تقديم فيلم جديد ، عن إحدي الشخصيات الخارقة، أو السوبر هيرو، أمر أصبح محفوفا بالمخاطر، فقد قدمت السينما الأمريكية عددا ضخما من الأفلام، عن تنويعات مختلفة لشخصية الرجل ذي المواصفات الخارقة، الذي يمتاز بقوة بلاحدود، تمكنه من ملاحقة الأشرار وتحقيق العدالة علي الأرض، يتمتع بقدر واضح من الوسامة يجعله محط اهتمام الجميلات، ينتحل في الأغلب شخصية رجل طبيعي، ولايظهر بشخصيته الحقيقية إلا عند الحاجة فقط، يصبح هدفا لمحاولات مستمرة للقضاء عليه، لأن وجود شخص، له مواصفات خارقة يستدعي حالة من الخوف لدي بعض المؤسسات التي تخشي خروجه عن نطاق السيطرة! حدث هذا في سلسلة باتمان، والرجل الحديدي، والرجل الأخضر، والرجل العنكبوت، وغيرها. جمهور هذه الأفلام غالبا مايكون من فئة عمرية لاتزيد عن العشرينات، وهي الفئة التي يستهويها، أن تتوحد مع البطل وتعيش في أحلام البطولات الخارقة، ولكن بعض المخرجين وكتاب السيناريو، أضافوا للحواديت المألوفة عن عالم الرجل الخارق بعض الأفكار الأكثر عمقا، كان من شأنها أن تزيد رقعة الاهتمام بتلك الأفلام، وتضم جمهورا أكبر سناً من جمهور المراهقين! وكما فعل المخرج كريستوفر نولان في تجربته مع باتمان، حيث قرر أن يعود إلي بدايات تكوين الشخصية، وأسباب هذا التحول الذي طرأ عليها في تحفتيه، الفارس الأسود، وبزوغ باتمان، أعاد نفس التصور مع شخصية سوبرمان، في فيلم رجل من حديد،MAN OF STEEL قرر "نولان" أن يكتفي بدور المنتج، والمشاركة في السيناريو، بينما قام بإخراج الفيلم زاك سيندر. شخصية سوبرمان من إبداع كل من جيري سيجال، وجو شاستر، وقد تم تقديمها في الروايات المصورة "كوميكس"، قبل أن تقدم في أول فيلم سينمائي في عام 1978 وقدم شخصية سوبرمان الممثل الراحل "كريستوفر ريف"، بينما لعب الممثل القدير مارلون براندو، دور والد سوبرمان، وكان دوره القصير في الفيلم مثار اهتمام النقاد والجمهور معا، وقد انتهت السلسه بعد ثلاثة أفلام فقط، نتيجة لإصابة البطل بشلل رباعي نتج عن سقوطه من علي ظهر جواده، ثم توفي بعد عامين من تلك الإصابة، ومن عام 1983 لم يفكر أي مخرج أو شركة إنتاج في إعادة إحياء شخصية سوبرمان مرة أخري! حتي قرر كريستوفر نولان في عام 2011 بإعادة تقديمها في فيلم من إنتاجه، ووقع اختياره علي الممثل الإنجليزي هنري كافل، الذي شارك في بطولة المسلسل التاريخي "آل تيودور" ولعب فيه دورا شديد التميز. وقد تم اختيار هنري كافل، لإنه يمتلك من المواصفات الشكلية ما يتيح له فرصة تقديم شخصية البطل الخارق، حيث يتمتع بقوام جميل البنيان ولافت للنظر، وجهه ذو ملامح مرسومة بدقة، تحمل قدرا من الحيادية، فهو ليس وجه يغلب عليه البراءة ولا الحدة، ولكنه وجه حيادي، لايلفت النظر إلا بعد التدقيق في تفاصيله أكثر من مرة، ليس من بين الوجوه التي تخطفك من النظرة الأولي، مثل براد بيت مثلا، أو حتي ليوناردو دي كابريو، وقد أضاف له الماكياج وتسريحة الشعر، مزيد من البرودة، وكأنه وجه جميل من شمع، ويبدو أن هذا مقصود لإضفاء بعض الغرابة علي الشخصية، فهي لمخلوق فضائي "إليان"، اكتسب بعض الصفات البشرية! قيمة الفيلم في رأيي ليست في استخدام المؤثرات البصرية السمعية، فقد سبق استخدامها في أفلام كثيرة عن الشخصيات الخارقة، وأفلام الكوارث الطبيعية والخيال العلمي، إذن الإبهار لايأتي من هذه المنطقة "اللي اتهرست أكثر من مرة" ولكن في طبيعة الصراع، ومنطق كل شخصية، وأهدافها مما يمنح الفيلم بعدا أكثر عمقا من مجرد التسلية، ولو أن التسلية هي العنصر الغالب! في أحد الكواكب التي تملأ الفضاء المسماة بكليبتون، يقرر كبير العلماء أن يخرج عن القانون الذي يحكم الكوكب، وهو التحكم في نوع ومصير الأجنة، بحيث تتوقف تماما فكرة الولادة الطبيعية، ويتم تصنيع أطفال حسب الطلب، يتم تقسيمهم حسب الحاجة إلي فئه العلماء أو المقاتلين، ولاحاجة إلي خيال مبدعين أو أطفال يكون لهم حرية اختيار مصائرهم، ولكن العالم "جور آل" أو راسل كرو، يفكر مع زوجته في إنجاب طفل طبيعي، يضع في خلاياه الوصف الجيني للأطفال المفروض أن يرزق بهم كوكب كليبتون، وعندما يعلم بذلك الجنرال "زود" أو مايكل شانون المكلف بحمايه قوانين الكوكب يقرر ملاحقة هذا الطفل، والتخلص منه نهائيا، غير أن والده يقرر إرساله إلي كوكب الأرض، لأنه الكوكب الذي تظهر عليه أسباب الحياة، ويعيش عليه مخلوقات بشرية، ويفشل زود في ملاحقة السفينة الفضائية التي انطلق بها الطفل الرضيع، ولكنه يقسم علي ملاحقته مهما طال الزمن! تنتقل الأحداث بعد ذلك إلي الشاب "كلارك"الذي يعيش مع والديه بالتبني كيفين كوستنر، وديان لان، في إحدي المزارع، وعن طريق الفلاش باك ندرك ماالذي حدث، منذ نزول السفينة الفضائية علي كوكب الأرض، في مزرعة كيفين كوستنر، الذي لم ينجب أطفالا، فيقرر هو وزوجته تبني هذا الطفل الفضائي، وإخفاء السفينة التي جاء بها من الفضاء، ويراعي هذا المزارع البسيط، أن يعلم طفله الفضائي، أن يخفي قدراته الخاصة ولايستخدمها أبدا، حتي لايكتسب عداوة من حوله، لأن الناس تكره ما لا تفهمه، ويلتزم الطفل بتعاليم والده رغم ما يتعرض له من اضطهاد الزملاء، وأصدقاء الدراسة، ولكنه يضطر أحيانا للتدخل مستخدما قدراته عندما يجد أن البعض يتعرض لمخاطر جسيمة، وعلي الجانب الآخر تقوم صحفية في جريدة معنية بأخبار ومعلومات عن الفضاء، بتتبع حالة هذا الشخص الذي سمعت عن قدرته علي فعل أشياء خارقة، وعندما تصل إليه، يخبرها بأنه سوف يكون في دائرة الخطر لو أنها أعلنت عن وجوده بين الناس، ويثير ما كتبته عن وجود كائن فضائي حفيظة الأمن القومي فيسعون إلي معرفة مكان هذا السوبر مان، خوفا من أن يكون في وجوده خطرا علي البلاد، وفي نفس الوقت يستعد الجنرال زود، أن يغزو كوكب الأرض، ليسترد الفتي، الذي يحمل الشفرات الجينية لأبناء كوكب كليبتون الذي تعرض للتدمير نتيجة للصراعات المستمرة بين أصحاب النفوذ! الجنرال ذود، يريد إحياء كوكب كليبتون مرة أخري، ولا وسيلة له لتحقيق ذلك إلا من خلال سوبرمان الذي يجد نفسه مطاردا من سكان الأرض، وأهل الفضاء أيضا، ولكنه بسبب نشأته بين أهل الأرض يقرر حمايتهم من الغزو الفضائي القادم! يطرح الفيلم فكرة الحرب باستخدام القوه التي تفتقد للأخلاق، وأن الأخلاق وحدها لاتكفي للانتصار، وجهة نظر برضة، أفضل مشاهد الفيلم تلك التي تحوي بعض المشاعر الإنسانية بين سوبر مان ووالديه بالتبني، وبينه وبين والده البيولوجي راسل كرو! أما مشاهد غزو سكان الفضاء لكوكب الأرض فقد شاهدناها مرارا في أفلام مثل يوم الاستقلال، وحرب العوالم، وأفلام الكوارث الطبيعية التي تهدد أمن سكان المدن وتؤدي إلي انهيار ناطحات السحاب وتحولها إلي حطام في ثوان! فيلم رجل من حديد، اعتقد أنه لم يخدم الممثل الإنجليزي هنري كافل كما ينبغي، بل ربما يعرقل انطلاقه، لو استسلم لتلك النوعية من الأفلام، وهو يمتلك مؤهلات تتيح له الانطلاق نحو شخصيات أكثر شعبية وسخونة، ولعله يدرك هذا قبل فوات الأوان!