أكد المفكر الاستراتيجي د.حسن الحيوان أن مصر تسير بخطي واثقة نحو بناء النظام الديمقراطي وفق نموذج خاص لا يشبه غيره في أي دولة، يرتكز علي المرجعية الإسلامية التي أقرها الشعب عبر الصناديق، لافتاً إلي أن هذا التحول يتم ببطء نوعي وسيتحول إلي انفراجة كبري عقب وجود البرلمان المنوط به وضع تشريع لمنع العنف الذي يعوق الاستثمار حالياً، مستبعداً اندلاع حروب أهلية أو طائفية، ووصف في حواره ل"آخرساعة" موقف جبهة الإنقاذ ب"الضبابي". في ظل توتر الأوضاع الميدانية وتصاعد دعوات العصيان المدني.. هل تري أن هذا يجر البلاد إلي حروب أهلية؟ - يجب أن نتفق علي أن ثورة 2011 أهم ثورة شعبية حركية سلمية في تاريخ العالم، فالثورة الفرنسية مثلاً كانت دموية، وحين نقارن ثورة يناير بثورة 1952 نجد أن الأخيرة كانت ضد نظام الحكم فقط، لتحقيق أهداف نخبوية للضباط، لكن ثورة 2011 ضد نظام الحكم والغزو الثقافي، أي أن لها مضموناً ثقافياً وتهدف إلي الاستقلال الحضاري الذي بدونه تعود الدول التي قامت بثورات نخبوية إلي تبعية الدولة الأقوي (أمريكا)، وهو ما حدث في الدول العربية التي طردت المستعمر عسكرياً فقط، ولا يجب أن ننسي أن مصر هي الوحيدة المذكورة في القرآن الكريم وأقدم دولة مركزية في العالم والوحيدة المحافظة علي حدودها كما هي الآن منذ 7000 عام، وأقدم دولة دستورية برلمانية في الشرق الأوسط، وتمثل أقوي نسيج ثقافي في التاريخ، كونها استوعبت جميع الثقافات التي مرت عليها. ومن هنا فإن احتمال نشوب حرب أهلية أو طائفية في مصر غير وارد. أما العصيان الحالي فيستحيل أن يؤثر إلا إذا كان من خلال أغلبية الشعب، خلاف ذلك فهو عصيان ليس مدنيا. لكن كيف تفسر وصول تيار الإسلام السياسي إلي الحكم ونجاحه في ذلك دون غيره من التيارات؟ - الشعب بعد الثورة تكون لديه أهداف، فالأمر لا ينتهي عند تغيير النظام، والتوجه الحضاري للشعب المصري هو الذي أفرز من خلال الصناديق الرغبة في نظام يطبق الشريعة، وبالتالي سوف ينتج تغيير جذري يؤثرعلي الشرق الأوسط الذي يشمل الأحداث الاستراتيجية للتوازنات الدولية، ولذا فإن كل قادة ومفكري العالم قالوا لو نجحت ثورة مصر باختيار الشعب لحكامه ومرجعيته سيكون هذا أهم حدث مؤثر علي العالم في العصر الحديث. برأيك كيف يحدث الاستقرار الذي طال انتظاره في مصر؟ - بالنظر لعظم ثورتنا فنحن لم ننتظر طويلاً، عموماً لا يوجد منزل رئيس في العالم يُضرب بالمولوتوف بشكل مستمر، رغم أن تجربة وصول رئيس ذي مرجعية إسلامية للحكم هي الأولي تاريخياً عن طريق ثورة شعبية وانتخابات حرة. ولكي تتحول البلاد للاستقرار يجب أن يتوافر لدينا "رئاسة وبرلمان ودستور وحكومة منتخبة"، وهو ما لم يتحقق حتي الآن، لكنني متفائل وأري أننا نسير في الاتجاه الصحيح ولكن ببطء. ستجري الانتخابات في إبريل المقبل وتأتي حكومة منتخبة تستطيع معالجة كل إشكالات المرحلة الانتقالية ليتحقق الأمن والاستقرار وتبدأ مرحلة الاستثمار. كيف لحكم الإخوان المسلمين أن يقبض علي مقاليد الأمور بإحكام لضمان التحرك بخطي أسرع نحو الاستقرار وبناء الدولة؟ - النظام السياسي هو (رئاسة، دستور، برلمان، حكومة) بالإضافة إلي القضاء والأجهزة التي تمتلك القوة علي الأرض مثل الجيش والشرطة والمخابرات العامة ثم الإعلام و المؤسسات المالية ورجال الأعمال والنخب السياسية والثقافية والإعلامية، أضف إلي ذلك التحالفات الخارجية.. مَنْ من هؤلاء مع الرئيس؟! الواقع يقول إن الإخوان لا تحكم وهذا واضح من نسبة تمثيل حزب "الحرية والعدالة" في الحكومة والأجهزة السيادية للدولة. ما يحدث في الواقع هو أن أصحاب المال والإعلام أوصلوا للناس أن التأثير في يد الإخوان. الحقيقة لو أن الرئيس مدعوم بالشكل الطبيعي من الأمن والقضاء والإعلام لما تم الهجوم علي منزل الرئيس وشخصه إعلاميا بهذا الشكل. يتجدد الحديث دائماً عن التوافق في المشهد السياسي المصري.. متي برأيك يتحقق؟ - التوافق حدث بالفعل من خلال الصناديق لكن لم نصل لاستقرار التوافق، الاختلاف بين الجبهتين المؤيدة والمعارضة أمر طبيعي بعد الثورة والطبيعي أن يكون الفيصل هو الصناديق وإلا فليخبرنا أحد كيف يكون الفيصل! التوافق متحقق لكن الخاسر في الصناديق يريد من الرابح التنازل وإلا تهديد استقرار البلاد حتي لا يحدث استقرار التوافق. هذا يدفعني للسؤال عن رؤيتك لجبهة الإنقاذ الوطني باعتبارها أكبر كيان معارض في مصر؟ - ليست أكبر المعارضين، فأحزاب النور والوسط ومصر القوية والوطن وحزب مصر وغيرها أحزاب معارضة، واختلاف حزب النور مع الحرية والعدالة حالياً يمثل نضجاً ديمقراطياً، بالعمل من خلال الخيارات السياسية وليس الأيدولوجية (في إطار المرجعية الشعبية). وجبهة الإنقاذ موقفها ضبابي فيما يتعلق بالمنهج السلمي وتفصل في حقيقة ذلك أجهزة الأمن والنيابة العامة. أقول ذلك لأن الجبهة لم تقف بشكل قاطع ضد العنف بكل أساليبه وآثاره ومرتكبيه ومسوقيه إعلامياً.. لو فعلت ذلك ولو لم يقم بعض رموزها باستدعاء تدخل العسكر لدافعت عنها بكل قوة، لأننا نريد التعددية وعدم سيطرة فصيل واحد. تدعي بعض النخب أنه ليس من الإنصاف الحديث عن نتائج الصناديق في بلد كمصر ترتفع فيه نسبة الأمية السياسية؟ - هذه إحدي نقاط الالتباس، لا توجد دوله بالعالم بدأت البناء إلا بالصناديق، فالوعي الجمعي الشعبي هو المطلوب استكشافه واستخراجه كما هو لمعرفة هوية ومرجعية الشعب وخياراته العامة، وليس للنخب تحقيره ولا تقييمه، فالنخب التي تقول ذلك هي التي توصف بالأمية الشاملة وبأنها لا تفهم أنه حدث في مصر ثورة شعبية، لأن تعريف النخبة هو "توافر قدرات شخصية عند عناصر تمثل ثقافة الشعب"، فالنخب ثمثل الشعب وليس العكس، والشعب هو الذي يحدد الخيارات العامة وعلي النخب وضع البرامج والآليات لكيفية تحقيق خيارات الشعب، أقول ذلك وإلا فعلينا إما أن نستورد شعباً آخر بدلا من المصريين ليمارس الديمقراطية أو نعود للاستبداد بفرض كل شيء علي الشعب. لكن مصدر قلق البعض من وصول التيار الإسلامي للحكم هو تطبيق الشريعة بمفهوم متشدد. فما رأيك؟ - يجب أن نعي جيداً أن الذي سيحكم هو الاتجاه الإسلامي الشعبي، وليس إسلام فصيل معين والإسلام منهج استراتيجي فيه من الثوابت والمتغيرات، وفهم ذلك ضروري جداً، والإرادة الشعبية هي التي تفرز مؤسسات الدولة التي تحدد كيفية التشريع، ولا خوف من ذلك لأن توجه عامة الشعب المصري وسطي معتدل، والمؤسسات (القضاء والبرلمان والأزهر) هي التي ستحدد التشريع وليس الإخوان أو السلفيين ودورهم مجتمعين هو إسقاط الشريعة علي واقع الأمور بما فيها من مستجدات مع الالتزام بالثوابت، ولذا فإنني لست قلقاً بشأن تطبيق الشريعة، إذ لن يطبق أي شيء إلا بموافقة الشعب. المواطن العادي يسمع كثيراً عن المشروع الإسلامي منذ وصول التيار الديني إلي الحكم. فما المقصود بذلك؟ - مصطلح تيار ديني غير صحيح، لا يمكن أن يكون هناك تيار آخر يقابله، لأنه سيكون تياراً غير ديني، وهذا ضد الشعب وسيخسر من يواجه الشعب بتيار يقابل التيار الديني وهو الحاصل حالياً. ثبت ديمقراطياً أن المرجعية الشعبية هي الدينية الإسلامية (ليست دينية مسيحية ثيوقراطية مثل تجربة الغرب)، أما المشروع الإسلامي فهو رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية تستند لثقافة الشعب وهي هنا ثقافة إسلامية معتدلة، يعني مشروع يمثل أغلبية الشعب وليس فصيلاً واحداً مهما كان كبيراً، وفي المقابل لا يوجد مشروع علماني كما يدعي الإسلاميون أو غيرهم، لأن فكرة العلمانية مستوردة منقولة لا أساس شعبي لها، وبالتالي يستحيل أن تمثل مشروعاً في مناخ الحرية. نحن الآن أمام "مشروع إسلامي" تقابله "محاولة إعاقة المشروع الإسلامي" والأخيرة لا تمثل مشروعاً بل استبدادا. بعد هذه الجرعة، ما علاقة الثورة بالنهضة كون الناس لا تريد أن تعيش في ثورة مستمرة؟ - في مناخ الحرية، الذي يقوم بالنهضة هو المجتمع ومؤسساته لا أحد غيره، وبالتالي لابد أن تتوافق ثقافة ومرجعية مشروع النهضة مع نظيرها في المجتمع، ولا أحد يضع ثقافة ومرجعية المجتمع، بل يتم استخلاص ذلك من الشعب نفسه ولذلك يستحيل أن يكون هناك مشروع للنهضة إلا المشروع الإسلامي بشرط أن يمثل أغلبية الشعب وليس فصيلاً منه. إلي أي مدي يختلط السياسي بالديني في المشهد الراهن؟ - السياسة جزء من الدين وكذا الاقتصاد وعلم الاجتماع.. هذه هي رؤية الشعب الاستراتيجية والتفاصيل يمكن أن يختلف عليها كما يحدث بين أحزاب الإخوان والسلفيين، المطلوب هو الفصل التام بين النشاطين الدعوي والحزبي، وليس الفصل بين الدين والسياسة، وإذا لم يحدث ذلك سنكون أمام كارثة، ومثال ذلك الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب "الحرية والعدالة"، أوالتيار السلفي وحزبه "النور"، فهذا الفصل غير متحقق الآن، لأننا في بداية مشوار الحرية، ولابد من تقنين وضع جماعة الإخوان وغيرها مثل الروتاري، ووضعها بما فيهم الكنيسة تحت مراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات. كيف يمكن تجاوز أزمة الثقة بين التيار الإسلامي ونظيره الليبرالي؟ - التعدد مطلوب في السياسات وليس المرجعيات، لا يمكن أن تكون لدولة واحدة مرجعيتان. تطبيق الشريعة من حيث المبدأ لا يجب أن يكون محل خلاف لأنه قرار شعبي، والسلطة للشعب والمفاهيم المدنية والديمقراطية بكل العالم تلزمنا بالمرجعية الشعبية، وبما أن الديمقراطية جزء من السياسة والأخيرة تُبني علي فكر، فهل رموز الفكر الليبرالي يضعون أفكاراً ومبادئ في صدام مع الإسلام؟ لا أتمني ذلك. وإذا كان من يسمون أنفسهم بالتيار الليبرالي لا يقتنعون بالمنهج والأداء السياسي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فعليهم أن يقدموا أنفسهم تحت مظلة التيار الإسلامي لكن برؤية أكثر انفتاحاً فكرياً ونضجاً سياسياً من هذه الأحزاب، لأن الإسلام يؤسس لمساحة من المتغيرات أكبر بكثير من الثوابت، فلماذا لا يفعلون ذلك؟ هل لا يريدون الاجتهاد لتقديم الجديد من المتغيرات أم يريدون إلغاء الثوابت؟!، إذا قدموا أنفسهم برؤية أكثر انفتاحاً سينجحون شعبياً، وتكون أكبر خدمة للوطن. يطالب البعض الرئيس بأن يكون رئيساً لكل المصريين وألا ينحاز لفصيل أو تيار بعينه.. كيف تري ذلك؟ - حينما تكتمل مؤسسات الدولة من دستور وبرلمان وحكومة، يصبح الرئيس في هذه الحالة هو المنسق العام لشؤون البلاد، لن يستطيع الخروج عن كونه رئيساً لكل المصريين، وبخاصة أن صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد أقل بكثير مما كانت عليه من قبل، وإذا فكر في أن يتحيز لفصيل سياسي سيخسر تماماً.