يكشف المستشار صالح أبو رقيق تفاصيل هذا الصدام فيقول: في أواخر عام 1953 اشتد الخلاف بين الإخوان وعبدالناصر.. كان الإخوان يطالبون بعودة الحياة الديمقراطية للبلاد وتحديد موعد لإعلان الدستور.. وحاول عبدالناصر أن يستقطب بعض أعضاء مكتب الإرشاد للوقوف ضد المرشد حسن الهضيبي، وعندما فشل أصدر مجلس الثورة قرارا في 21 يناير سنة 4591 بحل جماعة الإخوان المسلمين.. وكان المرشد يري أن الثورة لم تنفذ الأحكام الإسلامية المتفق عليها.. واستدعي عبدالناصر الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد وأراد إقناعه أن مصير الثورة والإخوان واحد وأن الأهداف واحدة وأنه يجب أن يقف الإخوان وراء الثورة.. وأن المرشد حسن الهضيبي يريد أن يفرض رأيه علي الثورة وأن التعاون معه أصبح مستحيلا. محاولات للتشويه ونقل الشيخ فرغلي حديث عبدالناصر لبقية زملائه أعضاء مكتب الإرشاد وأحسوا جميعا أنه يريد إحداث فرقة بينهم فازدادوا تماسكا.. ولم يهمهم قرار الحل. وبدأ عبدالناصر عدة محاولات لتشويه الإخوان المسلمين.. وكانت المحاولة الأولي إعلان اكتشاف مخزن الأسلحة في عزبة حسن العشماوي.. وكانت المحاولة الثانية اتفاقه مع عبدالرحمن السندي رئيس الجهاز السري، وكان الهضيبي قد عزله بعد أن أعلن أن لا سرية في الدعوة.. وعين بدلا منه يوسف طلعت.. اتفق عبدالناصر مع السندي علي أن يقوم بعض معاونيه باحتلال مبني الإخوان المسلمين لإرغام المرشد علي الاستقالة.. وفشلت المحاولة وزاد الإخوان تمسكا بمرشدهم ثم وقعت أحداث فبراير عام 4591 بعد إعلان قبول استقالة محمد نجيب.. وخرجت المظاهرات تطالب نجيب بالبقاء وكان من المعروف أنها من تدبير جماعة الإخوان المسلمين.. وشهدت القاهرة أعنف المظاهرات واضطر عبدالناصر إلي إعادة نجيب.. وفي يوم 82 فبراير خرجت المظاهرات فرحة بعودة نجيب واتجهت إلي ميدان الجمهورية.. وحاول البوليس فض المظاهرات فأصيب عدد من المواطنين.. وحمل المتظاهرون قمصان المصابين ملوثة بدمائهم وتوجهوا إلي قصر عابدين.. وخرج إليهم محمد نجيب محاولا دفعهم للانصراف.. و لم يتحركوا ولمح بينهم عبدالقادر عودة فدعاه إلي الشرفة لإلقاء خطاب لفض المتظاهرين.. وصعد عودة ووقف بجوار محمد نجيب الذي أعلن أنه سينشئ الجمعية التأسيسية وسيعيد الحياة النيابية.. وانصرفت المظاهرات.. وقد جاء في خطاب نجيب مايلي بالنص: »إننا قد قررنا أن تكون الجمهورية جمهورية برلمانية علي أساس أن نبدأ فورا بتأليف جمعية تأسيسية تمثل كافة هيئات الشعب المختلفة لتؤدي وظيفة البرلمان مؤقتا وتراجع نصوص الدستور بعد أن يتم وضعها وبعد ذلك تعود الحياة النيابية إلي البلاد في مدي أقصاه نهاية فترة الانتقال وهذا أمر اتفقنا عليه.. ونحن عند وعدنا الذي قطعناه علي أنفسنا من أننا لم نقم إلا لإعادة الدستور علي أساس سليم في نهاية فترة الانتقال. واختتم نجيب كلمته قائلا: »نحمد الله سبحانه وتعالي مرة أخري علي أننا اجتزنا هذا الامتحان القاسي بنجاح وأؤكد لكم مرة أخري أني لا أطمع في حكم أو سلطة أو جاه وإنما أطمع فقط في أن أؤدي واجبي وأن تزهق روحي في سبيل بلادي وتحريرها وفي سبيل اتحاد أبنائها.. والسلام عليكم ورحمة الله«. حملة اعتقالات وكانت تلك الكلمات سببا في انصراف المتظاهرين.. وفي نفس الوقت أثارت ثائرة عبدالناصر ضد الإخوان المسلمين.. فقد همس لعبدالناصر معاونوه أن الذي أوحي لنجيب بذلك الكلام هو المرحوم عبدالقادر عودة أحد أقطاب الإخوان المسلمين الذي كان يقف إلي جوار نجيب في شرفة قصر عابدين. ومرت ثلاثة أيام.. وفي يوم 2 مارس 4591 قامت سلطات البوليس الحربي باعتقال 811 شخصا بينهم 54 من الإخوان و02 من الاشتراكيين وخمسة وفديين و4 شيوعيين بادعاء أنهم كانوا يدبرون لإحداث فتنة بالبلاد مستغلين فرحة الشعب بعودة نجيب.. وكان في مقدمة المقبوض عليهم مرشد الإخوان الشيخ حسن الهضيبي وعبدالقادر عودة وصالح أبورقيق وأحمد حسين زعيم الاشتراكيين. وتعرض رجال الإخوان المسلمين لأبشع عمليات التعذيب داخل السجن الحربي، وفي 8 مارس سنة 4591 بعث عمر عمر نقيب المحامين برسالة إلي محمد نجيب وكانت قد عادت له كل السلطات يطلب فيها التحقيق في وقائع تعذيب المحامين من المعتقلين وهم أحمد حسين وعبدالقادر عودة وعمر التلمساني.. رسالة من المرشد وأمر نجيب بالتحقيق فورا.. ولم يبدأ التحقيق إلا بعد مرور عشرة أيام بسؤال الثلاثة.. وأكدوا جميعا أن الضابط محمد عبدالرحمن نصير كان يشرف علي عمليات التعذيب وكان يشترك في ضربهم بنفسه.. واستطاع المرشد أن يهرب رسالة من سجنه نشرت في جريدة المصري وكان نصها: »أما بعد.. فإن مجلس قيادة الثورة قد أصدر قرارا في 21 يناير سنة 4591 بأنه يجري علي جماعة الإخوان المسلمين قانون حل الأحزاب السياسية، ومع مافي هذا القرار من مخالفة لمنطوق القانون ومفهومه.. فقد صدر بيان نسبت إلينا فيه أفحش الوقائع وأكثرها اجتراء علي الحق واعتقلنا ولم نخبر بأمر الاعتقال ولا بأسبابه وقيل يومئذ إن التحقيق في الوقائع التي ذكرت به سيجري علنا فاستبشرنا بهذا القول لأننا انتظرنا أن تتاح لنا فرصة الرد عليه لنبين أن ما اشتمل عليه وعلي الصورة التي جاءت به لاحقيقة له.. فيعرف كل إنسان قدره ويقف عند حده.. ولكن ذلك لم يحصل.. وإلي أن تتاح لنا الفرصة فإننا ندعوكم وندعو كل من اتهمنا وندعو أنفسنا إلي ما أمر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام حين قال: »فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين«. وقد استمرت حركة الاعتقالات طوال شهرين كاملين، حتي امتلأت المعتقلات والسجون بطائفة من أطهر رجالات البلد وشبابها بلغوا عدة آلاف لكثير منهم مواقف في الدفاع عن البلاد وعن حرياتها شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ولم يكتفوا بالكلام كما يفعل كثير من الناس.. أما كيفية الاعتقال ومعاملة المعتقلين فلن نعرض لها هنا. وقد بدت في مصر بوادر حركة إن صحت فقد تغير من شئونها وأنظمتها وقرار حل الإخوان.. وأن إنزال اللافتات عن دورهم لم يغير الحقيقة الواقعة وهي أن الإخوان المسلمين لايمكن حلهم لأن الرابطة التي تربط بينهم هي الاعتصام بحبل الله المتين وهي أقوي من كل قوة ومازالت هذه الرابطة قائمة ولن تزال كذلك بإذن الله.. ومصر ليست ملكا لفئة معينة.. ولايحق لأحد أن يفرض وصايته عليهم أو أن يتصرف في شئونها دون الرجوع إليها والنزول علي إرادتها.. كان من أوجب الواجبات علي الإخوان المسلمين أن يذكروكم بأنه لايمكن أن يبت في شئون البلاد في غيبتهم، وكل مايحصل من هذا القبيل لن يكون له أثر في استقرار الأحوال ولايفيد البلاد في شيء.. وإن ما دعوتم إليه من الاتحاد وجمع الصفوف لايتفق وهذه الأحوال.. فإن البلاد لايمكن أن تتحد وتجمع صفوفها وهذه المظالم وأمثالها قائمة. نسأل الله أن يقي البلاد كل سوء وأن يسلك بنا سبيل الصدق في القول والعمل وأن يهدينا إلي الحق وإلي الصراط المستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين وفي يوم 52 مارس تم الإفراج عن جميع أعضاء الإخوان المسلمين المعتقلين.. وكان للإفراج عنهم قصة يرويها صالح أبورقيق .. فإلي الحلقة القادمة.