»زينب« رواية الأديب محمد حسين هيكل التي كتبها عام 1914 فأصبحت وظلت لسنوات تؤرخ في الكتابات الأدبية شرحا وتفسيرا ونقدا.. واقتداء وكان لها أكبر الأثر في بداية وسير وتطور الرواية المصرية والعربية وبقيت تمتلك ناصية الأدب رغم التغييرات والتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الرواية علي مر السنين.. فقد تواصلت حتي الآن بقيمها وأبعادها الإنسانية. ولد محمد حسين هيكل عام 1888 ويحتفي به كتاب الدوحة بإصداره »محمد حسين هيكل ثورة الأدب« طارحا فيه نشأته وحياته وأثر كتاباته وإبداعه الأدبي في الشعر والقصة والمسرح والأدب القومي وتطبيقاتها لرحلة عطاء قوامها خمسون عاما.. يذكر الكتاب أنه بدأ يدرب نفسه علي كتابه المقالات بعمر الثامنة عشرة بعد أن أنشأ أحمد لطفي السيد حزب الأمة وصدرت عنه جريدة »الجريدة« عام 1907 وبدأ هيكل يكتب فيها مقالاته الأولي وتتلمذ علي يد أستاذه لطفي السيد وكان يحكم العقل والقانون في كتاباته وتصرفاته وكانت سمة عقلية امتاز بها في معظم حياته.. بعد حصوله علي الدكتوراه من فرنسا برسالة »الدين المصري العام« عاد لوطن عام 1912 وفي عام 1922.. رأس تحرير جريدة السياسة التي كانت لسان حال حزب الأحرار الدستوريين واستطاع استقطاب عدد من كبار الكتاب للكتابة بها.. طه حسين محمود عزمي عزيز ميرهم عبدالعزيز البشري.. وتضمنت الجريدة أبوابا للفن والثقافة والأبحاث والقصائد وكانت جريدة البلاغ الناطقة باسم الوفد تتبني صقور السياسة مثل سيد قطب ويعود الفضل لهيكل في أن يكون بجريدته باب هام عن المرأة قامت بتحريره مي زيادة وقدمها بقوله »مقام الآنسة الفاضلة مي في الأدب معروف وأسلوبها الشعري الرقيق وتفكيرها السامي جعل منها نابغة كاتبات الشرق وقلدتها جريدة البلاغ بإنشاء باب للمرأة حررته السيدة نبوية موسي. ويذكر هيكل في مذكراته لقاءه بالشيخ حسن البنا عام 1937 علي الباخرة كوثر: »وإنني لفي بهوها بعد أن ارتديت رداء الإحرام إذ تقدم إلي حاج محرم لم أكن قد رأيته من قبل وقدم لي نفسه ذلك هو الشيخ حسن البنا وقد ذكر لي يومئذ أنه ألف جمعية الإخوان المسلمين لتهذيب الناس تهذيبا إسلاميا صحيحا وأنه يطمع في تعضيد مؤلف حياة محمد لهذه الجماعة بل يطمع في قبولي رئاستها والرجل لبق حسن الحديث حلو اللقاء عرفت ذلك منه في المقابلة وعرفته بعد ذلك أثناء مقامنا بالحجاز يقف في الجمع خطيبا واعظا يتلو آيات القرآن في مناسباتها ويلقي خطبه في عبارة فصيحة عربية وبليغة. وجاء بتقديم الكتاب أن محمد حسين هيكل كان بالفعل مشغولا في وقتها بكتاباته الإسلامية وهي مجموعة كتب رائعة بدأها »بالفاتح، حياة محمد 1935 في منزل الوحي 1937 الصديق أبوبكر 1942 الفاروق عمر جزء أول 1945 جزء ثاني 1945« وتلاها عدد من كتب في أدب الرحلات ومنها: ولدي في أوقات الفراغ عشرة أيام في السودان تراجم مصرية وعربية چان چاك روسو« ويعد كتابه »ثورة الأدب« مانيفستو للحركة الأدبية. أدب الثورة يتعرض الكتاب كما يقول محمد حسين هيكل في مقدمته لخمسين عاما من الأدب أي يحلل الظاهرة الأدبية في نصف قرن أي منذ الثورة العرابية إلا أنني أري أن هذه مراوغة محمودة أراد أن يسوقها الكاتب ليمرر أفكاره الجذرية في النقد الأدبي ويضع منهاجا جديدا تماما ولكنها كانت أفكارا متبلورة وواضحة ومتماسكة وشبه وجهة نظر متكاملة في الشعر والنثر والقص والمسرح وهو ذاته يقول في مستهل الكتاب »هذا الكتاب جديد قديم هو قديم لأن بعض فصوله نشر من قبل كما هو بعنوانه وبعضها نشر لم يغير منه سوي العنوان ويوضح أن الكتاب يتحدث عن هذه الثورات المتصلة التي شهدها نصف القرن الأخير في شئون الكتابة والأدب« فقد كان متأثرا ككاتب بالثقافة الأوربية وكان يريد للثقافة المصرية أن تتفاعل بوعي جدلي مع هذه الثقافة الوافدة دون تقليدها تقليدا أعمي. يستعرض في الفصل الأول من الكتاب أسئلة تطرح حول الحرب التي يتعرض لها حملة الأقلام من الطغاة وأصحاب السلطة تحت مسمي (الطغاة وحرية القلم) كتب هيكل عنها »في عصور الظلم التي تمر بالأمم آنا بعد آن يعمد الباطشون البغاة إلي تقييد حرية القول والكتابة وفي سبيل هذا التقييد يصلون أرباب الأقلام حربا لا رحمة فيها ولا هوادة فمن إرهاق إلي سجن إلي نفي وتشريد وهم في حربهم هذه يندفعون ضد الكتاب كاشرة أنيابهم محمرة عيونهم أشبه بالكواسر المفترسة حين يغريها منظر الدم فيهيج فيها كل غرائزها الوحشية« ثم يستطرد »خطورة القلم في هز مقاعد العرش البشرية هذه العروش المهتزة أصلا وتستند إلي أكاذيب وعلي دعاية فجة ولكن القلم النبيل والشجاع هو الذي يهدد كل هذه الأكاذيب.. وكم من الكتاب لاقوا حتفهم من أجل أقلامهم الحرة والشجاعة. الشعر والنثر لا يعد كتاب ثورة الأدب للدكتور محمد حسين هيكل نوعا من التزمت أو التعصب لفكرة معينة أو مذهب إنما هو كتاب يسعي من أجل نصر الحرية الإبداعية الإيجابية من خلال منهج وطريقة تفكير وتنفيذ وفق المنهج.. وقد انتصر هيكل للنثر مستشهدا بفقرة موحية من قاسم أمين »كلما أراد الإنسان أن يعبر عن إحساس حقيقي رأي بعد طول الجهد وكثرة الكلام أنه قال شيئا عاديا أقل مما كان ينتظر.. ووجد أن أحسن ما في نفسه بقي فيها مختفيا لتصوير إحساس كامل وتمثيل أثره في صورة مطابقة للواقع يلزم استعمال ألفاظ غير المتداولة« ويعرف هيكل الشعر بقوله: »القصد من الشعر إبراز فكرة أو صورة أو إحساس أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلي أعماقها من غير حاجة إلي كلفة أو مشقة ارتفع بها وترتفع أو تهبط وتهبط وأنت مندفع معها منساق وراءها متلذذا باندفاعك وانسياقك«. يضم الكتاب بين صفحاته ثقافة الأديب وأهميتها في التناول والصياغة والفكر واللغة والأدب والوصول باللغة إلي مكانة عالمية وكيف يستأثر الغرب بالأدب المنثور.. ويذكر أن الآداب في فن القصص.. فالرسائل التي كانت ذات مكانة سامية في زمن من الأزمان قد اختفت أو كادت والمكاتبات الأدبية طريفة الأسلوب وأنواع النثر قد أدمج في القصة.. أما ما أطلق عليه محاولات في الأدب القومي فيشرحه بأنه بشيء من التمحيص يكشف جمود القديم وثورة الحديث هذه الثورة التي دفعت إليها حرارة النضال وأنهما ما كانا يندفعان إلي تلك الحدود لولا هذا النضال.. فالقديم ينطوي علي شيء من القديم بل علي أكثره ولا يمكن أن يتصل بقاؤه إذا لم يتصل بالحديث أليس فخار الأمم بماضيها لا يقل عن فخارها بحاضرها؟ ألسنا في مصر نفاخر بالفراعنة وبالعصر الإسلامي أكثر مما نفاخر بالعصر الحديث ولهذا حاولت أن اكشف عن بعض جوانب مصر القديمة وأن أسلكها سبيل الأدب القومي وأقدم للجمهور ثمرة بحثي في خمسة فصول هي »إيزيس راعية هاتور أفروديت حكم الهوي الشيخ حسن« وهو يرجو أن يجد الشباب فيها مثلا لطليعة من طلائع الأدب القومي المصري.