ساعات قليلة كانت تفصل بين كتابة هذه السطور، وانطلاق مظاهرات 30 يونيو، التي دعا لها عدد من الأحزاب والقوي السياسية لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.انقسمت مصر إلي ميدانين.. في رابعة العدوية، كان المؤيدون المدافعون عن الشرعية، يهتفون للرئيس، يطالبون باستمراره في منصبه، ويؤكدون أنه الأفضل لقيادة مصر الثورة، وأن رحيله يعني ضياع مصر، التي لن تشهد أبداً مجيء رئيس يرضي عنه الجميع، ويستطيع استكمال مدته الرئاسية. وفي التحرير - استعداداً للانطلاق نحو الاتحادية-، وقف المعارضون الرافضون لاستكمال الرئيس مدة حكمه، والمطالبون برحيل جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها السياسي، الحرية والعدالة، يهتفون من جديد "الشعب يريد إسقاط النظام"، مؤكدين أن الرئيس مرسي فشل في إدارة شئون البلاد، ولم ينجح في تنفيذ أي من وعوده التي قطعها علي نفسه أثناء الانتخابات الرئاسية. بين الميدانين توقفت الحياة، انتشر الخوف والرعب بين الجميع، ذكري 28 يناير الأليم، لا زالت عالقة بالأذهان، صور الضحايا والشهداء، والبلطجية الذين روعوا الآمنين تمر في بال الجميع، العنف هذه المرة لن يكون من طرف ظالم وآخر مظلوم، فالعنف ضحاياه من الجانبين كلاهما ظالم ومظلوم في نفس الوقت. الرهان بات بين سيناريوهين، الأول يقضي بإحياء ثورة 25 يناير مجدداً بشكل سلمي، للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والثاني يؤكد أن المعركة ستنتهي باقتتال أهلي ينتج عنه بحر من الدماء بين فصيل التيار الإسلامي، وشباب القوي السياسية المطالبة برحيل الرئيس عن الحكم. اندلعت أعمال العنف والفوضي مبكراً، فكسا اللون الأحمر ميدان سيدي جابر بالإسكندرية، وسقط عدد من الضحايا بين قتلي ومصابين، قدرتهم وزارة الصحة في بيان رسمي لها، قبل ساعات من كتابة هذه السطور، ب317 مصاباً و5 شهداء. أعلنت منصة رابعة العدوية (المؤيدة)، الدخول في اعتصام مفتوح بمحيط مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، مؤكدة استمرار دعمها للشرعية، ونبذ العنف، ونظم المتظاهرون، لجاناً شعبية لتأمين مداخل ومخارج الميدان، وارتدوا الخوذ وحملوا العصي والدروع الحديدية. ونظم عدد من المتظاهرين استعراضات رياضية، واصطفوا عند بوابة الدخول للمظاهرة، مرددين هتافات »حرية وعدالة.. مرسي وراه رجالة«. وفي التحرير، أعلن تكتل القوي الثورية، عن بداية الاعتصام في ميدان التحرير ومحافظات الغربية والشرقية والفيوم وكفر الشيخ والإسكندرية والدقهلية تمهيداً لمسيرة التكتل الضخمة التي ستتجه من ميدان التحرير إلي قصر الاتحادية. وأشار تكتل القوي الثورية، إلي أن المسيرات التي نظمها قبل انطلاق مسيرة 30 يونيو، ب48 ساعة (الجمعة 28 يونيو)، شهدت اعتداءات من جماعة الإخوان المسلمين، معلناً أنه ملتزم بالسلمية حتي تحقيق أهداف الثورة ومطالبها. أدركت وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، خطورة الموقف جيداً، وأبدت تخوفاً من وقوع مصادمات دموية ما بين المتظاهرين الذين يقفون علي طرفي خط التماس المنشق سياسياً. أصدرت وزارة الأوقاف، فتويين شرعيتين في يومين متتاليين متزامنة مع بدء العد التنازلي خلال ساعاته الأخيرة لفعاليات 30 يونيو، وبدء التوافد علي ميادين الثورة، وبعد محاولة غير ناجحة من قبل وزارة الأوقاف بالتحاور مع القوي السياسية منذ أيام، أكدت تحريم قطع الطرق وإغلاق المحال، وتعطيل مصالح الناس، واعتبرت ذلك جريمة شرعية. وأصدر رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، الدكتور عبده مقلد، فتوي شرعية، بتحريم، وتجريم تعطيل مصالح الناس، وإغلاق المحلات، والأسواق، باسم حرية التعبير، مؤكداً أن الأمر يدخل في باب الجريمة، ومحرم شرعاً وقانوناً، ويتحمل وزرها كل من شارك فيها. ودعا مقلد، المواطنين جميعاً إلي تحكيم العقل وتغليب مصلحة الوطن علي أي مصالح أخري، وأن يكونوا دعامة لحفظ أمنه وسلامته، وحماية ممتلكاته العامة والخاصة، لأنها ملك لجميع المصريين. وأوضح، أن حرية التعبير حق كفله الإسلام، والرسالات الإلهية، وكافة المواثيق، والأعراف الدولية، ولا يمكن مصادرة هذا الحق طالما التزم بالضوابط السلمية، ولم يعتد علي حق الآخر في التعبير عن رأيه واحترام حقه في الاختلاف، فلا يجوز شرعاً أو عرفاً أو قانوناً الاعتداء علي الآخر بالقول أو الفعل. ووجه رئيس القطاع الديني بالأوقاف، الدعاة وخطباء المساجد إلي تحمل مسئوليتهم في جمع الشمل وفتح القلوب، لأنهم أمناء علي الوطن، ولابد أن يكونوا أوتاداً للحفاظ علي سلامته. بينما أصدر وكيل وزارة الأوقاف للدعوة، الدكتور جمال عبدالستار، فتوي ملاحقة لسابقتها التي أصدرها مقلد، تؤكد أن العنف والترويع والإحراق ليست من أعمال الخلاف في الرأي أو الخلاف الفكري أو السياسي، وليست من حب الوطن في شيء، بل جريمة شرعية وقانونية ليس لها ما يبررها. وأكد عبدالستار، أهمية حرية التعبير وحرصه عليها من باب كفالة الإسلام لها، موضحاً أن الإنسان هو أغلي قيمة علي وجه الأرض، لأنه بنيان الله وويل لمن هدمه، وناشد الدعاة أن يقوموا بواجبهم لحفظ الأمن والسلم الاجتماعي، بأن يحثوا المصريين علي التوحد والابتعاد عن المصالح الحزبية والفئوية لنبني وننتج، مشدداً علي أن مصر ستظل في حماية الله ولن تسقط أبداً. وعلي خطي وزارة الأوقاف سارت دار الإفتاء المصرية، لتدارك ما يمكن الخشية منه مع التعبئة والحشد في الميادين ما بين التحرير، ورابعة العدوية، من أسوان إلي الإسكندرية المشتعلة مروراً ببقية المحافظات، حيث أكدت دار الإفتاء أن حمل السلاح في التظاهرات السلمية، أياً كان نوعه، حرام شرعاً، ويوقع حامله في إثم عظيم، لأن فيه مظنة القتل وإهلاك الأنفس التي توعد الله فاعلها بأعظم العقوبة، وأغلظها في كتابه الكريم، حيث قالت الدار، "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "، وقال رسول الله ([) سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". وأكدت الدار، في بيان لها قبل ساعات من اندلاع المظاهرات، هو الثاني بعد بيانها علي حرمة الدم المصري كله، مشددة علي رفضها التام للعنف بكل أشكاله، الذي أدي إلي إراقة دماء الأبرياء علي اختلاف انتماءاتهم، كما استنكرت أيضاً الاعتداء علي المساجد، والمنازل، والممتلكات العامة، والخاصة، في اليومين السابقين. من جانبه، دعا أستاذ العلوم السياسية، بجامعة القاهرة، الدكتور معتز بالله عبدالفتاح، كل قادة الرأي، والفكر، والسياسة في مصر، مسلمين ومسيحيين، إسلاميين وليبراليين، لعدم التشفي في الآخر، مؤكداً أن إدانة العنف بكل أشكاله واجب وطني. بينما اعتبر رئيس حزب مصر الحرية، الدكتور عمرو حمزاوي، أن مقتل 3 وإصابة أكثر من 450 في محافظات مختلفة، كان بمثابة مقدمات كارثية لاقتتال أهلي حذرت منه دوماً وينبغي رفضه ومواجهته، لأن كل الدم المصري حرام. وقال حمزاوي: "لا يوجد دم إخواني، وآخر معارض ومتمرد، فقط دم مصري"، مشدداً علي ضرورة نبذ العنف، ومؤكداً علي أن السلمية مسئولية وطنية وإنسانية". أضاف حمزاوي: "لا يمكن لباحث عن التغيير والأمل في الديمقراطية أن يتورط في ممارسة العنف والبلطجة، كما يحدث الآن في أكثر من محافظة". تابع: "امتنعت عن المشاركة في فعاليات 30 يونيو لدرء العنف والفتنة وللحيلولة دون وقوع اشتباكات ومواجهات بين مؤيدين ومعارضين". وطالب حمزاوي، كل من يطالب بالانتخابات الرئاسية المبكرة بالابتعاد عن العنف، وكل متظاهر سلمي الابتعاد عن دوائر العنف ولفظ البلطجية بعيداً. وقبل ساعات قليلة، من اندلاع أحداث 30 يونيو، كرر حزب الحرية والعدالة دعوته إلي قوي المعارضة بالمشاركة في العملية السياسية، وخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، بدلاً من التحالف مع المخربين، والبلطجية، وأعضاء الحزب الوطني المنحل ورموز النظام البائد. وطالب الحزب، الأجهزة الأمنية بالوقوف عند مسئولياتها الوطنية في حماية الأرواح، والممتلكات الخاصة، وفقاً لما كفله ونص عليه الدستور والقانون. بينما نعي حزب مصر الحرية، كل شهداء أحداث العنف في مدن مصر المختلفة، وأكد علي حرمة الدم المصري كله، قال في بيان له: "كما أكدنا في كل المرات السابقة عن رفضنا الكامل للعنف بكافة أشكاله، وعن إدانتنا الكاملة لسقوط مواطنين مصريين قتلي ومصابين أياً كانت انتماءاتهم في اليومين السابقين، نطالب أجهزة الأمن بالبحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة وبحماية أرواح كافة المواطنين المصريين". أضاف الحزب، إن العنف لم ولن يكون أداة للثوار، كما يروج البعض، والحزب لن يقبل أن يحيد به أحد عن مسار السلمية بل يدعو جماهير الشعب المصري للنزول والاحتشاد بكثافة، وبصورة سلمية لمنع من تسول له نفسه أن يجر البلاد لأحداث فوضي أو عنف، فالسلمية هي سلاحنا الأكيد في انتصارنا من أجل الديمقراطية. بينما استنكر التيار الشعبي، إحراق بعض مقرات الإخوان المسلمين والحرية والعدالة، كما استنكر أي لجوء للعنف، وطالب بالتحقيق الفوري مع المتسببين في هذه الحوادث.