مبارك يدخل القفص جالساً علي كرسي.. يبتسم ويلوح بيده إلي أنصاره.. قبل أن يتنحي القاضي.. ومن بعدها تتسلم محكمة الاستئناف ملف القضية وتحدد دائرة جديدة لنظرها. مشهد تابعه المصريون والعالم أجمع عبر شاشات التلفزيون، بمشاعر متضاربة وردود فعل متباينة وقراءة لتصرفات "الديكتاتور العجوز" من داخل القفص، لكن أحداً لم يلتفت إلي انعكاسات هذا المشهد القصير الذي استغرق دقيقتين فقط في قاعة المحاكمة التي عقدت صباح السبت الماضي في أكاديمية الشرطة. "آخر ساعة" استطلعت آراء خبراء أمنيين واستراتيجيين بشأن مدي تأثير "إطلالة مبارك الواثقة" علي الوضع الأمني في الشارع، وصورة المشهد عموماً حال انتهاء المطاف بخروج مبارك محكوماً بالبراءة، حسبما يتوقع البعض، حيث اختلفت الرؤي وارتبكت الحسابات. علي طريقة زعماء العالم، وبثقة الراسخين علي كرسي الحكم والمعشوقين من شعوبهم لوَّح الرئيس المخلوع حسني مبارك بيده إلي أنصاره في قاعة المحكمة التي شهدت بدء الجولة الثانية من محاكمته. كانت أساريره منفرجة وثابتاً، وتعامل كأنه رئيس سابق وليس "مخلوعاً" قبل أن يعلن المستشار مصطفي حسن عبدالله رئيس الدائرة العاشرة بمحكمة جنايات القاهرة خلال أولي جلسات إعادة محاكمة مبارك وبقية المتهمين، قراره بإحالة الجنايتين المعروضتين علي المحكمة، إلي محكمة استئناف القاهرة لتتولي الأخيرة بدورها تحديد إحدي دوائر محكمة جنايات القاهرة لنظرهما ومحاكمة المتهمين، لاستشعار رئيس المحكمة للحرج عن نظرهما. وربط البعض بين تنحي القاضي وبين كونه القاضي ذاته الذي أصدر أحكاماً بالبراءة للمتهمين في موقعة الجمل، باعتبارها جزءا من قضية قتل متظاهري ثورة يناير 2011 التي يحاكم مبارك فيها، حيث يواجه مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي لائحة متعددة من الاتهامات، تتعلق بإصدار الأول أوامر للثاني بإطلاق الذخيرة الحية صوب المتظاهرين السلميين في مختلف أنحاء مصر، وكذا التحريض علي قتلهم بغية فض التظاهرات المناوئة له بالقوة، علي نحو يشكل جريمة الاشتراك في القتل العمد مع سبق الإصرار بطرق الاتفاق والتحريض والمساعدة. وسبق لمحكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد رفعت أن قضت في 2يونيو 2012 بمعاقبة مبارك والعادلي بالسجن المؤبد 25 عاما، بعدما أدينا بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين خلال أحداث الثورة. توقعات البراءة ويبدو أن جزءا من مصدر ثقة مبارك كان سببه توقعه، ومن ورائه فريق دفاعه، بأن يحكم القاضي بإخلاء سبيله نظراً لاستيفائه المدة المقررة قانوناً للحبس الاحتياطي وهي 24 شهراً، وهو ما دفع بالفعل فريق الدفاع عن الرئيس السابق للتقدم بطلب لإخلاء سبيله، علي اعتبار أن مدة حبس مبارك احتياطياَ انتهت في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 13 أبريل الجاري، وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه إعادة المحاكمة السبت الماضي، حيث قررت محكمة جنايات القاهرة نظر تظلم مبارك من استمرار حبسه يوم الاثنين 15أبريل والمجلة ماثلة للطبع في الوقت الذي كان قرار جديد صدر قبل نحو أسبوعين بحبس مبارك احتياطياً 15يوماً في قضية القصور الرئاسية بخلاف عدة قضايا يتم التحقيق معه فيها. في المقابل، دفع الظهور الواثق للرئيس السابق في قفص الاتهام النيابة العامة إلي طلب تقارير الحالة الصحية له لبحث إمكانية نقله إلي سجن طرة بدلاً من مستشفي المعادي للقوات المسلحة المتواجد فيها منذ فترة، وبالفعل خاطبت النيابة المستشفي، لموافاتها بتطورات الحالة الصحية والوضع الطبي لمبارك، لبحث إمكانية نقله إلي محبسه في سجن طرة أو مستشفي السجن. قياس خاطئ الخبراء الأمنيون والاستراتيجيون كانت لهم قراءة مختلفة للمشهد المقتضب الذي ظهر خلاله مبارك في القفص، حيث يقول خبير العلوم الجنائية اللواء رفعت عبدالحميد إن الحديث عن احتمالية براءة مبارك بالقياس علي براءة من سبق اتهامهم في قضية موقعة الجمل، كلام مرسل لأن القياس هنا لا يصح، لأن الاحتكام في هذه المسألة يكون للشرعية القانونية أو عدالة القانون وهي أعظم بكثير من سيادة القانون، وهذا نهج في القضاء المصري العادل. وأضاف عبدالحميد في تصريحات ل"آخرساعة" أن ابتسامة القفص التي صنعها مبارك من شأنها أن تثير حفيظة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة، والدليل كان واضحاً في التو واللحظة، حيث تقرر تشكيل لجان من الطب الشرعي برئاسة كبير الأطباء الشرعيين وكبير أطباء مستشفي طرة لتوقيع الكشف الطبي علي مبارك وبيان ما إذا كان متاحاً عودته إلي محبسه، بعدما بدا بصحة جيدة وحالة نفسية مستقرة في مشهد "القفص المبتسم". ويتابع عبدالحميد: لا أظن أن مبارك بظهوره الواثق والقوي في القفص يعني أنه سيعود إلي الحكم أو كسب ود المصريين مجدداً حال حصوله علي البراءة التي يتوقعها له البعض بالقياس علي براءة المتهمين في قضية "موقعة الجمل"، لكنني أري أن تلويحه لأنصاره أراد أن يُثبت من خلاله للمواطنين ما سبق وقاله في خطاباته للأمة قبيل تنحيه وتضمنت خيار بقائه في السلطة أو الفوضي، وهو عبر إطلالته الباسمة تلك كأنه يقول لمتابعيه إن فوضي الشارع تحققت بالفعل واستمرت أحداث العنف والقتل والاشتباكات الميدانية رغم وصول رئيس جديد إلي سدة الحكم، وبما يؤكد توقعاته. واختتم تصريحاته بأن الحديث عن تزايد حدة الانفلات الأمني عقب مشهد مبارك الأخير، لا يعني شيئاً، في ضوء أن الملف الأمني ومعه الملف الاجتماعي والاقتصادي في مصر بات مظلماً بطبيعة الحال، وليس أكثر دليلاً علي ذلك من أحداث الفتنة الطائفية التي مرت بها مصر أخيراً في منطقة الخصوص وأمام الكاتدرائية المرقصية بالعباسية. في حين يري الخبير الأمني اللواء فؤاد علام أن ظهور مبارك الأخير لن يكون له تأثير علي الأمن القومي أو الإضرار به، واصفاً ذلك ب"الكلام الفارغ" الذي يندرج تحت نظرية التخوين من دون داع، مستبعداً في تصريحات ل"آخرساعة" أن يؤثر هذا المشهد بأي حال علي الإخوان أو أن يؤدي إلي إرباكهم، كونهم مرتبكين بطبيعة الحال منذ وصلوهم إلي الحكم. دولة بوليسية ويفسر الخبير الأمني العميد محمود قطري: ترحم البعض علي أيام مبارك بعد ظهوره الأخير مبتسماً وواثقاً في قاعة المحكمة، بأن الأداء السييء للإخوان هو الذي دفع البعض إلي ذلك، وليس قوة مبارك أو ضعفه، لافتاً في تصريحات ل"آخرساعة" إلي أن شعور قطاع عريض من المواطنين بأن مبارك سيحصل علي البراءة في نهاية المحاكمة سببها عدم وجود أدلة إدانة كافية فيما يتعلق بقضية قتل المتظاهرين، وقد يكون السبب وراء ذلك هو أن السلطة كانت مفككة في الفترة الأولي بعد الثورة ومن ثم لم يتم جمع الأدلة بصورة كافية. واعتبر قطري أن حالة الانفلات الأمني التي مازالت تشهدها البلاد حتي الآن، هي التي جعلت الناس تترحم علي الدولة البوليسية التي شيدها مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وحتي بفرض أن الظهور الواثق لمبارك سيؤدي إلي استقواء أنصاره، والغاضبين من محاكمته وبالتالي تزايد العنف الميداني، فهذا لن يعني الكثير لأن الوضع الأمني حالياً في مصر يمر بأسوأ حالاته. وأضاف قطري: ربما التأثير الواضح يكون في ارتفاع الروح المعنوية لمؤيدي مبارك ممن هم علي شاكلة مجموعات "آسفين يا ريس"، ومن ثم انضمام أنصار جدد للنظام السابق، بما يؤدي إلي اشتعال الساحة السياسية مجدداً، ولهذا بدروه انعكاس سلبي علي الوضع الأمني. انقسام سياسي أما الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم فقال إن المجتمع عموماً بات منقسماً إلي نصفين، بين مؤيدين للنظام الحالي وموالين للنظام السابق، مستبعداً في تصريحات ل"آخرساعة" أن يكون لمشهد مبارك الذي تابعه الملايين قبل أيام أي تأثير علي الوضع الأمني في مصر، لأن الأوضاع الاقتصادية هي العنصر الأساسي المؤثر حالياً علي المواطنين، والأوضاع المعيشية تشغل بال المصريين الآن أكثر من الجانب السياسي. في سياق ذي صلة، كان القيادي بحزب الحرية والعدالة "الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين" د.محمد البلتاجي اعتبر أن الترتيبات الأمنية والإعلامية كانت تتعامل مع مبارك كرئيس سابق وليس رئيساً مخلوعاً قامت ضده ثورة ضحي لأجلها الآلاف. وقال البلتاجي إن الهيئة والصحة والحركات التي ظهر بها الرئيس المخلوع تستوجب إعادته إلي سجن طرة وليس إلي المستشفي فوجوده في المستشفي ونقله بالطائرة للمحكمة تمثيلية بل جريمة في حق الثورة تستوجب المساءلة والمحاسبة. وأضاف البلتاجي عبر حسابة الشخصي علي موقع "فيسبوك": سيحاسبنا الله والتاريخ ما لم نتحرك للدفاع عن الثورة والثوار ودماء الشهداء ولا يجوز لنا بحال الانتظار لحين تحقق الكارثة الباقية وهي براءة مبارك والعادلي ثم محاكمة الثوار علي جريمة الثورة. ابتسامة مبارك تكشر عن أنيابها
ثناء رستم لم يعد في مصر مفاجآت تصيب المصريين بالدهشة، فحتي تنحي القاضي عن النظر في قضية القرن أو "محاكمة مبارك" تنبأ به الشارع المصري قبل حدوثه وتناوله المحللون وتوقعه الكثيرون، أما المفاجأة الحقيقية فكانت في الظهور المبهر لمبارك الذي لم يستعد عافيته فقط وإنما استعاد أيضا هيبته وثقته بنفسه وثباته القديم، حتي أننا لو قمنا بعزل القضبان التي تحيط به لبدا الأمر وكأنه في أحد الاحتفالات التي كان يحضرها في السابق، خاصة عندما كان يلوح لأتباعه بين الحين والآخر بحركات هادئة وواثقة ومحبة وممتنة، فكل شيء سار كما كان مخططا له، وكل رموز نظامه تقريبا خرجوا من السجون ويجلسون في منازلهم يتابعون المشهد المرتبك في مصر وهم يكادون يصابون بأزمات قلبية من كثرة الضحك علي الثورة والثوار . والآن يحتدم الجدل القانوني حول تنحي القاضي وعدم وجود أدلة لإدانة مبارك ورجال العادلي في المحاكمة الجديدة التي ستستغرق شهورا وستنتهي ببراءة مبارك كما يتوقع الجميع فلا توجد أدلة علي إدانته أو حتي مسئولية تقع عليه كرئيس للدولة عن قتل المتظاهرين، وقد تتبخر كل هذه الاتهامات بعد سقوط العديد من الشهداء منذ تنحيه عن الحكم ما بين بداية الفترة الانتقالية وحتي انتخاب الرئيس مرسي في 30 يونيو 2012 وما تلا ذلك، حيث لم يختف - بعد وصول مرسي إلي الحكم - المتهم الخفي "الطرف الثالث" ولم يقبض عليه حتي الآن والذي مازال يظهر يوميا ويتنقل ما بين المدن والمحافظات المصرية بثبات يحسد عليه فمرة يظهر وهو ملثم ومرة وهو يرتدي قناعا ومرة أخري وهو يحتل أسطح المباني والعمارات وفي كل مرة تسلط عليه الأضواء وتطارده كاميرات المصورين ثم ينتهي الأمر بعودته سالما غانما إلي منزله حتي يسمح للآخرين أن يعملوا ففي عقب كل حركة له تشكل اللجان التي تقدم تقارير وينتهي الأمر والشعب المسكين لا يعلم شيئا وتتحول كل الأحداث إلي ألغاز غير قابلة للحل بما فيها محاكمة مبارك التي تقرر تحديد الدائرة التي ستنظرها في منتصف هذا الأسبوع ومع أن أسباب تنحي القاضي كانت لاستشعاره الحرج إلا أن المستشار عبدالراضي أبوليلة رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة السابق يري أن الخطأ كان منذ البداية ولم يكن من المفترض علي المستشار سمير أبو المعاطي أن يذهب بالقضية إلي دائرة المستشار مصطفي حسن عبد الله لأنه حكم في موقعة الجمل وكان لابد أن تذهب إلي قاض آخر، وفي اتصال تليفوني مع المستشار سمير أبو المعاطي أوضح بأنه لايستطيع أن يدلي بأي تصريحات تتعلق بقضية مبارك، ورغم أن الجدل القانوني سيستغرق أياما معدودة حول المحاكمة الجديدة وموعدها إلا أن الظهور الجديد لمبارك وتحيته لأتباعه الذين يتزايدون مع الوقت وينضم إليهم فئات كثيرة من المصريين خاصة في الشهور القليلة الماضية ممن يشعرون بالضيق الشديد من تردي الأوضاع الأمنية وارتفاع الأسعار الجنوني الذي سيطر تماما علي الشارع المصري هذا غير قطع الطرق ومهاجمة المنشآت والتعدي علي المساجد والكنائس وانتشار الشائعات، وأصبح من المعتاد سماع كلمات من نوعية " فين أيام مبارك" أو "باين علينا غلطنا في الراجل ده" وهي الجملة التي بدأ بها محمد شكوكو تاجر أسماك حديثه ووضح من بداية الأمر أنه انتخب مرسي لكن القرارات التي اتخذها أدت إلي انقسام المصريين رغم أنه من وجهة نظره كان يمكن أن يحقق كل مايريده بقليل من التروي وإشراك باقي القوي السياسية الأخري معه في اتخاذ القرارات الصحيحة ويشعر محمد بيأس شديد بعد أن فقد ثقته في الجميع بمن فيهم كل قوي المعارضة التي يراهم حسب تعبيره "كشفوا عن نواياهم الخفية في الصراع علي الكراسي"وفي تعليق آخر علي الظهور المبهر لمبارك قال مصطفي عبد الرحيم منسق زهور أصبحت الآن أشعر بالخجل مما يحدث في مصر ومن مشاعري التي تجعلني أتفق في الرأي مع شخصيات كنت أراها معادية للثورة ممن كان يطلق عليهم أتباع النظام السابق أو حتي المنادين بعودة الجيش إلي الحكم مرة أخري حتي أنني رأيت بنفسي من يوزع صورا لمبارك في بعض الميادين والغريب أن كثيرين كانوا يأخذونها وبعضهم كان يترحم علي أيامه والسبب في ذلك هو أداء الرئيس مرسي وحديثه المستمر عن مؤامرات لايتم كشفها أبدا والآن أنا أعتقد تماما أن براءة مبارك أصبحت شبه مؤكدة رغم تيقني أيضا أنه انتهي للأبد كرئيس لمصر. ويقرأ المحامي والناشط الحقوقي محمد زارع مشهد المحاكمة الأخير من زاوية أخري فهو رصد قلة عدد الحضور من محامي الدفاع بالحق المدني والسبب في ذلك هو الشعور بالملل من المشهد ككل وأن أداء النظام الجديد الحالي أزال كثيرا من مرارة النظام القديم وأنه جعل ثوب مبارك أكثر بياضا مما هوعليه، فكم الأخطاء التي ارتكبت في الشهور الماضية سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة نجحت في تبرير أخطاء مبارك كما أدي اختفاء الأمن والمشكلة الاقتصادية الطاحنة إلي ضيق الشعب المصري وتذمره الشديد، وفي رأيي أن مشهد المحاكمة الأخير وتنحي القاضي تركت خلفها أمرا جديدا وإن كان متكررا وهو (غياب هيبة العدالة) فقبل أن ينطق القاضي بقرار التنحي كانت الأصوات تعلو وتتجرأ عليه وتطالبه بالتنحي، وهو أمر انسحب علي رؤية الشارع للقضاء وأحكامه فلا أحد يرضي بها ورغبات الناس أصبحت متباينة ويتم التعبير عنها في معظم الأوقات بعنف شديد ولنعود إلي الأحكام السابقة وما حدث أعقاب النطق في حكم مذبحة بورسعيد، ولم يعد أحد يتقبل مبدأ "الحكم عنوان الحقيقة" وسيطارد الحرج العديد من القضاة وعندما سيحكمون ستطاردهم اللعنات من الجانب الذي لايرضيه الحكم . وسألته: ابتسامة مبارك في المحاكمة هل هي دليل علي ثقته في البراءة القادمة؟ وقال زارع: مبارك كان يذكر الناس بنفسه في مشهد تم إعداده بعناية فقد كان جالسا مستريحا ويتحرك بكبرياء ويواجه الكاميرات بثبات وبجانبه علاء وجمال يشاركانه الثبات والهدوء وإن كان جمال أكثرهم قلقا ولكن في رأيي أن المحاكمة الجديدة ستشهد أحداثا جديدة أيضا وسيتم التركيز علي جزئية هامة وهي التربح وستعود فيلات حسين سالم إلي المشهد مرة أخري . ولكن كيف سيحدث ذلك بعد أن قيل إن واقعة الفيلات انتهت مدة مقاضاة مبارك وولديه عليها؟ يري زارع أن هذا الكلام غير صحيح فلا وقت لانقضاء الدعوي زمنيا بالنسبة لهم ولكن بزوال الحصانة عن مبارك، فوقت حصولهم علي هذه الفيلات كان مبارك يتمتع بالسلطة كرئيس للدولة ولا يمكن لأحد محاسبته ولا أحد يستطيع تقديمه للعدالة ومعه علاء وجمال ولكن بعد الثورة وزوال سلطته وخروجه من منصبه رفعت عنه الحصانة ويمكن محاسبته من بعدها، فإثارة هذه النقطة قد تأتي بجديد في المحاكمة. وبخصوص ما قيل عن أن النيابة ستتقدم ب700ورقة جديدة تضاف إلي القضية، يتوقع زارع أن الأوراق الجديدة ستضم ما توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق وربما ستقدم الجديد ولكني لا أدعو إلي التفاؤل حتي لانضع آمالا جديدة فالكثير من التسريبات التي خرجت من اللجنة لاتنبئ عن جديد خاصة أنه لايوجد تعاون من الجهات الأمنية المختلفة مع اللجنة والجهات الأمنية هي التي تمتلك المعلومات . ويتابع: في حالة وجود أدلة جديدة بالطبع سيتم ضمها للدعوي ضد المتهمين لأنها ستكون جزءا من الأدلة ولا ننسي أن المحاكمة عادت للمربع صفر وستبدأ من جديد. ويبدو أن إطلالة مبارك في ثوبه الجديد أصبحت حديث الشارع المصري وإن كنت أراها بمثابة جرس إنذار للجميع فيدفعهم إما أن يتحدوا أو يتفرقوا هم والثورة إلي الأبد، وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة: فيما يخص مسألة اتفاق القوي المعارضة مع النظام لابد أن نعرف أن المعارضة في المجتمع منقسمة إلي حد كبير فالثوار أصبحوا افتراضيين ويفتقدون إلي وسائل الاتصال بالشعب وانحاز الثوار إلي وسائل الاتصال الاجتماعي أكثر من تحركاتهم التنظيمية والمرحلة عامة هي مرحلة انقسام وارتباك وفيها وعي منقوص ولا تكفي ابتسامة مبارك أن توصل رسالة إلي القوي المختلفة في المجتمع، فهناك المحللون والسياسيون والثوار والمعارضة وقد يهتم بهذه الابتسامة كل هؤلاء أكثر مما يهتم بها أصحاب السلطة وأعتقد أن هناك أبعادا عدة لمسألة محاكمة مبارك. ويتابع حجازي: مشهد خروج مبارك الأخير يشير إلي أنه خرج من الصدمة الأولي لمحاكمته، والعقوبة الأولي التي تم توقيعها عليه (المؤبد) مما جعله أكثر ثباتاً إلي جانب أن حالة الارتباك السياسي في مصر أشعرته أن المرحلة التي كان فيها رئيسا للجمهورية تنبأ فيها بالفوضي في الأيام الأخيرة من حكمه، ومظهره الجديد يعطي إشارة للعالم الخارجي أولا والداخلي ثانيا أنه كان علي حق وأن عهده كان فيه أمن واستقرار إلي جانب أنه كان في الجولة الأولي من المحاكمة كان يبحث عن آلية معينة للإشفاق عليه بأنه مريض ومتقدم في العمر وأنه من جيل أكتوبر، أما الآن فبعد أن ظهر مؤيدون له وأتباع فهو أيضا عاد إلي موقعه القديم وبدأ يسترجع الماضي ولا ننسي طاقم المحامين الذين أشعروه بأن النهاية اقتربت وأن براءته من التهم المنسوبة إليه باتت أمراً وشيكاً، وأن عمر الرئيس السابق الذي تخطي الخامسة والثمانين عاما أصبح له الحق في أن يخرج من المأزق بقرار عفو صحي، خاصة أن هناك اتجاها في الدولة للتصالح مع رموز النظام السابق. ويضيف: من المؤكد أيضاً أنه رغم صعوبة المرحلة الآن إلا أن هناك الكثير من الإيجابيات شعر بها بعض فئات الشعب المصري، وأن الجميع لا يمكن أن يرغب في العودة إلي النظام السابق بعد اكتشاف كل فساده ومهما بلغ التعاطف مع مبارك لن يرضي الشعب أبداً بعودة أحد من رموزه لفرض سيطرته من جديد. وربما أري مشهد مبارك في النهاية بأنه انتعاش اللحظات الأخيرة.