وردت إلي "عقيدتي" العديد من أسئلة واستفسارات القراء.. يطلبون بيان حكم الشرع فيما يعرض لهم في حياتهم من قضايا ومشكلات. عرضنا جانباً منها علي فضيلة الدكتور السيد مهران الأستاذ بكلية الشريعة جامعة الأزهر فرع أسيوط - فأجاب بالآتي: * تقول م.س: أنا مخطوبة منذ 4 سنوات وكنا نلتقي في الأماكن العامة.. وذات مرة حضر إلي بيتنا ولم يكن أحد موجودا فحدث لقاء بيننا لكنه غير تام أي لم يقع دخول.. فما الحكم في ذلك؟ ** شرعت الخطبة في الإسلام للتعارف. والتعارف المقصود هو المشروع واللازم للمقام. فالذي يعني الرجل معرفته في المخطوبة هو التعرف علي دينها وعفافها. والذي يعني المرأة وأهلها معرفته في الخاطب هو التعرف علي دينه وخلقه. ومعرفة هذه المجهولات لا يقتضي ضرورة خلوة الخاطب بالمخطوبة. بل هي أمور يمكن إدراكها بسهولة ويسر وفي وجود الأهل وبين ظهرانيهم وتحت سمعهم وبصرهم. ومن ثم لا يجوز للخاطب ان يختلي بمخطوبته ولو لم يفعل معها ما يسيء. إذ الخلوة ذريعة لهذا الفعل السييء. ومن ثم فالفعل أياً كان أولي بالمنع والحرمة. والذي ينبغي يدعو إليه الناس - والنساء خاصة - ان هذا المنع جاء صوناً للأعراض وليس تضييقاً أو تحجراً علي الناس إذ الخطبة وعد لا يترتب عليه اي التزام علي الخاطب. ومن ثم للخاطب ان يعدل هذه الخطبة في أي لحظة ودون ان يطالبه احد بمبررات العدول. وان كان العدول بلا مبرر مذعوما عند الله عز وجل في الآخرة لكنه في قضاء الدنيا حق للخاطب. ومن ثم فإن عدول الخاطب الذي هو حق له إذا حدث في أي لحظة وقد نال من المخطوبة ما يسيئها كانت الكارثة التي منع الإسلام الخلوة تحسباً لها وتحوطاً منها. وعليه فإن من يلتزم الشرع فالشرع يحميه ومن يجاوز أحكام الشرع فلا يلومن إلا نفسه. وعلي الباغي تدور الدوائر. ولعل الواقع والتجارب المريرة التي تحيط بالجميع في هذا الزمان أجلي في التدليل علي عدلية الشريعة وعدالتها في هذا الخصوص من أي دليل أو برهان. جنس المعلم * يسأل محمود.ع: ما حكم الشرع في قيام أستاذ أو أستاذة بالتدريس لطلبة من الجنس الآخر؟ وما الرأي فيمن يشترط ان يكون المدرس أو المعلم من نفس جنس المتعلمين؟ ** التعليم والتدريس من فروض الكفايات. إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وإذا تركه الجميع أثموا جميعاً. والأصل ان يعلم الرجال الرجال وان تعلم النساء النساء. فذلك أوعي للتصون والعفاف كما هو أوعي للتركيز في التعليم وجودة الأداء والتحصيل لانتفاء كل مسببات الحرج ودواعي الفتن. أما إذا دعت إلي غير ذلك ضرورة أو حاجة بمعني ان يتعطل فرض التعليم والتعلم فإنه يجوز رعاية لهذه الحاجة أو الضرورة أن يعلم الرجل النساء والعكس كذلك. علي ان تراعي كافة الضوابط الشرعية من ستر العورات وغض البصر وعدم الخلوة وعدم تجاوز الغرض التعليمي في التواصل. كل ذلك صوناً لفرض التعليم والتعلم من الإهمال أو الإهدار. مسألة ميراث * أمل توفيق - الإسكندرية - تقول: والدتي لها ميراث من والدها المتوفي منذ أكثر من 30 عاماً. إلا أنها لم تتسلمه من شقيقها حتي الآن. ولا يعطيها شقيقها إيراداً سنوياً لهذا الميراث. وهي ترفض ان تأخذ ميراثها أو بيعه. خاصة ان شقيقها لا يستطيع شراء نصيبها. وهي تقول انها لا تريد هذا الميراث حتي لا تخسر شقيقها. رغم اني واشقائي في حاجة ماسة إلي ذلك. مع ملاحظة ان والدتي لها معاشها من والدي كما أني أقوم واشقائي بإعطائها مبلغاً ماليا كل فترة. فهل عدم حاجتها لهذا الميراث في الوقت الحالي يجعلها ترفض طلبه. ما حكم الشرع إذا اجبرناها علي طلب ميراثها خاصة انه قد يكون سبباً في قطيعة مع خالنا؟ ** هذا السؤال يثير عدة مسائل عن الميراث وصلة الرحم.. أما بالنسبة للميراث فهو من أعظم الفرائض عند الله عز وجل. وعند أهل العلم إذا أطلقت كلمة الفريضة بلا قيد انصرفت إلي الميراث. ومن ذلك سمي باب الميراث في علوم الفقه بباب الفرائض. ولعزة هذه الفريضة علي الله عز وجل لم يدعها لملك مقرب ولا لنبي مرسل وإنما بينَّها في القرآن تفصيلاً. فباب الميراث قلما يوجد فيه حكم اجتهادي لكون أحكامه منصوصة في معظمها قرآناً يتلي. ومن ثم وجب علي كل من صار إليه ميراث لأحد أن يبلغه لمستحقه ولا يحبسه عنه بأي حال من الأحوال وان حبسه فهو آثم عند الله عز وجل في الآخرة. وفي الدنيا للقاضي ان ينزعه منه عنوة لصالح مستحقه. ولا يصح التذرع في الحبس بعدم حاجة صاحب الميراث إليه لقوله تعالي: "ان يكن غنياً أو فقيراً فالله أولي بهما" كما ان استغلال حياء النساء وحرجهن من عادات وتقاليد تسود في بعض المجتمعات لهو مما يعظم الاثم والعقوبة عند الله عز وجل علي حابس الميراث لان ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام. أما عن إجبار الأولاد لوالدتهم علي طلب الميراث من أخيها فليس لهم ذلك إذ هو حق خالص لها لا تجبر علي طلبه كما لا تجبر علي الحرمان منه ولها ان تهبه أو تتصدق به علي أخيها أو غيره علي ألا يكون ذلك بحرج أو بسيف الحياء أو رضوخاً لعادات وتقاليد تعيب علي المرأة طلب حقها في الميراث فكل ذلك حرام وهو من أكل أموال الناس بالباطل. وإذا رغبت في الحصول علي حقها بمحض إرادتها فلها ان تطالب به مع التزامها بحسن الطلب. وإحسان الطلب لا يعني الضعف فيه وإنما يعني التدرج بالقول الحسن. ولا ترفعه للقاضي مثلاً إلا إذا امتنع من الأداء بالمعروف. وإذا راعت ذلك كله فلا عليها بعد ذلك بخصومة أو قطيعة رحم من قبل يسوءه طلب الحق طالما راعت في ذلك الآداب الشرعية وعليه هو وزر ذلك.