* ورد إلي فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق السؤال التالي: ما حكم صحة الحج في حالة نزول الدورة الشهرية؟ ** فأجاب رحمه الله.. إن الحيض والنفاس أمر خلقي. كتبه الله علي بنات آدم وحواء. ومن أجل هذا اختصهن الإسلام بأحكام خاصة في الصلاة والصوم والحج. وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها- الذي رواه أصحاب السنن- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله "صلي الله عليه وسلم" لا نذكر إلا الحج حتي جئنا "سرف" فطمثت. فدخل عليَّ رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وأنا أبكي. فقال: "مالك؟ لعلك نفست" فقلت: نعم. قال: "هذا شئ كتبه الله علي بنات آدم. افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتي تطهري". وفي "صحيح مسلم" في رواية: "فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي البيت حتي تغتسلي". وهذا الحديث الشريف الذي روته السيدة عائشة صريح في أن للمرأة أن تقوم بكل مناسك الحج من الإحرام والوقوف بعرفة ورمي الجمار وغير هذا وهي حائض. غير أنها لا تطوف بالبيت للزوم الطهارة. هذا وجاء في كتاب "فتح العزيز" للرافعي الكبير الشافعي: "إن العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ينيب غيره ليرمي عنه. لأن الإنابة جائزة في أصل الحج. فكذلك في أبعاضه. وكما أن الإنابة في الحج إنما تجوز عند العلة التي لا يرجي زوالها فكذلك الإنابة في الرمي. لكن النظر إلي دوامها إلي آخر وقت الرمي. وكما أن النائب في أصل الحج لا يحج عن المنيب إلا بعد حجه عن نفسه. فالنائب في الرمي لا يرمي عن المنيب إلا بعد أن يرمي عن نفسه. ومثل هذا في الفقه الحنفي حيث تقرر: أن أفعال الحج تجري فيها النيابة كالطواف والوقوف بعرفه ومزدلفة والرمي. وبهذا قال أيضاً الشافعية والمالكية. وتخريجاً علي هذا: يجوز للمرأة إذا فاجأها الحيض قبل طواف الإفاضة. ولم يمكنها البقاء في مكة إلي حين انقطاعه أن ينيب غيرها في هذا الطواف علي أن يطوف عنها بعد طوافه عن نفسه. وأن ينوي الطواف عنها نائباً مؤدياً طوافها بكل شروطه. أو أن تستعمل دواء لوقفه وتغتسل وتطوف. أو إذا كان الدم لا يستمر نزوله طوال أيام الحيض بل ينقطع في بعض أيام مدته عندئذ يكون لها أن تطوف في أيام الانقطاع عملاً بأحد قولي الإمام الشافعي: من أن النقاء في أيام انقطاع الحيض طهر. وهذا القول أيضاً يوافق مذهب الإمامين مالك وأحمد. وفضلاً عن هذا: قد أجاز بعض فقهاء الحنابلة للحائض دخول المسجد للطواف بعد إحكام الشد والعصب. وبعد الغسل حتي لا يسقط منها ما يؤذي الناس ويلوث المسجد. ولا فدية عليها في هذه الحالة باعتبار حيضها- مع ضيق الوقت والاضطرار للسفر- من الأعذار الشرعية. بهذا أفتي كل من الإمام ابن تيمية وابن القيم بصحة طواف الحائض طواف الإفاضة إذا اضطرت للسفر مع صحبتها بشرط: أن تعصب موضع خروج الحيض حتي لا ينزل شئ منه في المسجد وقت الطواف. وفضلاً عن هذا: ففي فقه مذهب أبي حنيفة أن الحائض والنفساء لا يحل لها دخول المسجد. وإن دخلت ثم طافت أثمت وصح الطواف وعليها ذبح بدنة. وفي موضع آخر. تطوف الركن ثم تعيده. ذلك لأن الطهارة للطواف ليست شرطاً ولا فرضاً. وإنم هي واجب في قول أبي حنيفة. لما كان ذلك. فللمرأة الحاجة- التي يفاجئها الحيض والنفاس ويحول بينها وطواف الإفاضة مع تعذر البقاء بمكة حتي ارتفاع عذرها- أن تسلك أي طريق من الطرق التي قال بها الفقهاء: فلها أن تنيب غيرها لطوافه عنها علي أن ينوي ذلك لها وبشرط أن يكون قد طاف عن نفسه. أو أن تغتسل وتحكم شد وعصب مكان خروج الدم وتطوف أخذاً بأقوال بعض فقهاء مذهبي الشافعي وأحمد علي نحو ما سبق. هذا ومن أحكام الحائض والنفساء: أنه يجوز لها أن تجرم بالحج وبالعمرة وتغتسل قبل الإحرام. لما روي القاسم بن محمد: أن أسماء بنت عميس ولدت محمد ابن أبي بكر بالبيداء. فذكر ذلك أبو بكر للنبي "صلي الله عليه وسلم" فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "مرها فلتغتسل ثم لتهل". ولأنه غسل يراد به النسك. فاستوي فيه الحائض والطاهر ويسقط عن الحائض والنفساء طواف الوداع. ولا فدية عليها كما جاء في المغني لابن قدامه. وفي "الشرح الكبير" لمتن "المقنع" للمقدسي. وفيهما: أنه قول عامة فقهاء الأمصار للآثار المروية بالإذن للحائض بالنفر من مكة دون طواف وداع وقد نقل عن مالك أن طواف الوداع مستحب.