الجدل والتطاحن والاستقطاب هو العنوان الأنسب للأحداث السياسية التي وقعت خلال الفترة الماضية. ومع انتهاء الانتخابات تترقب جميع القوي السياسية البرلمان القادم والمعارك التي ستثار تحت قبته. وخارجها. إذ تسيطر علي المشهد السياسي هواجس ومخاوف الليبراليين والعلمانيين من تطبيق الشريعة الإسلامية. والارهاصات الأولي للقضايا التي تتعلق بمصر القادمة بدأت بالاشتباك الساخن الذي حدث عندما طرحت فكرة إصدار قانون لفرض الزكاة علي الطريقة الماليزية. وهو ما يطرح السؤال: هل تلجأ الأحزاب الإسلامية إلي فرض تطبيق الشريعة الإسلامية بموافقة البرلمان؟. وهل توجد مشكلة في إلزامية تطبيق الأحكام الشرعية؟ أكد أحمد بهاء الدين شعبان وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري ان المشكلة ليست في تطبيق الشريعة لأنه لا خلاف علي أن الإسلام هو دين الأغلبية والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. موضحا ان هوية مصر ليست مطروحة للنقاش فهي دولة إسلامية وهي قضية محسومة ولا يجب أن يحتدم الجدل بشأنها. مبالغة فجة وقال مادة الشريعة الإسلامية موجودة منذ دستور 23. وليس جديدا علي مصر أن تكون القوانين والمواد الدستورية غير مخالفة للشريعة الإسلامية معتبرا أن هناك مبالغات فجة تتعلق بالحديث عن الشريعة خاصة ان العقود الماضية شهدت تطويراً للمواد القانونية بحيث تكون معبرة عن مقاصد الشريعة الإسلامية. وأوضح أن المشكلة تتركز في أن الدولة الحديثة مركبة ومعقدة بصورة تجعل من الصعب تطبيق ما كان سائدا في المجتمع الإسلامي البسيط بسهولة مبينا أن قضايا الاقتصاد والبنوك والسياحة والآثار من أهم الموضوعات التي تتعدد فيها الاجتهادات الفقهية التي تدور بين الاجازة والتقييد والرفض. وأصبحت تحتاج إلي نظرة عصرية دقيقة. وأضاف ان القضية ليست الإسلام لان المجتمع لا ينتظر أحداً ليعلمه أصول دينه أو يعيده إليه. مشيراً إلي أن الإسلام السياسي وأحزابه يواجه تحدياً كبيراً حول أجندة العمل الوطني التي يجب طرحها علي القوي السياسية وفي مقدمتها الاقتصاد والعدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد والفقر والأمية. ويقول إن محاولة الدفع بالمجتمع بقوة إلي مسارات تعتبرها الأحزاب الإسلامية من أولوياتها قد يؤدي إلي صدامات ومواجهات نحن في غني عنها. موضحا ان الإصرار علي تبني رؤي معينة بلا تهيئة أو اعداد المجتمع والنظر في التوازنات والمصالح والأوضاع ليس في صالح الوطن. وحذر من الانسياق وراء الرغبة في اثبات الوجود وما يحمله من مخاطر وقوع الأحزاب الإسلامية في أخطاء تهدد الأمة وتخرب المكتسبات القائمة. مؤكدا ان أزمات المجتمع ومستقبله يفرض اختيارات وقرارات وتوجهات تعتمد علي الدراسة الجادة والبحث المستفيض والعلم ويحكمها مصالح الناس. وأشار إلي أن الناخبين اختاروا الإسلام السياسي وفق شروط محددة هي حل المشكلات ومعالجة الخلل والفوضي التي تضرب أركان المجتمع. وقال إنه يجب علي أنصار الإسلام السياسي أن يتواضعوا بعض الشيء بحيث يتبنون برامج واقعية وأكثر قابلية للتحقيق لأن فشلهم معناه خروجهم من اللعبة السياسية إلي الأبد معتبراً أن هذا الخيار أصلح للوطن لأن الجماهير لن تقبل أن يضللها أحد كما لن تنطلي عليها الوعود البراقة أو أساليب القمع. تفتيت المجتمع رفض نبيل زكي المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع محاولات فرض جدول أعمال يؤدي إلي تفتيت المجتمع وتقسيمه وابعاده عن المدنية والتقدم واللحاق بركب الحضارة والتطور. مؤكدا ان الدولة الدينية كارثة والزج بالدين في السياسة ليس في صالح المجتمع. واعترض علي فكرة اتخاذ مواقف مسبقة من البرلمان القادم وتشكيله وأجندة أعماله. وقال إن الحكم يجب أن ينصب علي المشاريع والبرامج. وأي طرح يتعارض مع حرية العقيدة والرأي مرفوض وسوف يقاوم بشراسة. ويؤكد أن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية تتناول مبادئ عامة ولا تتدخل في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية. مشددا علي أن العالم يعيش متغيرات جذرية في كافة المجالات. ولا يمكن إنكار أن هناك قضايا ومستجدات لم يتضح موقف الشريعة منها. ويقول إن المخرج الوحيد من هذا الجدل يتمثل في الالتفاف حول وثيقة الأزهر التي تعتبر وثيقة تاريخية وحضارية مستنيرة لأقصي درجة وتطبيقها يقود مصر إلي الأمان والاستقرار والتقدم. مضيفا ان الأزهر يقود مسيرة وطنية تاريخية وواجبنا جميعا أن نتوحد خلفه لأنه المعبر عن وسطية وسماحة الإسلام. منهج رباني علي الجانب الآخر قال الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية ان الشريعة الإسلامية لا تقتصر علي مجرد الحدود أو العبادات مبينا أنها منهج رباني شامل لجميع جوانب الحياة من العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والمعاملات. وبين أن المقصود بالشريعة الإسلامية هو القيام لله تعالي بمقامات الإسلام والإيمان والإحسان التي بينها النبي صلي الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام الطويل. وكذلك أنظمة الحياة الإسلامية في السياسة والاقتصاد والقضاء والحدود والحرب والسلم ونظام الأسرة والنظام الاجتماعي والتكافل والإعلام والحسبة. وغيرها من فروض الكفاية. ويري أن الأمة تحتاج إلي إعداد طويل في جميع المجالات وانه يجب حماية الهوية بكتابة دستور لا يخالف الشريعة مضيفا ان الحاكم يجب أن يعمل جاهدا علي تطبيق شرع الله تعالي وتحكيمه بين الناس ما استطاع إلي ذلك سبيلا مراعيا المفاسد والمصالح المترتبة علي ذلك مع تبصير الناس بمحاسن الشريعة الإسلامية من الربانية والشمولية والواقعية والوسطية ونحوها. ويقول إن الشريعة مبناها علي جلب المصالح ودفع المفاسد ويجوز التدرج المبني علي مراعاة المصلحة والمفسدة مؤكدا انه لا يجوز التعلل بالنظام الاقتصادي العالمي لرفض تطبيق الشريعة. ويضيف ان البنوك وقضايا الفوائد الربوية التي يقوم عليها الآن جزء من اقتصاد البلد يمكن تغيير نظام عملها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع ضمان الحقوق الشرعية لأصحاب الأموال المودعة ومشيراً إلي أن الغرب بدأ في بحث نظم التمويل والتعامل الإسلامي بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة ونحن لا نتعامل مع الموضوع بجدية. ولفت إلي أن الأمر ابتداء مبني علي الترغيب وبيان الحكم الشرعي وعند قيام الدولة الإسلامية فلا شك انه سيلزم المجتمع بالقدر المجمع عليه والذي لا اختلاف سائغ فيه. تخوفات غير مبررة ووصف صبحي صالح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس الشعب حالة الذعر والحساسية الشديدة من تطبيق الشريعة الإسلامية بأنها تخوفات غير مبررة وليست في محلها مؤكدا ان مصر دولة إسلامية بنص الدستور أصلا ولا يستطيع أحد انكار ذلك لانه حقيقة مؤكدة منذ دستور 23 أي قبل إنشاء جماعة الإخوان بخمس سنوات. وانتقد محاولات بعض التيارات قصر الشريعة علي الحدود فقط موضحا انه لا يعيب الشريعة انها تتضمن تشريعات جزائية لجرائم اسمها جرائم الحدود وردت في القرآن نصاً. وأضاف ان تحكيم الشريعة الإسلامية وتطبيق أحكامها أمر واجب وفرض لازم وحكم قاطع ثابت بالأدلة الصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ولا خيار لمسلم ولا مسلمة ولا لمجتمع من المجتمعات في ذلك وقال اننا نريد دولة مدنية تكون مرجعيتها الفلسفية الشريعة الإسلامية ويجب أن ينصب الحديث وتتركز الجهود في سلامة التطبيق والسلطة القائمة به وعدالته وكيفية تحقيق المقاصد العليا للشريعة.