في استعادة واسترجاع الأحزان.. أو الآلام.. وفي استدعاء الذكري والذكريات.. ألم عميق.. وجرح غائر.. قد يفوق معايشة الحدث لحظة وقوعه.. مرارة الذكري تبقي كالعلقم لاتستطيع نسيانها أو التخلص منها.. وفي الاستسلام لأقدارنا ما يصبرنا علي تحمل مالا طاقة لنا به.. لإننا في النهاية لانملك أمر أنفسنا في المصير والقضاء والقدر المحتوم. وفي بعض الأحيان.. وكنوع من المقاومة والدفاع عن النفس من الألم.. قد نستدعي الذكري والحدث في محاولة لاسترجاعه أو مواجهته من جديد، ربما لكي نثبت لأنفسنا أننا مازلنا قادرين علي الحياة رغم جراح النفس والقلب. وهذا هو ما فعلته المخرجة إيطالية الأصل والنشأة والمولد.. الفرنسية (فاليريا بروني تيدشي) في فيلمها (قصر في إيطاليا) الذي كان من ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان كان ال 66. وبالمناسبة فإن (فاليريا) هي شقيقة (كارلا بروني) زوجة الرئيس الفرنسي السابق (ساركوزي). وفاليريا التي درست المسرح في مدرسة (ديه آماندييه في نانتير) علي يد كل من باتريس شيرو وبيير رومان حصلت علي العديد من الجوائز العالمية من مهرجانات عديدة سواء عن أدوارها التمثيلية بداية من عام 1987 حيث شاركت في بطولة الفيلم الفرنسي (فندق فرنسا) الذي أخرجه باتريس شيرو.. وحتي فيلمها الأخير (قصر في إيطاليا) الذي يعد ثالث فيلم من إخراجها حيث كان الأول (إنه من الأسهل لجمل).. أما الفيلم الثاني فكان (ممثلات) عام 2007 حيث حصل علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة لبرنامج نظرة ما في مهرجان »كان«. وقد شاركت (فاليريا) كممثلة مع معظم كبار مخرجي السينما الفرنسية والإيطالية. وإذا كانت فاليريا خرجت من »كان« بدون جوائز إلا أن فيلمها كان واحدا من أمتع وأجمل الأفلام التي عرضت داخل المسابقة.. لتميزه الفني أولا.. ولقصته الإنسانية شديدة الصدق التي هي جزء من واقع كبير في حياة هذه الأسرة حيث فقدت فاليريا شقيقها منذ سنوات عديدة إثر إصابته بمرض (الإيدز) وهو ما تبوح به في الفيلم قائلة: إنه في السنوات الماضية وقبل عشر سنوات كان مرض (الإيدز) يعني الخوف الشديد المعادل للموت.. أما اليوم فهو مجرد مرض خطير لكن له علاج ولم يعد ميئوسا منه كما كان من قبل. وقد أسندت فاليريا بطولة الفيلم لوالدتها الفنانة »ماريزابوريني« التي قامت بدورها في الحياة »الأم« وعاشت من جديد لحظات مرض ووفاة ابنها ودفنه من جديد.. وفي ذلك استعادة لذكريات أليمة للغاية. وفي حوار مع فاليريا.. قالت: إنها عندما عرضت الدور علي والدتها كانت تدرك حجم الألم الذي ستشعر به.. لكن إجابة والدتها الحازمة بالموافقة أشعرتها بالسعادة والارتياح خاصة عندما قالت لها: هل تريدين أحدا غيري يرعي ابني في مرضه ويشهد لحظات وفاته والمشاركة في جنازته.. إجابة في الحقيقة مؤثرة للغاية لكن تبرهن علي أن الفن (هو الحياة) وأقوي من أي شيء. ومن أجل عيون (ماريزا بوريني) وإعجابها الشديد بالفنان المصري (عمر الشريف) طلبت منه فاليريا أن يظهر في الفيلم كضيف شرف وذلك في قاعة المزادات.. وكان لظهور (عمر) لثوان علي الشاشة فعل السحر في نفوس المشاهدين. أما دور الشقيق فقد قام به الممثل الإيطالي »فيليبوتيمي« كما شارك في البطولة الفنان الشاب (لوي جاريل). وأحداث الفيلم تدور حول شقيق وشقيقته ووالدتهما.. يريدون بيع أحد القصور التي يمتلكونها.. لكن الشقيق يرفض تماما الفكرة بل ويرفض حتي استغلال البلدية له كمتحف يفتح للزيارة في عطلة نهاية الأسبوع.. وهو رغم المرض يولي بالرعاية الحديقة جالبا لها أجمل الأشجار.. أما الشقيقة وهي ممثلة فإنها في بداية الأربعينات من العمر ورغم نجاحها فإنها تهجر كل شيء ولايبقي لديها رغبة سوي في إنجاب طفل صغير.. ولذا تتعلق بشاب في نصف عمرها تقريبا. وفي جمال شديد تغزل المخرجة والممثلة ضفيرة مابين الواقع والخيال.. الحياة والموت.. في هذا الفيلم الذي حمل الكثير من المعاني الإنسانية الجميلة.. وإذا كان لم يحصل علي جائزة فإن جائزته الحقيقية هي في حفاوة واستقبال الجمهور له. ❊❊❊ للسينما سحر خاص علي النفوس وهي صاحبة متعة بصرية تصحبنا كما لو علي بساط سحري يتنقل بسهولة بين عوالم مختلفة تجمع مابين الخيال.. والواقع ببساطة شديدة.. فتعطينا إحساسا بالإبهار ورقيا بالمشاعر طالما كان العمل جيدا.. إن السينما حتي في تقديمها لأقبح الأشياء.. إلا أن بها جمالا لا تخطئه العين.. ولا ينكره الإحساس.. وفي هذه الدورة السادسة والستين في مهرجان (كان) السينمائي.. تم الاحتفال بالسينما الهندية وذلك بمناسبة مرور مائة عام منذ أن أنتج وعرض أول فيلم صامت في (بومباي) وكان ذلك في الثالث من مايو عام 3191. والاحتفال (ببوليوود) واعتبارها ضيف شرف هي المرة الثالثة التي يتبع فيها المهرجان هذا التقليد.. فقد كان الاحتفال الأول منذ عامين بالسينما المصرية وثورات الربيع العربي.. وفي العام الماضي تم الاحتفاء بالسينما البرازيلية. وقبل الحديث عن (بوليوود) الهندية لابد من ذكر هذه الأرقام التي ربما تشعرنا بالغيرة.. ونتذكر أن السينما المصرية احتفلت بمرور أكثر من مائة عام.. عدد الشاشات في الهند إثنا عشر ألف شاشة أو دور عرض.. عدد الجمهور الذي يتردد علي الصالات سنويا من ثلاثة مليارات إلي الثلاثة مليارات ونصف المليار مشاهد.. أما عدد الأفلام التي تنتج كل عام فهي مايقرب من ألف ومائتين وخمسة وخمسين فيلما! في البدايات كانت السينما الصامتة متعة يتابعها الجميع.. أما مع بدايات السينما الناطقة وجدت السينما الهندية نفسها في مأزق.. فتعدد اللغات بها يصل إلي (أربعة آلاف) منها ثلاث وعشرون لغة رسمية.. ولذلك كان طبيعيا أن يلجأ صناع السينما للرقص والموسيقي ليصبحا اللغة العالمية ليس لتوحيد الهند فقط.. بل لتوحيد العالم أجمع.. ولفترات طويلة كانت السينما الهندية لاتقدم سوي موضوعات تجذب المشاهد دون أن تتطرق إلي المشاكل الواقعية التي تعاني منها الهند وذلك حتي لا تقدم صورة سيئة عن الهند.. لكن كل ذلك تغير الآن وأصبحت هناك أفلام تتحدث عن (عورات) المدينة.. والمهمشين.. والعشوائيات بها. والجدير بالذكر أنه أمام حوادث الاغتصاب الأخيرة التي وقعت بالهند.. كتب النجم الهندي الكبير (شاروخان) والذي يعد واحدا من أهم نجوم (بوليوود): »الاغتصاب هو الطريقة التي يعلن فيها عن الذكورة في ثقافتنا ويجب إدانة المجتمع لذلك«.. وكانت هذه الكلمات إثر وفاة (جيوني سبلنج) الفتاة ذات الثلاثة وعشرين عاما.. التي تعرضت لاغتصاب جماعي في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي.. ويتابع (خان) كلامه: إنني أخجل من كوني رجلا«.. وبعدها بعدة أيام علق المخرج القدير (فرحان أكتر) قائلا: »إن السينما الهندية مسئولة إلي حد كبير عن ذلك، ففي كل الأفلام تقريبا وإظهارا لرجولة الرجل تهان المرأة وتغتصب حتي لو كان ذلك من قبل الشرير«.. وينضم إلي القائمة فنانون آخرون يدينون السينما ومن بينهم الفنانة المناضلة (شابانا عزمي). ونحو تقديم سينما هندية متغيرة تعالج موضوعات لم تكن لتتناولها من قبل وتعتبر من الممنوعات ثم عرض فيلم (بومباي تتحدي) عبارة عن أربعة أفلام قصيرة لأربعة مخرجين هم: (كاران جوهار).. (زويا اكتار).. (ديباكار بنارجي).. (أنوراج كاشيب).. وتعد زويا اكتار هي أصغر المخرجين الأربعة والمرأة الوحيدة بينهم. في الفيلم الأول من الأفلام الأربعة زوجة تكتشف عن طريق زميل لها أن زوجها يميل إلي العلاقات المثلية.. مما يجعلها تريد الانفصال عنه وفي لقاء زوجها بزميلها المثلي يريه بعضا من المهمشين في المدينة خاصة من أطفال الشوارع. الأفلام الأربعة غير تقليدية.. وتحمل أفكارا جديدة علي السينما الهندية وتبرز أن هناك أجيالا جديدة برؤية مغايرة تماما لما عهدناه في السينما الهندية.