لا يخفي علي أحد أن الأمة الإسلامية تمتلك رصيداً ضخماً من القيم الهادفة يمكن استثماره فيما يفيد الإنسانية.. ونحن نشير إلي المعالم الإسلامية. نؤكد علي ما يلي: أولاً: أن الانفتاح الثقافي الذي ينتشر في مجتمعاتنا ينبغي أن يجنبنا عمليات فرض التجارب والنماذج الوافدة من بلدان وحضارات معينة. والتي يتم إسقاطها علي واقع مغاير للواقع الذي بعثت فيه. وإن نقل التجارب ونشر المفاهيم التي أفرزتها سياقات تاريخية واجتماعية معينة وتصدير البرامج. لا يمكن أن ينجح إلا في سياق تواصلي. ومناخ تفاعلي. ورؤية تبادلية تحترم خصوصية الآخر وذاتيته الحضارية والثقافية. وذلك أن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تركز عليها الحضارة الغربية اليوم لا تنفك تجد في سياساتنا وبرامجنا الصدي الواسع والإيمان العميق.. لكننا بالقدر ذاته لا ننفتح عليها ولا نطلبها ولا نجسدها إلا في سياق خصوصيات وتجارب الأمة الإسلامية. منطلقين من قيم الحضارة الإسلامية وأساليبها في التربية والتنشئة المنبثقة عنها. وفي هذا الإطار نحن نؤكد أهمية الترابط الإنساني. ونرفض عمليات إسقاط المفاهيم وعلي واقع مختلف التضاريس . كما نرفض تعليب القيم. وإملاء التجارب. وثانياً: كما أن مفهوم المسلمين للانفتاح لا ينفصل عن الأبعاد الخلقية للقيم الثقافية والدينية عموماً. فثقافة المسلمين الإسلامية انبثقت تاريخياً عبر منظومة القيم التي كانت ولا تزال جزءاً من رصيد الأمة الخلقي في الانفتاح نابع من إحساس المسلمين وقلقهم مما يهدد وجودهم الحضاري من انحرافات تجسِّدها المنافسة الشرسة التي باتت محكومة بمنطق الربح والخسارة. فضلاً عن الكثير من الظواهر التي أبرزتها ظروف العصر. وباتت تهدد المجتمع. ومع هذه المحاذير يتعين كذلك تبين طبيعة المعوقات التي تعترض طريق هذا الانفتاح. خصوصاً الحوار الإسلامي الغربي. وفي مقدمتها ما يشوب الصورة الغربية من سلبيات وتشويهات ليس المسلمون مسئولين عنها. وثالثاً: لقد أصبحت وسائل الإعلام والاتصال في الأيام الراهنة هي المسئول الأول عن عملية نقل صور الشعوب وثقافاتها وصياغة المواقف منها وحولها. ولا يخفي علي أحد أهمية هذا الدور وخطورته في آن واحد. فالإعلام يبلور السياسات ويكون الاتجاهات ويوجه القرارات. لدي الدول والجماهير في الوقت نفسه. خصوصاً مواقف التعاطف أو النفور. إن صور المسلمين الحضارية في غالبية وسائل الإعلام الغربية. لا تعكس صورة المسلمين الحضارية. كما أن الأحكام المعيارية حولها لا تستند إلي موضوعية موثوقة. لقد شكلت صورة الشخصية العربية والإسلامية في سياق سلبي لدي الرأي العام. فغلب علي ملامحها الانغلاق والتعصب والجهل والعدوانية. إنها الصورة القاتمة. وللأسف في ذهن الإنسان الغربي. الذي يتلقي معلومات عن العرب والإسلام من وسائل الإعلام موجهة في غالبيتها من مركز ضغط ليست محايدة. يمثل اعتماد مبدأ السماع إلي الآخر. فرصة لإجلاء صورة الثقافة والحضارة الإسلامية لدي الغرب الذي نطمح إلي تطوير علاقة المسلمين معه وتدعيمها. لكن المشكل يتجسد في كيفية تبليغ المسلمين الحقيقة والتعريف بأنفسهم. لقد آن الأوان للكف عن النظر إلي الانفتاح الثقافي باعتباره وسيلة لتحقيق المنافع. واكتساب الأسواق. كما آن الأوان للكف عن ربطه بالنزعة الأمنية. فنحن لا نمثل مصدر تهديد. ولا منطقة خطر بالنسبة للغرب. ورابعاً: لقد بات من الضروري تصحيح صورة الحضارة الإسلامية المشوهة والمنقوصة لدي العالم الغربي. ويجب أن يعترف المسلمون بوجود جهل بهم أو تجاهل لهم. علي رغم أنهم يعرفون تاريخ الغرب وحضارته ولغاته أكثر مما يعرف هو عنهم. حتي أبناؤنا المهاجرون. علي رغم أهميتهم الحضارية في بعض المجتمعات الغربية. لا يحظون في مجتمعات المهجر بالقدر الكافي من تعليم اللغة العربية. وكثيراً ما يؤدي التهميش اللغوي اللغوي والقيود إلي إبعاد الأجيال الجديدة في بعض الجاليات العربية والإسلامية عن جوهر القيم الإسلامية الحقيقية. مما يفسح المجال أمام التغرير بالتنظيمات المتطرفة وتضليلها وتشجيع "إسلام الكهوف" كما قيل عوضاً عن إسلام النور. ولا شك كذلك في أن هناك بعض جوانب الخلل في بعض المجتمعات. فيجب أن يعترف الناس بأنهم مقصرون في فهم الغرب أحياناً. بما سمح بتسرب بعض الأخطاء في مواقفهم وتقديراتهم. فلابد من الانفتاح علي ما حولنا. ولكننا بحاجة إلي المساعدة علي اقتحام المعاصرة في مجالات التكنولوجيا الحديثة. وفي مجال التعرف علي التجارب الرائدة في التنمية. فمتي يتم إنشاء شبكة إعلامية دولية باللغات الحية تعرف بثقافة المسلمين؟ كما بات من الضروري مضاعفة الجهد لدعم حركة التعريف بثقافة المسلمين. ولا يخفي أن تحقيق الانفتاح يتطلب استمرار بذل الجهود والمحاولات. لأنه مهدد باستمرار بعض المخاطر والمنزلقات. فالانفتاح ليس في مأمن من التوتر والتأزم والتعثر والركود. والانفتاح عملية تفاعلية. لا يمكن أن تعلب أو تفرض. لكن المهم هو الوعي والاقتناع بأن ما يعتري الأمة أحياناً من الانتكاسات إنما هو أمر مرحلي وعادي. ومن المفروض أن يدفع بالمسلمين إلي مزيد من العمل من أجل صيانته وحمايته عبر قيام منظومة المرتكزات التي أشرنا إليها تسندها في ذلك مؤسسات المجتمع المدني. ونحن نعتقد أن الحضارة الإسلامية قادرة في ظل التحولات الدولية والتحديات المستجدة بفضل رصيدها التاريخي. والثقافي. وتجاربها الثرية. علي أن تلعب دوراً إيجابياً في تعميق مباديء الانفتاح بين الأمم والشعوب. وتحقيق معاني التفاهم والسلام الدوليين.