ومباشراً - تلك هي جرائم الحدود والقصاص.. وبالتالي لا تراعي فيها مصلحة الجاني لأن ضرره واضح وعقابه الحاسم مطلوب طالما قامت اللبنة الصحيحة والواضحة المثبتة لجريمته. "2" وفي جانب مراعاة مصلحة الجاني في الجرائم التي تمس المجتمع مساسا غير مباشر كانت عقوبات أخف في جرائم التعازير التي يفوض الأمر فيها للقاضي وفق مقتضي الظرف والحال ولا تصل إلي أدني عقوبات الحدود. ويلتزم القاضي في النوع الأول بعقوبات منصوص عليها لا يستطيع تجاوزها أو تركها مادام دليل ثبوتها من القوة - ولا يحكم فيها بالظن فطالما الجاني قد ستر الله عليه في الدنيا ولم تثبت جريمته فلا عقوبة - أما من تجرأ وفجر وافتضح أمره لعدم هيبته من الله ومن المجتمع فلا مفر من تطبيق العقوبة عليه مهما بلغت ولا تعد من القسوة بحال عند تطبيقها علي من لم يحترم احكام الشرع التي اعطته فرصة التوبة عند عدم افتضاح أمره فأصر بنفسه علي تسهيل اثبات جريمته بفجره وعدم تستره فاستحق العقاب زجراً وردعاً للآخرين. وما نتيجة ترك العمل بالعقوبات الشرعية في هذه الجرائم إلا ما نراه حالياً في المجتمعات الإسلامية من انهيار اخلاقي وإجتماعي وهدم لقوة الشباب عماد المجتمع نتيجة استهتاره بالعقاب في الوقت الذي لو طبقت فيه لتخلصنا من حفنة قليلة لا يهمنا تشوهها أو عجزها بقدر ما يحدثه أثر الزجر والمنع في نفوس الآخرين من ضمان الاستفادة ودرء المفسدة قبل وقوعها. ويجب ان ننوه إلي أن تطبيق الحد الذي يعارضه المعارضون ويجعلونه دائما بيت القصيد وكأنه الهدف الأوحد من الدعوة إلي التطبيق ماهو إلا خطوة وجزء في جسم وبنيان الشريعة لا تحتاج اليه إلا عند المخالفة والخروج علي السلوك القويم فلا حاجة إليها في مجتمع سوي وقويم يطبق عموم الشرع في كافة المجالات منهجاً وسلوكاً.