امتدت جرافة إسرائيلية علي الجانب الآخر من السور الفاصل للحدود مع لبنان لتقتلع شجرة لوضع إحدي كاميرات المراقبة تحت سمع وبصر قوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) ووحدات الجيش اللبناني لكن الأخيرة تحركت وأطلقت إشارات تحذيرية للجانب الآخر والذي قام بالرد بإطلاق نيران مدفعيته الثقيلة نحوها لتتحول منطقة الخط الأزرق لساحة معركة سقط فيها جنديان وصحفي لبنانيون وقتل قائد الكتيبة الإسرائيلية بنيران قناص لبناني وعدد من الجرحي علي الجانبين , المواجهة المحدودة كادت تنقلب إلي حرب بين الجانبين، المفاجأة جاءت في الرد من الجيش اللبناني وليس من حزب الله الذي كانت عناصره علي مقربة من المشهد، التحرش الإسرائيلي علي الحدود لم يكن الوحيد وإنما تعددت صوره من اختراق المجال الجوي اللبناني عشرات المرات إلي تسريب إسرائيلي لقرار اتهام ستوجهه المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري لأحد قياديي حزب الله بالمشاركة في الجريمة إلي التهديدات المستمرة باستهداف لبنان عسكريا تحت ذرائع شتي إلي المئات من العملاء الذين يعملون لصالحها ويتساقطون تباعا ومنهم أحد مساعدي القيادي البارز ميشيل عون، فهل نحن مقبلون علي خريف ساخن مع تصاعد المواجهة بين الغرب وإيران حول ملفها النووي والتهديدات باستهداف منشآتها النووية وكذلك حلفاؤها (سوريا وحزب الله وحماس) وإلي أين تمضي المنطقة في الأسابيع والشهور القادمة ؟ لبنان حالة عربية خاصة من كل الأوجه فهو علي صغر مساحته (10 آلاف كيلومتر) وعدد سكانه (يزيد علي 4 ملايين نسمة) إلا أنه يستقطب الاهتمام عربيا ودوليا حيث يضم 18 طائفة موزعة بين مسلمين ومسيحيين وهو يحكم سياسيا بصيغة التوافق والتعايش بين طوائفه ويعد لبنان من أكثر الشعوب العربية ممارسة وتمتعا بالحرية بصورها المختلفة لكنها محكومة أيضا بالانتماء الطائفي ويبرز السنة والشيعة والموارنة كأبرز اللاعبين علي الساحة السياسية، وعلي مدي 40 عاما عاني هذا البلد من حروب في الداخل ومن حدوده الجنوبية كان أبرزها الحرب الأهلية من منتصف السبعينيات وحتي بداية التسعينيات من القرن الماضي واجتياحه إسرائيليا أعوام78 و82 و93 و96 و2006 والدمار الواسع وعشرات الآلاف من القتلي والمجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في كافة المناطق وأبرزها قانا1 و2 فقد دفع لبنان ثمن وجوده علي خط التماس مع دولة ذات طبيعة عدوانية والتي تذرعت بوجود اللاجئين الفلسطينيين علي أرضه لاستهدافه، أما المشكلة الأخري التي أثرت في تاريخه الحديث فكانت الطائفية والصيغة التي وضعها الاستعمار الفرنسي في نهاية وجوده والتي كانت ولاتزال مدخلا للاستقطاب الإقليمي والدولي فعاش لبنان بين نار طائفيته وماجرتها من كوارث كان من أخطرها موجات الهجرة الضخمة للخارج هربا من جحيم الحرب الأهلية لكنهم لم يجدوا لها بديلا أو صيغة مقبولة لدي كل الأطراف، والتحرش الإسرائيلي المتواصل والذي لم يتوقف حتي يومنا هذا بهذا البلد المسالم وشعبه المحب للحياة وطبيعة أرضه وتاريخه الموغل في القدم والحضارات التي ظهرت وتلاشت وتركت آثارها هناك لاسلم ولاحرب هذه هي الحالة التي يعيشها شعب لبنان منذ عدة عقود فما يكاد يفيق من اجتياح إسرائيلي ويلملم شتات نفسه حتي يجد نفسه في أتون حرب جديدة وهذا ماحدث في الحرب الأخيرة في صيف عام 2006 والتي توقفت في يومها الرابع والثلاثين وفي السابق كانت الحروب التي شهدها لبنان غالبا ماتكون في غير صالحه وذلك لأنه لايملك جيشا قادرا علي الدفاع عن الأرض والبشر أو هكذا أريد له ولكن منذ بداية القرن الحالي بدأت الكفة تميل لصالحه مع ظهور عنصر المقاومة في الجنوب اللبناني علي يد حزب الله فقد أنهي الاحتلال الإسرائيلي وجوده في المنطقة عام 2000 تاركا عتاده وسجن الخيام بمعتقليه من اللبنانيين، وفي حربه الأخيرة التي كانت تهدف للقضاء علي المقاومة فشل لأكثر من شهر في تحقيق أهدافه وتعرض الداخل الإسرائيلي لقذائف المقاومة (4آلاف صاروخ) كما أن معلوماته الاستخباراتية كانت دون المستوي مما عرض قواته لخسائر فادحة قادت في النهاية للطلب من الحليف الاستراتيجي (أمريكا) وقف الحرب إنقاذا للجيش الذي (كان) لايقهر من الانهيار ومنذ ذلك التاريخ وإسرائيل تسعي بكل قوة لاستعادة هيبة وسمعة جيشها ,لكنها، تورطت مرة أخري في المزيد من الفشل في حربها علي غزة نهاية عام2008 وبداية العام الماضي والتي امتدت لثلاثة أسابيع وكررت إسرائيل نفس أخطائها وخرجت من تلك الحرب دون أن تحقق شيئا يذكر لكن خسائر السمعة كانت فادحة فقد حدث انقلاب في الرأي العام العالمي ضدها بسبب ممارساتها الوحشية واستهدافها المدنيين العزل بأسلحة محظورة دوليا وقتل الأبرياء بدم بارد وهو مارصده وسجله تقرير القاضي الدولي (جولدستون) الذي اختفي في ظروف غامضة ؟! ثم جاء الحادث الأخير بسبب اقتلاع وحدة إسرائيلية لشجرة في قرية (العديسة) علي خط الحدود واشتباك بين الجيش اللبناني وكتيبة إسرائيلية وسقوط قتلي وجرحي بين الطرفين ومسارعة إسرائيل بتقديم شكوي لمجلس الأمن الدولي وكاد الأمر يتطور لمعركة مفتوحة لولا لجوء الطرفين للتهدئة وجاء الرد مفاجأة للجانب الإسرائيلي وخاصة بعد سقوط قائد الكتيبة الإسرائيلية قتيلا برصاص قناص بالجيش اللبناني وهو يعني أن الجيش رغم قدراته المحدودة قياسا علي مايمتلكه الجيش الإسرائيلي أصبح جزءا من معادلة القوي ولابد من حساب وجوده وأن منظومة الدفاع عن لبنان لن تقتصرعلي حزب الله فقط وتكاملها هو مايزعج الجانب الآخر. كما حرصت إسرائيل طوال العقود الزمنية الماضية علي اختراق الجبهة الداخلية اللبنانية من خلال تجنيد العملاء ونشر شبكات التجسس ولكن منذ العام الماضي بدأت السلطات اللبنانية في تتبع هذه الشبكات ونجحت حتي الآن في القبض علي أكثر من مائة عميل وصدر الحكم علي ثلاثة منهم بالإعدام كان من أخطرهم ضباط كبار بالجيش اللبناني وعملاء شبكة المحمول(ألفا) ثم اكتشاف هز المجتمع اللبناني وهو القبض علي عميد متقاعد بالجيش اللبناني (فايز كرم) أحد أبرزمساعدي زعيم التيار الوطني الحر ميشيل عون أثناء محاولته الهرب ووجه الغرابة والصدمة في المسألة أنه كان يرأس في الجيش فرع مكافحة الإرهاب والتجسس !! كما كان عضو المكتب السياسي للتيار الوطني ومنسق نشاطه بالشمال ورافق عون في باريس لأكثر من عشر سنوات وعاد معه بينما مارس نشاطه كعميل لدي الموساد منذ الثمانينات من القرن الماضي وقد اعترف بالتهم الموجهة له وكان كرم من الوجوه المعروفة في الشارع السياسي وسبق أن رشح نفسه في انتخابات عام 2005 ولكنه فشل رغم حصوله علي قرابة 20 ألف صوت. أزمة اغتيال الحريري منذ اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الراحل في فبراير عام 2005 فإن ملف القضية لايزال مفتوحا و الفاعل مجهولا فبعد اتهام سوريا بالجريمة وسحبها لقواتها من لبنان نتيجة الضغوط الدولية كما تم اتهام أربعة من كبار القيادات الأمنية والعسكرية بناء علي إفادات من شهود زور والإفراج عنهم بعد أربعة أعوام من الاحتجاز، وتم إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان بقرار دولي عام 2007 للتحقيق في جريمة اغتيال الحريري والجرائم الأخري في الفترة بين عامي 2005 2007 -وتولي الادعاء العام فيها القاضيان (براميرتس ثم بيلمار) ويرأسها القاضي الإيطالي (أنطونيو كاسيزي) وقد بدأت المحكمة أعمالها رسميا في مارس2009 ومنذ انطلاق عملها كثرت التسريبات لوسائل الإعلام عن الجهات التي يمكن أن تكون وراء الاغتيال وكان أغلبها موجها لحزب الله وجاء التسريب الأخير ليحدث أزمة كبيرة في لبنان حيث تسرب أن هناك قرار اتهام سيوجه للقيادي في حزب الله (مصطفي بدر الدين) مما سيقود لاتهام الحزب وحسن نصر الله بالوقوف وراء الجريمة وقد يقود لفتنة مذهبية بين السنة والشيعة وسارع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لزيارة دمشق واصطحب الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة بيروت لطمأنة اللبنانيين وتهدئة الأجواء وجاء خطاب نصر الله الأخير ليفجر مفاجأة بتوجيهه الاتهام لإسرائيل باغتيال الحريري وأنه يملك وثائق وأسانيد سوف يكشفها في منتصف الأسبوع الحالي وسوف تصدرالمحكمة قرار الاتهام الخريف المقبل ولكن مع طرح نصر الله لمعلومات جديدة ربما تفتح المحكمة تحقيقات حولها . وهكذا تتوالي أزمات لبنان بين سلام لايدوم بمثابة فاصل بين الحروب وأجواء سياسية مشتعلة بسبب الطائفية السياسية التي لايستطيعون سوي التكيف معها إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا إلي جانب الاستقطاب الإقليمي والدولي من إيران إلي سوريا إلي أمريكا وفرنسا ليظل هذا البلد في دوامة أزمات لن تنتهي.