التفكر من أحسن العبادات وأفضلها. لأنه يورث الحكمة. ويحيي القلوب ويغرس فيها الخوف والخشية. ولذلك دعا إليه الرسول "صلي الله عليه وسلم" في وصيته الجامعة: "أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها منها: وأن يكون صمتي فكراً". وقد قال أبوسليمان الداراني: "إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري علي شيء إلا ورأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة" ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار. وعن طاووس قال: "قال الحواريون لعيسي بن مريم: يا روح الله هل علي الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكراً. وصمته فكراً. ونظره عبرة فإنه مثلي". ولقد كثر الحديث في كتاب الله عن الاعتبار والتفكر والتدبر فقال تعالي: "يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" وقوله تعالي: "قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون" وقوله تعالي: "أولم يتفكروا في أنفسهم وما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي وأن كثيراً من الناس بلقاء ربهم كافرون". ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. وإذا تمعنا في سيرة المصطفي وعباداته وجدناه كان يتدبر في صلاته. وفي آيات القرآن الكريم وفي أحوال الدنيا والآخرة. وكذا الخلف والسلف الصالح رضي الله عنهم جميعاً. فهذا عمر بن عبدالعزيز يجلس يوماً متفكراً متأملاً في أحوال الدنيا والآخرة فيقول: "قبور خرقت الأكفان. ومزقت الأبدان. ومصت الدم وأكلت اللحم. تري ما صنعت بهم الديدان؟ محت الوجوه. وكسرت القفار. وأبانت الأشلاء. ومزقت الأعضاء. تري أليس الليل والنهار عليهم سواء. أليس هم في مد مهلة ظلماء؟ كم من ناعم وناعمة أصبحت وجوههم دماء صديداً. ثم لم يلبثوا إلا يسيرا حتي عادت العظام رميماً ثم قال: ليت شعري كيف ستصبر علي خشونة الثري. وبأي خديك سيبدأ البلي؟! إن أنفع الفكر. الفكر في الآخرة. وفي آلاء الله ونعمه وأمره ونواهيه وطرق العلم بأسمائه وصفاته. وهذا الفكر يثمر المحبة والمعرفة. لأن الإنسان المؤمن حين يفكر في الآخرة بخاصة شرفها ودوامها ثم وازن بينها وبين الدنيا خستها وفنائها. أثمر ذلك الفكر عن الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا.