يقول الله تعالي في محكم تنزيله: "ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً" "النبأ 6/7" يقول صاحب صفوة التفاسير: أي وجعلنا الجبال كالأوتاد للأرض تثبيتاً لئلا تميد بكم كما يثبت بالأوتاد. ويقول الإمام أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي "المتوفي سنة 741" هجرية في كتابه: التسهيل لعلوم التنزيل: شبهها بالأوتاد لأنها تمسك الأرض أن تميد. ووجه الإعجاز في قوله تعالي "والجبال أوتادا" هو دلالة اللفظ "أوتاداً" علي وظيفة الجبال. فهي تحفظ الأرض من الأضطراب والميلان وتؤمن لها الاستقرار. وهذا ما كشف عنه الجيولوجيون في النصف الثاني من القرن العشرين. وقوله تعالي:" والأرض مددناها وألقينا فيها من كل شئ موزون" "الحجر/19" أورد الإمام الألوسي في تفسيره "روح المعاني": رواسي. أي جبالاً ثوابت من الرسو. وهو ثبات الأجسام الثقيلة. ولم يذكر الموصوف لإغناء غلبة الوصف بها عن ذلك... وأما الارتفاع فله سبب بالذات وسبب بالعرض. أما الأول: فكما إذا نقلت الريح الفاعلة للزلزلة طائفة من الأرض وجعلتها تلاً. وأما الثاني: فأن يكون الطين بعد تحجره مختلف الأجزاء في الرخاوة والصلابة. وتتفق مياه قوية الجوي أو رياح عظيمة الهبوب. فتحفر الأجزاء الرخوة وتبقي الصلبة. ثم لا تزال السيول والرياح تؤثر في تلك الحفر إلي أن تغور غوراً شديداً. ويبقي ما تنحرف عنه شاهقاً. والأشبه أن هذه المعمورة قد كانت في سالف الدهر مغمورة في البحار. فحصل هناك الطين اللزج الكثير ثم حصل بعد الانكشاف وتكونت الجبال. يقول علماء اللغة: في كلمة "ألقي" إعجاز قرآنيا. إن إلقاء الجبال علي الأرض رواسي لها كي لا تميد ولا تضطرب وإلا ما كانت صالحة للعمران وارتباط تكونها بنبع الأنهار من قممها ودور حركة الأنهار من ينابيعها إلي مصابها في تفتيت الصخور وتكوين التربة وتركيز العديد من المعادن والصخور النافعة والثروات الأرضية الأخري وفي تسوية سطح الأرض وشق الفجاج والسبل فيها. لقد جعل الله تعالي تضاريس الأرض المختلفة علامات للاهتداء بها علي اليابسة في وضح النهار وجعل النجوم علامات للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر. لقد قال علماء الجيولوجيا: إن تكوين الجبال علي سطح الأرض إنما تم بطريقة الإلقاء وهذا الإلقاء تم جيولوجياً عبر العصور وهو من أسفل إلي أعلي حيث لفظت المحيطات والبحار ما بداخلها علي مستوي القاع وذلك بفعل البراكين أو من أعلي إلي أسفل بفعل مجاري الأنهار والترسبات الصخرية أولاً بأول. وحركات طبقات الأرض الكائنة تحت قشرتها تسبب ضغطاً هائلا من الأسفل إلي الأعلي ونتيجة هذا الضغط تتكون الجبال فقد ثبت علمياً أن الجبل يمتد أربع مرات ونصف المرة تقريباً داخل طبقات الأرض السفلي. والجبال أوتاداً بالنسبة لسطح الأرض فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل. فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقة لزجة نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية. لقد خلق الله تعالي الأرض ومدها ووسعها وألقي فيها الجبال وفيها المعادن المتنوعة وجعل الجبال رواسي للأرض حتي لا تميد ولا تضطرب كما بين ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد روي الإمام الترمذي في سننه والإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتتكفأ فأرساها بالجبال فاستقرت فتعجبت الملائكة من شدة الجبال. فقالت الملائكة: ياربنا هل خلقت خلقاً أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد. قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من الحديد؟ قال: نعم النار. قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من النار؟ قال: نعم الماء. قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من الماء؟ قال: نعم الريح. قالوا: فهل خلقت خلقاً أشد من الريح؟ قال: نعم ابن آدم إذا تصدق بصدقة بيمينه فأخفاها عن شماله. يقول الشيخ الإمام عبدالله سراج الدين: فانظر واعتبر في قوة إيمان المؤمن الذي يحمل صاحبه علي الصدق مع الله تعالي والإخلاص في العمل لله تعالي ويكبح دواعي نفسه فيتصدق بمال محبوب له قد جمعه ويبغي بذلك وجه الله تعالي مخلصاً لله تعالي دون أن يكون هناك رياء ولا سمعة بل صدقة خفية لا تعلمها شماله لاخفائها قال الحق سبحانه: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعلمون خبير "البقرة 271". فالجبال عالم كبير له أحكام خاصة غير عالم الأرض وله من الخصائص المودعة فيه خاصة وقد جعل الله تعالي لها ملائكة خاصة بتدبيرها والتصرف فيها بإذن الله تعالي كما جاء في حديث يوم الطائف: يقول رسول الله عليه وسلم: فأظلتني سحابة فإذا فيها ملك فسلم علي وقال لي: يا محمد أنا ملك جبل وقد أرسلني الله تعالي إليك لتأمرني بما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين أي: "الجبلين" وهما: أبي قبيس وجبل قعيقعان. ومفرد الأخشبين: الأخشب والجمع: الأخاشب وتطلق علي الجبال الخشنة ذات الصخور المتراصة. وجبل أبي قبيس: يطل علي الكعبة المشرفة من الجهة الشرقية. وارتفاعه "420" متراً. ويعرف جبل أبي قبيس بأنه أول جبل وضع علي الأرض والله أعلم. وقال الأرزقي في كتابه "أخبار مكة": كان جبل أبي قبيس يسمي في الجاهلية الأمين لأن الركن الأسود كان مستودعاً فيه عام الطوفان. وجبل أبي قبيس يشرف علي الكعبة المعظمة بل إن الربوة التي بنيت عليها الكعبة تتصل بأصل جبل أبي قبيس وأصل الصفا الذي يبدأ السعي منه يقع في أسفل أبي قبيس في مقابلة ركن الحجر الأسود وانشقاق القمر حصل عليه وذلك معجزة لرسول الله صلي الله عليه وسلم. أما جبل قعيقعان فهو: عبارة عن سلسلة جبال تتخذ عدة أسماء حسب مواقعها وتعتبر شديدة الانحدار في النواحي الشرقية والغربية والجنوبية الشرقية ويرتفع "430" متراً فوق مستوي سطح البحر وهو الجبل الضخم المشرف علي المسجد الحرام من الشمال والشمال الغربي والممتد من حارة الباب إلي الشامية ويسمي جبل العبادي. والشرقي المشرف علي الحجون ومقبرة المعلاة يسمي جبل السليمانية. وما أشرف علي دحلة يسمي باسماء عدة حسب اطلاله علي مختلف الاحياء. نطرفه الشمالي الغربي جبل السودان. وبين القرارة والفلق يسمي جبل القرارة أما الجزء الجنوبي فيسمي جبل هندي. فالله سبحانة وتعالي الذي خلق السموات والأرض والجبال وشدتها لهو قادر علي أن يعيد خلق الإنسان كما بدأه. ولذلك أقام الله تعالي الحجة علي قدرته علي الحشر والإعادة بذكر خلق السموات والأرض والجبال. يقول الباحث في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية عبدالدائم الكحيل: إن هذا يثبت أن القرآن كتاب علم وليس كتاب أساطير كما يدعي الملحدون. ويثبت أن القرآن معجز من الناحية العلمية ويتضمن سبقاً علمياً في علم الجبال. ويعني أيضاً أننا لا نحمل النص القرآني أي معني لا يحتمله. إنما نفهم النص كما فهمه العرب أثناء نزول القرآن. ولكن هم فهموه حسب معطيات عصرهم ولم يكن هنالك مشكلة علي الرغم من عدم وجود أي تفسير علمي لجذور الجبال ودورها في التوازن الأرضي ونحن اليوم نفهمه حسب أحدث المكتشفات العلمية ولا نجد أي مشكلة أيضاً. ألا يدل هذا علي أن القرآن كتاب صالح لكل زمان ومكان؟ شبه الجاحدين علي الوحي "أخيرة" بقلم الشيخ: إسماعيل حامد يحيي وزعم الجاهليون قديماً وحديثاً أن محمداً قد تلقي العلوم القرآنية علي يد معلم. وهذا حق. إلا أن المعلم الذي تلقي عنه القرآن هو ملك الوحي. أما أن يكون له معلم آخر من قومه أو من غيرهم فلا. إن محمداً صلي الله عليه وسلم. قد نشأ أمياً وعاش أمياً في أمة أمية. لم يعرف فيها أحد يحمل وسام العلم والتعليم. وهذا واقع يشهد به التاريخ. ولا مرية فيه. حقيقة أنه رأي في طفولته بحير الراحب في سوق بصري بالشام. ولقي في مكة ورقة بن نوفل أثر مجئ الوحي. ولقي بعد الهجرة علماء اليهود والنصاري. لكن المقطوع به أنه لم يتلق عن أحد من هؤلاء شيئاً من الأحاديث قبل نبوته. أمام بعد النبوة. فقد كانوا يسألونه مجادلين فيستفيدون منه ويأخذون عنه. ولو كان رسول الله أخذ شيئاً عن واحد منهم لما سكت التاريخ عنه. لأنه ليس من الهنات الهينات التي تتغاضي الناس عنها. لا سيما الذين يقفون للإسلام بالمرصاد. والكلمات التي ذكرها التاريخ عن راهب الشام أو ورقة بن نوفل كانت بشارة بنبوته صلي الله عليه وسلم. اعترافا بها. ونقول لهؤلاء الذين يزعمون أن محمداً كان يعلمه بشر: ما اسم هذا المعلم؟ عنذئذ تجدهم لا ينطقون. لأنه هكذا حكم القرآن الكريم"ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين". لقد كان العرب أحرص الناس علي دفع هذا القرآن. إمعاناً في خصومة محمد. ولكنهم عجزوا ووجدوا السبل أمامهم مغلقة. وباءت كل محاولاتهم بالفشل. فما للملحدين اليوم وقد مضي أربعة عشر قرناً علي ذلك يبحثون في قمامات التاريخ. متلمسين سبيلاً من تلك السبل الفاشلة نفسها؟!. وبهذا يتبين أن القرآن الكريم لا يوجد له مصدر أنساني. لا في نفس صاحبه. ولا عند أحد من البشر. فهو تنزيل من حكيم حميد إن نشأة رسول الله في بيئة جاهلية. وسيرته بين قومه. من أقوي الدلائل علي أن الله تعالي قد أعده لحمل رسالته. وأوحي إليه بهذا القرآن هداية لأمته"وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا".