أكد المشاركون في ندوة الجمعية الشرعية أن الإسلام وضع أسساً وضوابط للنهوض بالاقتصاد وتأتي في مقدمتها الزكاة.. وأوضحوا أن تطبيق النظم الوضعية وخاصة الرأسمالية والاشتراكية أدي للأزمات والكساد والتخلف وجعلت أعداء الإسلام ينهبون خيرات دولة وثرواتها لأنها لاتلتزم لا بقيم ولا أخلاق. في البداية أكد الدكتور محمد المختار محمد المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية - عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الاقتصاد الإسلامي جزء من نظام الإسلام الشامل لم يضعه البشر أو تضعه فئة لفئة أخري ولكنه وضعه الله تعالي وهذه الميزة لم تتحقق في أي نظام اقتصادي في العالم كما أن الإنسان ليس له الحرية المطلقة في تصريف ماله لأن المال في الإسلام هو مال الله وما البشر إلا خلفاء في هذا المال وسيحاسب الإنسان علي طرق تحصيله وصرفه. وأوضح أن أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي هو تحقيق التوازن بين المادة والروح لأن الجسد يحتاج للطعام والشراب كي ينمو وغذاء الروح هو الوحي. سواء كان من القرآن الكريم أو من السنة النبوية المطهرة لأن الروح لا تتغذي إلا بما جاءها من الله عز وجل. ولهذا يمتاز التطبيق الإسلامي بأنه تطبيق واقعي يحقق التوازن. واستشهد الدكتور المهدي بضرورة اعتماد الأمة علي نفسها بموقف النبي حينما هاجر إلي المدينة وكان يهود بني قينقاع يسيطرون علي السوق الاقتصادي ويتحكمون في السلع والأسعار وكان الناس يشتكون من الغلاء ورفع الأسعار وأساليب الاحتكار والغش والتدليس فذهب النبي وأقام سوقاً للمسلمين في أقصي المدينة وقال للمسلمين: هذة سوقكم. ولم يغلق الرسول سوق اليهود ولكنه أقام السوق البديله التي تتعامل بالضوابط الإسلامية بما فيها من رحمة وتقوي وعدل فكان من الطبيعي أن كسدت سوق بني قينقاع. وقال الدكتور المهدي: يمتاز الاقتصاد الإسلامي بنظام الحسبة.. والمحتسب هو الذي يقوم بمراقبة الأسواق ليقيم حدود الله لمنع المغالاة في الأسعار أو احتكار قوت المسلمين ويبلغ عنه القاضي ليحاكمه وقد أنشيء في الدولة الإسلامية ما يسمي بديوان المظالم وهو قضاء مستعجل لرد المظالم إلي أهلها. كما أن التطبيق المثالي للزكاة في عهد عمر بن عبدالعزيز جعلت المسلمين يعيشون في رخاء حتي أن المزكي لم يكن يجد فقيراً يعطي له المال. ومن ثوابت الاقتصاد الإسلامي تحريم الربا والحصول علي المال بلا جهد والرشوة والاحتكار وكنز المال دون إخراج حق الله وحق عباد الله فيه وقد توعد الله من يفعل ذلك بقوله "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" التوبة:34. فمثلاً الأموال الطائلة التي توضع في البنوك بلا عائد ولا فائدة علي الناس ولهذا لابد من إنفاقها واستغلالها في تشغيل الطاقات المعطلة عند الشباب واستثمارها في مشروعات تجلب الخير والرزق الحلال وعلي الأغنياء إن ألا يخافوا أو يخشون من فساد تجارتهم أو فشل مشروعاتهم. ضوابط اقتصادية أشار الدكتور حسين شحاتة الاستاذ بكلية تجارة الأزهر إلي ضرورة تقوية ضابط الأخلاق في الاقتصاد لنري التاجر الصادق الأمين ومنزلته عند الله مع النبيين والصديقين والشهداء وبهذه الأخلاق انتشر الإسلام علي يد التجار في آسيا وأفريقيا وبهذه الأخلاق اختارت السيدة خديجة رضي الله عنها النبي لتشاركه تجارتها فاختارته لأنه كان الصادق الأمين. ونال مفكر فرنسي "موريس آليه" جائزة نوبل لاكتشافه نظرية جديدة في الاقتصاد وكانت هذه النظرية هي "لا اقتصاد بلا أخلاق". وحدد النبي آليات اقتصادية تحمي المجتمعات من الغش والتدليس في المعاملات المالية فقال "المحتكر ملعون والجالب مرزوق" وقال: "من غشنا فليس منا" وقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. فإن صدقا وبينا بورك في بيعهما. وإن كتما وكذبا محيت بركة بيعها. ودعا الدكتور حسين شحاتة إلي ضرورة الالتزام بدستور الاقتصاد الإسلامي وهو فقه المعاملات فكان عمر بن الخطاب يمشي في الأسواق ويقول "لا يبيع في سوقتنا من لا يفقه وإلا أكل الحرام رضي أم أبي". وكذلك التحذير من أكل مال الناس بالباطل سواء كان مالاً عاماً أو مالاً خاصاً فقال صلي الله عليه وسلم "كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه" وهذا منهج تربوي يمنع الظلم الاقتصادي. وحث الدكتور حسين شحاتة علي تطبيق فقه الأولويات مثل مواجهة سفه المسئولين وإنفاقهم الأموال علي الرفاهيات والكماليات وإهدار ميزانية الدولة علي الحفلات والمراقص ومباريات الكرة وغير ذلك في الوقت الذي يئن فيه الفقراء جوعاً كما أن هناك وجود صناديق خاصة في الوزارات والهيئات المختلفة لم تكن تابعة لميزانية الدولة بل كانت خاصة بالمسئولين الكبار في الدولة الذين كانوا يأخذون منها دون عمل ولا جهد علي حساب الفقراء. بل إن الفقراء يشقون بصنيع الأغنياء ولابد من إغلاق هذه الصناديق الخاصة أو كما تسمي "صناديق الفساد" سيوفر علي ميزانية الدولة الكثير من النفقات. أوضح الدكتور عبده مقلد الأستاذ بجامعة الأزهر أن الاقتصاد هو أهم قواعد أي دولة وهو حصنها المتين ومؤشر قوتها وسيادتها لأن المال هو قوام الحياة وهذه الأهمية للاقتصاد يوضحها الله تعالي في كتابه العزيز بقوله: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولو لهم قولاً معروفاً" "النساء:.5 كما أكد خطورة الاقتصاد علي المجتمعات وأن هذه الخطورة تتضح من الحكمة في حديث النبي والذي كان يستعيذ فيه من داءين هما الفقر والكفر فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وأعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت".