إن هذه الأمة توحدت في الأرض يوم وحدت ربها في السماء وبقي دور الأمة أن تحافظ علي هذا الحصن الذي بناه الإسلام وهو الوحدة. وأول لبنة في هذا الحصن هي توحيد العقيدة. أمة نقلها الإسلام من عبادة الحجر. وأكل القذر. وتصوَّر أن الملائكة بنات الله. إلي أمة تؤمن بأن الله خالق كل شيء بقدر. أمة تؤمن بأن الله خلق كل شيء. ورزق كل شيء. ويري كل شيء. ويقدر علي كل شيء. وليس كمثله شيء سبحانه لا أعرف أن الله وصف في أي كتاب سماوي بهذا الوصف وأطال العلماء الكلام عن حرف "الكاف" في قوله "كمثله" فهي شبيه دخل علي تشبيه فقولنا ليس مثلك شيء. وليس مثل مثلك شيء مبالغة في النفي. جاء في التحرير والتنوير كلام طويل "خلاصته" الآية نفت أن يكون شيء من الكائنات والموجودات مثلاً لله سبحانه. والمثل عند إطلاقه يطلق علي أكمل المتشابهات. فذاته سبحانه لا يشابهها شيء من المخلوقات. فكل ما ثبت في المخلوقات من محسوسات فهو منتف عنه سبحانه بهذه الآية. أقول وهذه الآية أصل من أصول العقيدة لا نعرف في كل القرآن ما يُستغني به عن قوله تعالي : "ليس كمثله شيء" وفي منهج السلف والخلف رضي الله عنهم نحتاج إلي هذه الآية الكريمة مع كل صفة من صفاته اشتركت مع المخلوق. فإذا جاء في القرآن الكلام عن اليدين لله تعالي قال سلف الأمة لله يدان ولكن "ليس كمثله شيء" وأول خلف الأمة اليدين يعني الجود. والوجه بالذات. والنزول في الثلث الأخير بالإجابة والقبول للعبادة والدعاء. وقد حدث قديماً اجتهادات للعلماء فرَّقت بين الأمة قسموها إلي أهل السنَّة والمعتزلة والمرجئة والشيعة والخوارج أعني الشيعة المعتدلة.. ويقول ابن حزم عنهم إنهم فرق إسلامية وان اقترب بعضهم للإسلام أو ابتعد عنه. فهم مسلمون وقد عرفت من دراستي أن أمراء المسلمين كان بعضهم دخل في الفرقة بين المسلمين لشغل الناس عن المشكلات السياسية. كما أن اللغة العربية جعلوها سبباً تنمية هذه الخلافات. من ذلك موضوع الحقيقة والمجاز في اللغة العربية فمن نفي المجاز في اللغة العربية ونفي المجاز في القرآن لابد أن يختلف فهمه لمثل قوله تعالي : "الرحمن علي العرش استوي" طه: 4. ولو بقي الاختلاف في حدود اللغة العربية ما تأثر المجتمع المسلم بهذا ولا تفرق. فالمدرسة الظاهرية ترفض التأويل وتأخذ كل لفظ بظاهره. وقد أسس هذه المدرسة "داود بن محمد توفي في 270ه. وجدَّد هذه المدرسة أبو محمد بن حزم توفي في 456 ثم غابت قروناً ويحاول بعض المسلمين أن يعيدها الآن غفر الله لهم. وإذا كانت المدرسة الظاهرية نفت المجاز في اللغة فإن الإمام أحمد بن حنبل قد نفي المجاز في اللغة وكره التأويل الذي هو صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلي معني مرجوح يحتمله اللفظ لدليل يجعل المرجوح راجحاً. فلابد للتأويل من احتمال اللفظ لمعني الذي يستعمل فيه. ولابد من الدليل الذي يجعل المرجوح راجحاً. وإذا كان الحنابلة والظاهرية أنكروا المجاز وكرهوا التأويل فالثابت عنهم أنهم إذا اضطروا جميعاً أولوا. والإمام ابن تيمية إذا اضطر أول فالمسألة في الأصل مسألة لغوية ألبسوها ثوب الدين حتي حكم بعضهم بالخروج من الدين علي كل من خالفهم. اخترت كلمة واحدة وردت في القرآن مرتين الأولي علي الحقيقة. مفردة ومثناة. والثانية علي المجاز. جاء هذا في قوله تعالي : "فهل نجعل لك خرجاً علي أن تجعل بيننا وبينهم سداً". القوم يطلبون من ذي القرنين أن يبني لهم سداً يحميهم من "يأجوج ومأجوج" "الكهف" فالسد هنا بناء حقيقي.. وورد السد مرة ثانية في القرآن ويراد منه الحقيقة اللغوية أيضاً. ورد مثني في قوله تعالي : "حتي إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً" الكهف: 93 وجاء السد في القرآن مجازاً لغوياً لا يحتمل أي خلاف "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" يس: 9 فالحقيقة والمجاز مسألة لغوية ثابتة بالقرن فإذا جاءت آية في القرآن تحتمل الحقيقة والمجاز فذهب قوم إلي أحد الفهمين فلا جدال في صحة هذا الفهم ولا معارك دينية مادامت المسألة في الأصل مسألة لغوية محتملة. ونحن لا نعرف شيئاً عن الملأ الأعلي. ولم تخلق عقولنا لهذا ومن أخذ الآية الكريمة علي ظاهرها فقد أصاب وهو فهم راجح. ويسمونه منهج السلف. ومن أولها فهو فهم مرجوح ولكن الدليل يجعله راجحاً ورد حديث صحيح عن الله عز وجل أن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل فنادي: هل من مستغفر فاغفر له. الحديث صحيح رواه البخاري مواقيت وترمذي طهارة والنسائي والموطأ وأحمد ج1 حديث 288 الحديث ثابت حسب السند وصحيح وصعوده سبحانه ونزله لا يعلمه إلا الله ولكن الذي أحاول فهمه هو كلمة "ثلث الليل" أسأل أي ليل؟ وليل أي بلد؟ أن العلم الحديث الآن بأن كلمة "ثلث الليل" تطلق علي دقيقة في الأرض لأن الزمن فيه كل الزمن فلا نتصور أن الله يعني ثلث الليل في مدينة الرسول صلي الله عليه وسلم ولا ثلث الليل في الآخر في مكة. ولا ثلث الليل في مصر وبلاد الشام إن كلمة "ثلث الليل" تعني كل دقيقة في الليلة والنهار علي جزء من الأرض هذا ما يمكن أن نجمع به بين الحديث الصحيح وبين الحقيقة العلمية التي تؤكد أن الليل فيه كل الليل والنهار. من أجل هذا لجأنا إلي لغة المجاز لنجمع بين الحديث الصحيح وبين الحقائق العلمية.. فقلنا "استوي" أي استولي وملك وهذا كلام قاله العلماء في سابق الزمن ويسمي رأي الخلف ويستشهدون عليه من ناحية اللغة بقول الشاعر استوي بشرا علي العراق بلا سيف ودم مراق ولكن لعل الجديد في هذا اللقاء هو محاولتي أن أدلِّل علي ذلك التأويل بشمول نزوله سبحانه إلي السماء الدنيا في "ثلث الليل". وثلث الليل يشمل كل زمان علي الأرض. والناس في كل مكان بحاجة إلي نداء الله ورحمته. وكنت أضحك عندما اقرأ لأحد شيوخنا كتاباً يقول فيه إن هذه علوم الكفار يحرَّم علي الشباب المسلم أن يدرِّسها ليتفرغوا دراسة الإسلام.. ونحضر لبلادنا من يقوم بالمهن الحديثة من الكفار وثمن النفط سدَّد الحاجة والحمد لله. إن هذا الرجل غفر الله له لم يقرأ كتب علماء الإسلام القدامي الذين قالوا: إن دراسة الطب وعلوم الرياضيات والكيمياء فرض كفاية إذا لم يوجد في كل بلد طبيب مسلم أثم الجميع. وكذلك العلوم الأخري. فلنجتمع ما دام في قلبنا إيمان يجمعنا "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً" سورة مريم.