مع حمي التنافس الرياضي وحرارة التشجيع الكروي نشاهد ألوانا من الانحراف السلوكي متمثلة في الشغب الرياضي في المدرجات وما يتبعه من آثار سلبية في الشوارع والعمارات والمحلات التجارية التاريخ الرياضي مليء بكوارث الشغب الرياضي وسبب الكوارث ثورة جماهير الفريق المهزوم مما يدعو الشرطة إلي التدخل.. الشغب الرياضي في مجتمعنا لم يصل إلي الحالة التي وصل إليها في المجتمعات الأخري إلا انه ظهرت في الآونة الأخيرة بعض السلوكيات الخاطئة بعد وأثناء المباريات من بعض شبابنا وندق ناقوس الخطر وندعو المسئولين بالجهات المعنية إلي الاهتمام بهذه السلوكيات والتصدي لها للحيلولة دون تحولها إلي ظاهرة ويحدث ما لا تحمد عقباه فالشباب بعواطفه يحب كثيراً من الأشياء الجميلة لكن ما إن يتأمل بعقله الآثار السيئة التي تفرزها هذه الأشياء أو ما ينتج عنها من هدر الطاقات أو الانشغال عن آماله وطموحات وطنه إلا ويكون مضطرآ إلي إعادة حساباته من جديد ليتعامل معها باتزان واعتدال ومنها الرياضة التي تتصدر اليوم قائمة الاهتمامات عند طائفة كبيرة من الشباب في شتي أرجاء العالم وهذا ليس غريباً فحيوية الشباب وعنفوانه من أهم عوامل اهتمام الشباب بالرياضة ممارسة وتنافساً وتشجيعاً. رصدت إحدي الدراسات هذه السلوكيات وذلك عبر استبيان اشترك فيه 232 شاباً وفتاة من مختلف الطبقات والأعمار ورصدت الدراسة بعض السلوكيات الشنيعة التي يسلكها الشباب ومقدمة لتحويل السلوك الشنيع إلي ظاهرة منها التشجيع والتعظيم للأندية أو اللاعبين وتقديم محبتهم علي أشياء أخري أهم وتعليق شعارات الأندية وصور اللاعبين في غرف وفي سيارات الشباب ويقلد الشباب اللاعب في ملبسه وتقليعاته ومشيته وحركاته وسكناته ولو تعرض أحد لناديه المحبوب ولنجمه المفضل ثارت ثائرته بالسب والشتم وعند تعارض وقت المباراة مع وقت فريضة يستمر في مشاهدة المباراة علي حساب الفريضة ويؤخرها عن وقتها الذي شرعه الله عزوجل بدون أي عذر شرعي وإنما من أجل كرة القدم عندما تكون المباراة جماهيرية ويكون الحضور للملعب قبل المباراة بساعات وحينها تفوت صلاة أو صلاتان علي كثير من الجمهور الحاضر وسماع العبارات السيئة والكلمات النابية والمفردات الفاحشة سواء في المدرجات أو في المنتديات وقد يصل بعضها إلي لعن الدين كل ذلك ينافي أخلاق المسلم وتفريط الزوج في حقوق أبنائه وزوجته وعند الخسارة يتحول البيت إلي جحيم بلا أي ذنب وقد يصل الأمر للطلاق وتفريط الموظف في إنهاء معاملات الناس فعند الفوز يتصفح جريدته وعند الهزيمة يظهر خلقه السييء مع الناس ويتعمد تعطيل معاملاتهم وعند الفوز يقوم البعض باقفال الشوارع وعمل مسيرات يتم فيها تعطيل الناس عن مصالحهم وازعاجهم بأصوات المنبهات فمنهم النائم ومنهم المريض والكبير وعند الهزيمة يتم العبث بالممتلكات العامة وكذلك تكسير سيارات المواطنين بل والاعتداء علي المرور واحداث الفوضي والتخريب. وعندما يكون التشجيع علي حساب العدل والانصاف والحيادية وهذا يتحمله المشجع والإعلامي والمسئول. هكذا تنتهك حرمات الناس ويعتدي علي حقوقهم وكل ما سبق وغيره كثير يتم فيه التضحية بالأخلاق وخدش الذوق العام وذلك من أجل كرة القدم؟! "عقيدتي" اقتحمت أوساط الشباب واستطلعت آراءهم حول ملامح هذه الظاهرة وأسبابها وكيفية التصدي لها كما التقينا مع بعض المسئولين والمتخصصين حول هذه السلوكيات قبل أن تصبح ظاهرة. إغلاق الشوارع يقول محمد حسان: أنا أشجع أحد الأندية لدرجة الجنون ولا أحب أن ينهزم فريقي رغم أنني علي يقين أن الرياضة فوز وهزيمة وبعد المباراة نقوم بإغلاق الشوارع بواسطة سيارات بعض المشجعين ومن ثم ازدحام الطرق وعرقلة سير السيارات وتجاوز الأنظمة المرورية مما يسبب حوادث تصادم السيارات والتعدي علي المارة ومضايقة النساء ومعاكستهن وقد يصل أحيانا إلي التعدي عليهن داخل السيارة والتعدي علي المرافق العامة أو الخاصة كواجهات ولوحات بعض المحلات التجارية وازعاج السكان في الشوارع والأحياء بأصوات المنبهات أو برفع أصوات المسجلات بالموسيقي الصاخبة وتجمهر الشباب في الأحياء والشوارع والمشادات الكلامية والألفاظ السوقية والسباب والشتم الذي يقع بين مشجعي الفرق والتي تنتهي أحيانا بمضاربات سيئة العواقب هكذا بدأ فاروق أحمد وقال هناك شيء جديد هو الرقص الجنوني الذي لا يليق بالشاب المسلم في الشوارع إلي ساعة متأخرة من الليل وإضاعة صلاة الفجر وقد يخرج بعض الشباب والفتيات من نافذة السيارة أو فتحة السقف ثم انحرفت به السيارة فارتطمت بأحد الأعمدة في الشارع وحدثت كارثة. التشجيع فن يري أحمد عماد أن التشجيع فن وذوق وأخلاق قبل أن يكون ميولاً لكن للأسف تحولت كل تلك المفاهيم وأصبحنا نعشق النادي الفلاني ونكره النادي الآخر وما يحدث الآن هو ضعف التوعية الإعلامية إضافة إلي ضعف الوازع الديني ووجود الفراغ الذهني لدي بعض الشباب وما يصاحبه من قلة الوعي والإدراك للمسئولية وزيادة الحماس في هذه المناسبات مع توفر الامكانيات لدي الشباب كالسيارات وغيرها مع عدم مراعاة الضوابط الأمنية وتأثير بعض وسائل الإعلام في إثارة الحماس بين الأندية والجماهير ورغم ذلك هناك تشجيع بديع وراقي يمثله شباب عقلاء مثاليين يشجعون بلا أي اضرار أو اساءة ونطالب بأن يكون هذا هو الاساس في التشجيع عند الشباب. افراز لمشاكل اجتماعية ويؤكد الدكتور سيد صبحي أستاذ علم النفس جامعة عين شمس أن هذه الظاهرة ليست سوي افراز وقتي لمشاكل اجتماعية وثقافية بدأ يعاني منها المجتمع في السنوات الأخيرة وهي تنحصر في السلبيات والتي تمثلت في ضعف المؤسسات الاجتماعية الأولية وهي الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة عن القيام بدورها في تنشئة الأجيال علي أسس سليمة وكذلك الترف الاجتماعي والفراغ والبطالة وتوفر وسائل الاتصال وتحول التشجيع الرياضي للأندية إلي انتماء يغلب عليه التعصب وتحول المناسبات الرياضية إلي معارك فيها هازم ومهزوم مما يؤدي إلي تلك السلوكيات التي فيها تعبير إما بالفرح عند الفوز أو بالحزن عند الهزيمة عند الشباب تتحول إلي عوامل تدمير ما لم يقم المجتمع بدوره في الضبط والمراقبة وتطبيق العقوبة عند الحاجة إليها والفراغ النفسي وحب التقليد والمحاكاة أيضا وعدم الردع من قبل السلطات الأمنية وعدم الأخذ علي أيدي هؤلاء السفهاء تلك أسباب هذه الظاهرة وإن لم يتم التصدي لها وإلا فإن هؤلاء سيتمادون وربما تقع منهم بعض التصرفات التي لا تحمد عقباها. والحل كما يقول الدكتور سيد صبحي تكثيف التوعية الإعلامية من قبل وسائل الإعلام وتقديم برامج توعية موجهة للشباب ونشر الوعي بين الطلاب وتفعيل الدور الأسري للحد من هذه الظاهرة والتعاون مع الهيئات الدينية لارشاد الشباب في المساجد والمناسبات الدينية إضافة إلي البحث عن سبل لامتصاص حماس الشباب بإنشاء الأماكن الترفيهية الشبابية وتقديم رسائل غير مباشرة تخاطب الشباب وتحثهم علي السلوكيات الحسنة وتبين لهم أخطار التجاوزات علي أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم والحزم في التعامل مع المتجاوزين لأن الردع له تأثير ملموس في حالة فشل التربية والتوعية. الإسلام والرياضة يقول الدكتور جمال فاروق الأستاذ بجامعة الأزهر إن الإسلام وهو دين الله الخالد الذي يتسم بالشمولية والكمال لم يهمل أمر الرياضة بل أحاطها بالعناية وشملها بالرعاية وتضمنت بعض نصوصه ما يفيد مشروعيتها. ومارس رسول الله صلي الله عليه وسلم بعض أنواعها فقد سابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها مرتين سبقته في الأولي وسبقها في الثانية وجاء في الحديث "المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" والقوة المقصودة هنا عامة يدخل فيها قوة الجسم والبدن ولأن هناك تكاليف وفرائض شرعية لا يمكن أداؤها إلا بواسطة الجسم كالجهاد والحج وغيره وبهذا يعلم أن ممارسة الرياضة جائزة ولكن بشرط عدم الوقوع في المحذور الشرعي مثل: كشف العورات أو إضاعة الصلوات أو التعصب المقيت والتشجيع الفوضوي ولا شك أن الإيمان صمام أمان يضبط تصرفات الشاب ومتي أختل هذا الصمام تسربت السلوكيات السيئة إلي المجتمع فالشاب المؤمن ينأي بنفسه عن هذه الأفعال ولو لم يكن فوقه رقيب يحاسبه أو نظام يعاقبه لأن في قلبه رقابة ذاتية ملازمة له وإن خلا عن أعين الناس وهي مراقبة الله تعالي. وطالب الدكتور جمال فاروق بتكثيف التوعية الدينية في المدارس والأندية ومراكز الشباب والجامعات حتي نصل إلي قلوب الشباب فالإيمان يحمل الشاب علي الاعتدال في اهتماماته فلا يكون التشجيع الرياضي مقدما علي مصالح الشاب نفسه أو أسرته فضلا عما ينتظره منه دينه ووطنه. وينهي الشاب عن إيذاء الآخرين أو التعدي علي حقوقهم كما قال النبي صلي الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" وتتبناها كافة الجهات ابتداء بالبيت والمدرسة والمسجد ومنبر الجمعة والأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام والأندية الرياضية وانتهاء بالمجتمع بأكمله.