لحظة إطلاق الرصاص نحو عبد الناصر وظن أنه أصيب فى مقتل المناضل أحمد حسين في مذكراته: عودة كان سجينا قبل وقوع حادثة المنشية بأسابيع قليلة عبد الناصر قال لي في أسباب إعدام عودة: لم ننظر للأمر من الناحية القانونية.. بل نظرنا إليه من الناحية السياسية عبدالقادر عودة كان قاضيا وفقيها دستوريا وعضوا بلجنة إعداد الدستور المصري.. وانتدبته ليبيا لوضع الدستور الليبي عودة نصح عبدالناصر بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان مخافة أن يتهور شاب منهم ويقوم بعمل من أعمال الاعتداء فقال عبدالناصر: أنا مستعد للتضحية بسبعة ملايين إذا كان الإخوان سبعة ملايين! في مذكراته التي نشرها بجريدة الشعب عام 1982م.. تحدث المناضل الوطني أحمد حسين عن عبدالقادر عودة أحد قادة الإخوان المسلمين والذي أعدم ظلما لتصفية حسابات سياسية بين جمال عبدالناصر والإخوان، وشخصية بينه وبين عبدالقادر عودة، ذلك المتهم البريء والقتيل المظلوم.. ويأتي هذا علي لسان عبد الناصر اعترافا صريحا واضحا. عبدالناصر مع قيادات الإخوان قبل حادثة المنشية.. وفي الصورة عبد القادر عودة (الثالث إلي يسار ه) يقول أحمد حسين في مذكراته: (نحن الآن في عام 1954، أفرج عني وتنازلت عن القضية، ولكنني ظللت مجروحا، فلم يحدث في كل تاريخي النضالي أن أهنت واعتدي عليّ كما أعتدي عليّ في ظل الثورة.. ووقعت الواقعة: أطلق الرصاص في ميدان المنشية علي جمال عبدالناصر، وكان الضارب يدعي محمود عبد اللطيف من الإخوان المسلمين.. وعلي الرغم من أن عبدالناصر نجا فقد ظن أنه أصيب في مقتل، وراح يثرثر بكلام فارغ يكشف عما في عقله الباطن، فراح يخاطب الشعب بقوله: غرست فيكم العزة والكرامة. واستغل هذا الحادث للبطش بالإخوان المسلمين، وتألفت محكمة خاصة لمحاكمتهم، وقضت علي زعمائهم بعقوبات قاسية، وعلي الرغم من أن أحدا منهم وهو عبدالقادر عودة كان مسجونا قبل وقوع الحادث فلم ينج من عقوبة الإعدام! وفزعت من هول المحاكمة، ومن فظاعة أحكامها، وأدركت أننا أصبحنا نعيش في ظل عهد جديد، حيث لا قانون ولا حدود، وإنما إرادة الحاكم ومطلق مشيئته، فقررت أن أهاجر من مصر، وإذا كان الوقت هو موسم العمرة، فقد قررت أن أسافر إلي السعودية، طلبا للعمرة، ومن السعودية أختار البلد الذي أتوجه إليه، وإمعانا في التمويه والتعمية طلبت مقابلة عبدالناصر لأستاذنه في السفر، وبالرغم من أنني كنت مقررا ألا أتحدث في غير التحيات والسلامات والمجاملات العادية، فقد كان هو الذي دفعني للكلام، حيث لم أتمالك نفسي عن نقده. ما رأيك في الإخوان سألني: وما رأيك في الإخوان المسلمين؟ - قلت : إنك تعرف رأيي أقصد الموقف الأخير ووجدتني أندفع بلا وعي أندد بإعدام عبدالقادر عودة.. لقد كان باستطاعتك أن توفر 05٪ من النقد الذي وجهه إليك لو وفرت حياة إنسان واحد. وأسرع يقول: تقصد عبدالقادر عودة؟ - قلت : نعم، فإن عبدالقادر عودة بريء من الحادث الذي وقع عليك، كما أنه بريء من أعمال العنف. ومضيت أترافع في حماسة: هناك ثلاثة أدلة يكفي كل واحد منها لتبرئة عبدالقادر عودة، وقد ثبتت كلها أمام المحكمة: الأول: أنه كان سجينا قبل وقوع الحادث بعدة أسابيع. الثاني : أنه اقترح من بعض الأعضاء القيام بمظاهرة مسلحة، فأنكر عبدالقادر عودة هذا الاقتراح بشدة. الثالث: أن البعض اقترح القيام بمظاهرة سلمية فرفض عبدالقادر عودة القيام بأية مظاهرة. وأصغي جمال عبدالناصر لمرافعتي ثم قال: والله يا أحمد نحن لم ننظر للأمر من الناحية القانونية، بل نظرنا إليه من الناحية السياسية. ويختتم المناضل أحمد حسين شهادته قائلا: غادرت مصر إلي السعودية وأنا لا أكاد أصدق أنني هربت من الجحيم الذي أصبح الأبرياء فيه يعدمون لأسباب سياسية. وحتي تكتمل تفاصيل الصورة أمام القارئ.. فسوف نقدم تعريفا بسيطا بالرجل الذي أعدمه عبدالناصر ظلما وعدوانا.. وهو كما قال بنص كلماته: لم ننظر للأمر من الناحية القانونية، بل نظرنا إليه من الناحية السياسية. ومن المؤكد أن هذا الاعتراف ينسحب منطقيا علي بقية الدعاة الذين علقوا علي أعواد المشانق أو غيبوا بين جدران السجون، ولم تكن هناك جريمة ارتكبوها يعاقب عليها القانون أو التشريع، وإنما هي كما قال كبيرهم (أسباب سياسية) كان غرضها استئصال الدعوة والدعاة. ونعود إلي عبد القادر عودة (4091 - 4591) فقد كان قاضيا وفقيها دستوريا.. التحق بوظائف النيابة ثم القضاء، وكانت له مواقف مثالية.. وفي عام 4591 استقال من منصبه الكبير في القضاء وانقطع للعمل في الدعوة، مستعيضا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة.. وفي مدة قليلة بلغ أرفع مكانة بين أقرانه المحامين. وعين في عهد اللواء محمد نجيب عضوا في لجنة الدستور المصري، وكان له فيها مواقف لامعة في الدفاع عن الحريات، ومحاولة إقامة الدستور علي أسس واضحة من أصول الإسلام وتعاليم القرآن. وفي عام 3591 انتدبته الحكومة الليبية لوضع الدستور الليبي. وقد تم إعدامه بعد اتهام جماعة الإخوان المسلمين ومعارضي حكم جمال عبدالناصر ومحاكمتهم أمام محكمة عسكرية استثنئاية بقيادة قائد الجناح جمال سالم والتي أصدرت أحكاما بإعدامه مع عدد آخر من قيادات الإخوان المسلمين وهم: الشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب المحامي، وهنداوي دوير المحامي، ومحمود عبداللطيف. وتم إعدامهم في 7 ديسمبر 4591، بخلاف من قتلوا من جراء التعذيب خلال الفترة من 62 أكتوبر 4591 حتي عام 5691. وتلا ذلك محاكمة عدد آخر من زعماء الإخوان المسلمين في عام 6691، وعلي رأسهم سيد قطب حيث قضت المحكمة العسكرية بقيادة الفريق الدجوي بإعدامه مع كل من يوسف هواش وعبدالفتاح إسماعيل (إخوان مسلمون). نصيحة عودة لعبد الناصر في 82 فبراير عام 4591م قامت مظاهرة أمام قصر عابدين، لتهنئة محمد نجيب بعودته لرئاسة الجمهورية، حين ارتفعت هتافات واحدة، ورفعت المصاحف: (لا شرقية ولا غربية.. إسلامية إسلامية.. إسلامية قرآنية).. ثم ارتفع صوته بخطاب ملتهب أشار فيه إلي تصدي قوات من الجيش لطلاب جامعة القاهرة وطلاب مدارس الجيزة، وإطلاق الرصاص عليهم وسقوط عدد من الشهداء، فكان جزاء الشهيد عبدالقار عودة أن ألقي القبض عليه وعلي عمر التلمساني بعد خمسة أيام من هذه المظاهرة، ووجهت له تهمة العمل علي قلب نظام الحكم في مظاهرة 82 فبراير. نصح عبد القادر عودة جمال عبد الناصر عام 4591م بضرورة إلغاء قرار حل جماعة الإخوان، مخافة أن يتهور شاب منهم في حالة غيظ واندفاع فيقوم بعمل من أعمال الاعتداء بعيدا عن مشاورة قادة الحركة، أجاب جمال عبدالناصر: (كم عدد الإخوان؟ مليونان ، ثلاثة ملايين.. إنني مستغن عن ثلث الأمة، ومستعد للتضحية بسبعة ملايين إذا كان الإخوان سبعة ملايين)، وهنا غلب الذهول الشهيد عودة، وقال في ثورة: (سبعة ملايين ثمنا لحياة فرد.. ما أغناك عن هذا يا جمال!« وكان هذا الموقف من الأسباب التي دفعت إلي المصادقة علي حكم الإعدام. ومن الأسباب كذلك أن عبدالقادر عودة كان قد وقف موقفا وطنيا خالدا حين عمد الضباط إلي اتخاذ قرار بعزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية، فأقدم علي استلام الراية وابتدر قيادة الحركة، ونظم عشرات الآلاف من الجماهير في مظاهرة لم يشهدها تاريخ مصر كله، وهو ما أرغم الضباط والوزراء علي الرضوخ لإرادة الشعب وإعادة اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية المصرية، ومن هذا اليوم أيضا تقرر انتهاز الفرص للحكم علي عبدالقادر عودة بالموت. ومن الأسباب كذلك أن عبد الناصر أقدم علي توقيع معاهدة مع الإنجليز، فطلب مكتب الإرشاد من الفقيه القانوني عبدالقادر عودة أن يتناول الاتقاقية تناولا قانونيا، بعيدا عن أسلوب التعامل والتشهير، فجاءت الدراسة التي سلمت إلي السلطات المصرية في ذلك الوقت، دراسة قانونية تبرز للعيان ماتجره الاتفاقية علي البلاد من استبقاء الاحتلال البريطاني مقنعا، مع إعطائه صفة الاعتراف الشرعية، فضلا عما يجره علي مصر والبلاد العربية من ويلات الحروب دفاعا عن مصالح الإنجليز والأمريكان كما وضح في الدراسة، وبذلك ازداد الحكم رغبة في الانتقام من عبدالقادر عودة. ويوم الخميس الواقع 9 ديسمبر عام 4591م كان موعد تنفيذ حكم الإعدام علي عبدالقادر عودة وإخوانه الخمسة.. وتقدم عودة إلي منصة الإعدام وهو يقول: (ماذا يهمني أين أموت، أكان ذلك علي فراشي، أو في ساحة القتال.. أسيرا أو حرا.. إنني ذاهب إلي لقاء الله، ثم توجه إلي الحاضرين وقال لهم: (أشكر الله الذي منحني الشهادة.. إن دمي سينفجر علي الثورة، وسيكون لعنة عليها).