د. السيد فليفل الدكتور السيد علي فليفل عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية السابق، يعد واحدا من أبرز الخبراء في شئون القارة السمراء، ويصبح الحديث معه غاية في الأهمية في هذا التوقيت الذي بادرت فيه أثيوبيا بتشييد سد النهضة الذي يتوقع أن يؤثر سلبا علي حصة مصر المائية من نهر النيل. وفي حواره مع »آخر ساعة« يؤكد فليفل أن أثيوبيا ملزمة بما وقعته من اتفاقيات ومعاهدات دولية علي الحفاظ علي حقوق مصر المائية، وحال إصرار أديس أبابا علي تشييد هذا السد دون مراعاة المعايير الدولية سيضعها تحت طائلة القانون الدولي، مشيرا إلي أن مشكلة سد النهضة سياسية وليست فنية، مايستلزم من الجانب المصري مزيدا من التعاون مع دول حوض النيل في الفترة القادمة. هل قضية سد النهضة تعد اختزالا لقضية مياه النيل؟ - طبعا.. ويجب الحديث عن التعاون الإقليمي ودول حوض النيل أولا، ثم تأثير سد النهضة عليه. هل توجد خطايا للنظام السابق تسببت في هذه الأزمة؟ - لا خطايا للنظام السابق، بل لا يوجد أحد خان الأمن القومي المصري، إنما يوجد إهمال مسبب، وهو أن محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 أدت إلي تقاعسه عن المشاركة في القمة الأفريقية، وتدني أدائه وقتها، وهو ما أثر بطبيعة الحال علي أداء السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا. معني ذلك أن الدولة المصرية لم تقم بدورها ؟ - حتي نكون منصفين مصر لم تقصر في دورها تجاه أفريقيا، بل في نفس هذه الفترة كانت تقوم مصر بتطهير البحيرات العظمي، وكانت تعمل علي منع غرق القري في أوغندا، بالإضافة إلي عمليات تنمية واسعة النطاق في جنوب السودان تتمثل في إنشاء محطات كهرباء ومحطات مياه وتقديم خدمات في مجال الطرق والإضاءة في الشوارع.. وفي نهاية الأمر مبارك أخطأ في حق أفريقيا وأثيوبيا أخطأت في حق مبارك . إذن أين هو لب المشكلة ؟ - لب المشكلة يأتي من تكريس النظر إلي أزمة العلاقات الخاصة بسد النهضة، وهذه العلاقات ينبغي أن توجه لفرص التكامل والتعاون في دول حوض النيل وخاصة فيما يتعلق بالمياه والكهرباء. هل تريد أثيوبيا لعب أدوار علي المستوي الإقليمي في منطقة حوض النيل؟ - أثيوبيا لديها طموح كبير في أن تصل إلي توليد طاقة كهربائية عملاقة تصدرها إلي دول الجوار، لكن الحقائق العلمية تؤكد أن هذا أكبر من قدرتها، فهي ودول الجوار جميعا لا يتحملون استيعاب أكثر من ألفي ميجاوات، وسد النهضة سينتج 5 آلاف ميجا وات. إذن تري أن مصر يمكن أن تشارك في بناء سد النهضة؟ - تاريخنا مع أثيوبيا كان المشاركة في المشروعات التي تنشئها أثيوبيا وأوغندا، مقابل مراعاة أثيوبيا القواعد الأربع التي وقعت عليها في اتفاقية 1902 وهي ألا تؤثر عمليات توليد الطاقة علي كمية المياه التي تأتي إلي مصر والسودان، وعلي نوعيتها، وسرعة تدفقها وتوقيت التدفق. كيف تفسر قرار بناء سد النهضة برغم وجود عدة اتفاقيات؟ - أثيوبيا وقعت علي اتفاقية 1902 و1930 واتفاقيات أخري كثيرة، وغير صحيح حجة أنها اتفاقيات استعمارية، لأن أثيوبيا وقتها كانت دولة مستقلة، ومصر هي التي كانت محتلة، ولم تكن طرفا في الاتفاقية. هل تأخرت مصر في حل هذه المشكلة؟ - لا يجب أن نلوم أنفسنا أو نلوم حكوماتنا، الوضع القانوني كما هو والاتفاقيات كما هي منذ عام 1930 ومع نفس حكومة رئيس الوزراء الراحل زيناوي، لكن الطرف الأثيوبي تغير موقفه.. لدي أثيوبيا أيضا 13 نهرا ومن الممكن أن تنشيء سدودا أخري، أما إذا أصرت علي قطع النهر الوحيد القادم إلينا، الذي لا نملك سواه من موارد مائية كالأمطار في الصومال وكينيا ستكون بذلك أثيوبيا قد خالفت القوانين الدولية. هناك اعتراض من أثيوبيا علي اتفاقية 1959 وبناء السد العالي ؟ - مصر عندما قامت ببناء السد العالي لم تضر طرفا آخر، لأنه لا يوجد طرف بعد مصر ترتد إليه المياه، فالضرر يأتي من دول المنبع، كما أنها اتفقت مع السودان وقامت بتعويضها لأنها الطرف الوحيد الذي ارتدت إليه مياه بحيرة ناصر.. أيضا بناء السد جاء لإيقاف خطر الفيضان، وإنقاذ الريف المصري من الغرق ومن أمراض ما بعد الفيضان »الملاريا والكوليرا والبراجلا«، وتسبب كل ذلك في موت 400 ألف مواطن مصري، وأعتقد أن أثيوبيا لن تكون سعيدة بغرق الشعب المصري.. وأخيرا العكس هو الصحيح في حالة سد النهضة، لأن بناءه سيتسبب في عجز 12 مليار متر3 من الماء وبوار نحو 3 ملايين فدان أرض زراعية ثم الإضرار ب 20 مليون مواطن مصري، والقانون الدولي سيحاسب أثيوبيا. لكن هناك آراء تقول إن تحكيم القانون الدولي ربما لن يأتي لصالح مصر؟ - هذا كلام غير صحيح، ومن يقوله لا يعرف ما هو القانون الدولي، أثيوبيا وقعت علي اتفاقية 1902، وبما أنها تحترم الحدود الأثيوبية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وتعتبرها مقدسة، فعليها إدراك أن المياه المصرية أيضا مقدسة، وأنه ليس من حقها اختيار وانتقاء بعض مواد الاتفاقية التي تتماشي مع مصالحها وتترك التي لا تتماشي مع مصالحها، وأخيرا القانون الدولي لا يسمح لأي دولة بإنشاء سد قبل أن تخطر الطرف المتضرر، وأثيوبيا لا تمتلك حجم التعويضات التي سيجبرها عليها القانون الدولي في حالة إصرارها علي البناء. كيف يمكن لأثيوبيا أن تقدر ذلك؟ - بالحوار العلمي تستطيع الهيئات الهندسية المصرية والأثيوبية إقرار وربط مشروع سد النهضة بمشروعات أخري علي الأنهار الأخري، هذا فقط يعوض نقص حصة مصر من المياه البالغ كميتها 5 مليار متر مكعب. تم وضع حجر الأساس لسد النهضة في 2 أبريل 2011، هل لتغيير النظام السياسي أو القيادة السياسية في مصر تأثير في هذا القرار الأثيوبي؟ - بالطبع هذا التغيير له تأثير لأنه تسبب في فوضي وعدم استقرار واحتقان علي المستوي الداخلي، وعدم تفرغ للشأن الخارجي، وهو ما جعل مصر مطمعا لكثير من الدول، وإلا ما وجدنا أثيوبيا تصنع ما صنعت بهذه السرعة. بشهادة الخبراء الدوليين اللجنة الثلاثية لا توجد لديها دراسات كافية لإقامة السد العملاق، وبرغم أنها غير ملزمة إلا أنها عززت احتمالية انهيار السد؟ - سد النهضة من الناحية الفنية مشروع ضعيف الإمكانيات، قصير العمر طبقا لدراسات خبراء وعلماء الجيولوجيا والسدود والتربة، الذين أكدوا أيضا أن الضرر لن يلحق بمصر فقط بل بجميع أهالي منطقة السد. أيضا من داخل أثيوبيا هناك من يعترضون علي بنائه، ويكشفون أنه سيدمر شعب "بني شنجول" بأكمله البالغ تعداده 4 ملايين نسمة. ما هي حقيقة الضرر الذي سيقع علي السودان؟ - خبراء الهندسة أكدوا في حالة انهيار السد، والماء القادم من السدود الأخري، 100 مليار متر مكعب ماء قادمة لإغراق السودان. هل تري تعديلا في الموقف الأثيوبي بعد زيارة وزير الخارجية المصري لأثيوبيا؟ - وزير الخارجية المصري نجح في استيعاب وإيقاف الحرب الكلامية التي جرت، ونجح في التوجه إلي التفاوض، ثم إعطاء الأولوية والمسئولية الكاملة للفنيين.. ويبقي علي الأطراف الثلاثة مصر وأثيوبيا والسودان التوافق حول مستوي التخزين المائي لبحيرة السد وتوليد الكهرباء بشرط أن يتحقق ذلك بدون منع أثيوبيا من التنمية وأيضا بدون الإضرار بمصر والسودان، ولا يوجد أمامنا الآن سوي أن يحقق هؤلاء الفنيون إنجازا في القضية الكبري المتعلقة بأمان السد واحتمالات انهياره.. وبهذا بارك الله لهم في السد وبارك لنا في الماء، ونحيا جميعا أشقاء. ما هو توصيفك لأزمة مياه النيل حاليا، هل هي أزمة سياسية أم فنية، وكيف يمكن التعامل معها؟ - هي مشكلة سياسية، ولكن قبول أثيوبيا بحل المشكلة فنيا وبعيدا عن التحكم السياسي، جعلها مشكلة فنية والتوافق الفني حتما سيؤدي الي التوافق السياسي. من وجهة نظرك ماذا نحتاج بعد ذلك؟ - نحتاج إلي أن نتفق علي برامج تكامل واسعة النطاق، وعلي مشاريع عملاقة للبنية الأساسية، وعلي تنفيذ المشاريع المقترحة في الاتحاد الأفريقي للطرق العابرة للقارات، وبالتالي ستصبح لدينا حالة اعتماد متبادل بين دول حوض النيل، تستفيد مصر بشراء البن من أثيوبيا والشاي من كينيا وتستفيد هذه الدول من قدرات مصر في مجال التشييد والبناء والسدود والكهرباء، وفي الصحة نستطيع أن نسد عجز وجود أطباء بها.. وأخيرا ستستفيد الدول العربية وأوروبا أيضا من هذه الخبرات، ونكون بذلك حققنا للقارة الأفريقية شيئا مناظرا لما حققه الأوروبيون للوحدة الأوروبية، وعلينا أن نستفيد من تجارب أمريكا الشمالية، والدول الآسيوية. هناك تقرير أعدته كلية الهندسة أثبت خطورة التصميمات الإنشائية للسد وأن الحل الوحيد للمشكلة هو إيقاف بنائه، وإذا اضطررنا يجب ألا تزيد سعته علي 14 مليار متر مكعب؟ إذا تم بناء المشروع لتوليد الطاقة، وعند حد لا يزيد عن 14.5 مليار فلا ضرر ولا ضرار، لكن القضية ليست سد النهضة، القضية تكمن في ضرورة توقيع اتفاق مع الإخوة في أثيوبيا بشأن كافة السدود، بشرط أن يلتزم هذا الاتفاق بالقواعد التي أقرها القانون الدولي، وعلي رأسها الحق في زيادة الحصة مع زيادة السكان، والحق في عدم الإضرار بأهل مصر، والحق في ورود المياه في التوقيتات الملائمة للزراعة، وإلا ستعجز مصر عن توفير مواردها الأساسية . لكن هناك دول كبري تساند أثيوبيا؟ - لا توجد دول ولكن توجد شركات، وإذا كان هذا صحيحا فمصر ليست دولة صغيرة وهي تستطيع أن تتعامل وتلزم جميع الأطراف بحقوقها بمقتضي القانون الدولي، والقوائم السوداء لا تفرق بين دولة كبري ودولة صغري. هل تري فرصا حقيقية لنجاح التكامل الإقليمي في دول حوض النيل؟ - نعم تستطيع مصر ومعها السودان أن تقيما ميناء محوريا لصادرات الدول التي لا تمتلك موانيء مثل »أثيوبيا وأوغندا ورواندا وبورندي« وأن تبني خطا للسكة الحديد بين مصر والسودان لنقل تجارة تشاد وأفريقيا الوسطي وجنوب السودان وأثيوبيا. ماذا عن رؤية الجانب الأثيوبي للقضية؟ - يوجد باحث أثيوبي في جامعة "نورث وست" يدعي "هتا مو" ويشارك في بحث بعنوان القانون الدولي وحالة سد النهضة الأثيوبي.. كشف أن سد النهضة يشكل ثاني أكبر تحد يواجهه المصريون منذ القرن العشرين بعد العدوان الإسرائيلي، كما يعترف أن بناء هذا السد هو أحد أدوات الحرب المعاصرة، ويتهم المدافعين عن الحقوق المصرية في مياه النيل.. بعدم الإلمام بأبعاد القضية.