تاور.. فرعوني ... سوهي.. قبطي ... سوهاج .. إسلامي قلب الصعيد 500 كيلو متر من القاهرة وصاحبة فضل البدايات علي الإنسانية.. منذ الأزل.. وإلي الآن فيها: البربا.. أول عاصمة في تاريخ البشرية.. ومولد الملك مينا.. أول ملوك الأسرة الأولي الفرعونية.. وموحد القطرين في المقاطعة التي كانت تسمي تاور أي الأرض العظيمة وأرض الإله مينا إله الخصب والنماء والقوة التناسلية.. وتقع قرية البربا حاليا علي بعد 15 كيلو مترا من جنوب مدينة سوهاج وتتبع مركز جرجا. الدير الأحمر.. والأبيض.. أول أديرة الرهبان المتوحدين في تاريخ المسيحية حوالي 350 ميلادية وفيها ظهر ثلاثة من أقطاب الرهبنة هم الأنبا بيجول وبشاي وشنودة.. ويقعان علي بعد 7 كيلو في غرب مدينة سوهاج.. علي مقربة من قرية الشيخ حمد. جرجا.. بلد علوم الدين الإسلامي.. لكونها محطة هامة من محطات طريق الحج عبر قوص والبحر الأحمر.. فكانت مركزا تجاريا للسكان وتجمعا كبيرا لرجال الدين والصوفية.. الذين عمروا مساجدها العديدة بدراسة علوم الفقه.. وبها مقام 40 وليا من رجال الدين والصوفية.. أشهرهم الشيخ أبوعمره. وتقع علي بعد 33 كيلو من سوهاج.. وكانت من الشهرة حتي أطلق اسمها قديما علي ولاية تمتد من المنيا وحتي أسوان..
قدمت للإنسانية.. كل ملوك الأسرتين الأولي والثانية الفرعونية كأول حكام في التاريخ.. وأقطاب الرهبنة من مصريين ورومان في أديرة براريها الغربيةوالشرقية الباقية آثارهم حتي الآن.. ورفاعة الطهطاوي صاحب أكبر نهضة ثقافية.. والشيخ مصطفي المراغي شيخ الأزهر.. وذو النون المصري قطب الصوفية ود.النبوي المهندس وزير الصحة الراحل.. وليس أخيرا.. د.سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق.
شريط أخضر ضيق من الزراعات يتحدي حصار الجبلين الشرقي والغربي.. والكثير من الترع والقنوات فضلا عن نهر النيل.. حتي سكان أراضيها لولا الكباري العديدة تصبح جزءا محاصرا بالمياه.. أو الصحراء.. تمتد بطول 125كليو مترا .. وبها 11 مركزا وبها 269 قرية وتعدادها يفوق ثلاثة ملايين نسمة لكن أراضيها الزراعية لا تزيد علي 290 ألف فدان .. بمتوسط لا يزيد علي واحد في المائة من سهم الأراضي الزراعية نصيبا للفرد .. وكثافة سكانية تصل إلي ثلاثة أفراد لكل متر مربع من الأراضي المأهولة .. فسوهاج لا تستثمر إلا عشرة في المائة فقط من أراضيها .. والباقي صحراء حولها والمتاح للاستصلاح بها لا يزيد علي أربعة آلاف فدان تروي بالآبار .. لهذا فمحافظة سوهاج صاحبة أكبر نسبة بطالة مسجلة في مكتب القوي العاملة حوالي 45 ألف نسمة من المتعلمين بالشهادات المختلفة .. ناهيك عن غير المسجل من العمالة الزراعية الأمية.. تحتل مراكز المنشأة وجرجا والبلينا.. صدارة أعدادها التي تصل 7 آلاف عاطل في جرجا وحدها!! وإذا أضيف لذلك.. ضيق أو ندرة المساحات المناسبة للتنمية الصناعية اللهم إلا مصنع سكر جرجا ومجمع صناعات بمنطقة الكوثر حول سوهاج.. لاتضح حجم خناق قلة فرص العمل في المحافظة.. لهذا كانت محافظة سوهاج وماتزال.. أكبر محافظة طاردة للسكان في مصر.. يسعون للرزق في مدن بحري كالقاهرة والجيزة.. ومدن المواني كالسويس وبورسعيد والإسكندرية بل ومطروح والكثير من مدن الوجه البحري.. لكن يجب أن نسجل لهم هنا.. أن ملوك التعمير حيثما حلوا في المدن.. لا يكلون من مشاق العمل.. ويصنعون تجمعات عمالية كبيرة، فهم يعملون في البناء والبترول والمواني.. وكثير منهم حققوا ثروات متميزة في مهجرهم الجديد.. وهم رواد التعمير في مدن الخليج.. الذين تحملوا قسوة حرارته المعروفة يقيمون كل مبانيه ومصانعه.. وصنعوا تجمعات هناك مشهود لها بالتكافل. لهذا تجد أبناء سوهاج هم ملوك الخضار في سوق العبور بالقاهرة.. ورجال البترول في السويس.. والميناء في الإسكندرية.. وهكذا.. وهم المصدر الأساسي لرعاية أسرهم وأهلهم في مدن المحافظة وقراها.. والسبب وراء التحديث الكبير في مباني القري وظهور الأجهزة الحديثة والعصرية بها.. وهو الأمر الذي يعيد تشكيل التركيب الاجتماعي في المحافظة القائمة عبر تاريخها علي أسر كبيرة ومستقرة لها أملاكها وأراضيها الزراعية.. ومزارعون بسطاء تركوا المحافظة من أجل لقمة العيش وحققوا تمايزا اقتصاديا جديدا.. والأمر اللافت للنظر في زيارة المحافظة وقراها.. أن نسبة التعليم تكاد تصل في الأجيال الجديدة إلي مائة في المائة وفي كافة المجالات والتخصصات.. كما أن نسبة الأمية حاليا في كل الأعمار لا تزيد علي 52٪ فقط وهي نسبة طيبة وفي طريقها للزوال. لكن قلة فرص العمل.. ولدت مشكلة دفينة.. تحتاج الاهتمام الشديد بها هي أن الأهالي قد علموا أولادهم ليرحموهم من عناء العمل الزراعي.. ونسبة غير قليلة منهم ترفض أن يعمل أولادهم المتعلمون في أي شيء منتظرين وظيفة تلائم دراستهم الجامعية خاصة.. أو فرصة عمل في مدن بحري أو الخارج.. وغير ذلك فهناك الانتظار والبطالة.. المزعجة التي وضعت الجميع أمام حقيقة غريبة وهي أن المتعلم تساوي مع الجاهل في عدم وجود فرصة عمل.. خاصة إذا ما أضطر المتعلم أن ينافس غير المتعلم في أي عمل يحقق لقمة عيش. وهي ظاهرة قابلتها في كل قري سوهاج.. وأعتقد أنها مؤشر خطر لابد من الاهتمام الشديد به.. حتي لانفاجأ بأحداث غريبة لا نتوقعها ونهرول كالعادة لحلها. ولابد أن أعترف أن هناك حركة من العمران والاتصال بالعصر قوية.. ودخول عالية لدي البعض.. حتي اختلفت معالم القري عما كانت عليه تقريبا منذ عشرين عاما.. بظهور البيوت الحديثة والدش والموبايل والكمبيوتر. ولم أستطع الضحك أمام صدق أحد الأهالي وهو يؤكد لي أن مايقرأه الناس في محافظة سوهاج من أحداث مفتعلة بخلاف المسلمين والنصاري.. أو حوادث ثأر والكلام ماهو إلا ناتج الحسد لما وصل إليه حال الناس من حكاوي السنوات الأخيرة. ولابد أن أعترف هنا.. وأتوقف.. أمام مشروع الكوثر بشرق سوهاج لإقامة مجمع صناعي إداري زراعي علي اقتحام ضخم لصحراء شرق سوهاج.. وقد زرته عام 3991 بدعوة من اللواء محمد حسن طنطاوي محافظ سوهاج الأسبق وصاحب السبق والحماس الشديد للمشروع.. ولم أتخيل في الزيارة الحالية أن يتم كل هذا العمران.. فقد أصبحت هناك دنيا جديدة عصرية.. ولم أستطع مقاومة الصعود إلي قرية الكوثر السياحية الواقعة علي رأس الضفة الشرقية بمسجدها الصغير المميز وشاليهات.. وهي علي ارتفاع 013 أمتار من سطح البحر.. وهي بداية لطريق سوهاجالغردقة بطول 003 كيلو متر وهو منفذ للمحافظة علي البحر الأحمر.. ويسمح لأول مرة للمحافظة بالتوسع شرقا في الصحراء.. وأراها بعين المستقبل.. مدنا جديدة وكبيرة بفرص عمل متعددة تخرج بالمحافظة من خناق الجبلين الشرقي والغربي إلي براح الكوثر.. لتكون أسما علي مسمي.. جنة المستقبل.