"الفتاة المتظاهرة تساهم في اغتصابها بنسبة 100٪ لأنها من وضعت نفسها في هذه الظروف".. هذا آخر ما تم تناوله في إطار سياسي عن المرأة، الذي جاء علي لسان اللواء عادل عفيفي، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشوري، ليبرر عدم حماية الشرطة والمجتمع لمن يُنتهك عرضها، مما يطرح سؤالا: هل تواجد الفتاة في محطات المترو المزدحمة - دائماً - يساهم أيضا في اغتصابها؟ بنفس المنطق، نعم، والحقيقة أن المجتمع تبرأ من المرأة، وليس ما نراه بمستجد، بل تأكيد علي اضطهادها سواء كان في أبسط حقوقها المجتمعية أو السياسية. في العامين الماضيين، شعرت المرأة بنوع مختلف من التهديد النفسي، خصوصاً مع تولي الإسلاميين الحكم، فلم يغب عن ذهنها صورة المرأة في أفغانستان، وتخشي أن تكون يوماً مثلها، ونقول إن مشكلة المرأة لم تكن أبداً مع الإسلام، لكن مع بعض الإسلاميين الذين يؤمنون بأفضلية الرجل عليها من منطلق ديني، تمسكاً بمفاهيم واجتهادات تمت في سياقات زمنية معينة، لم تكن المرأة فيها شيئاً مذكوراً، كما يشهد التاريخ أن التمييز ضد المرأة ليس طبيعة المصريين، الذين عرفوا الزراعة ومن ثم المشاركة الكاملة بين الرجل والمرأة، وإنما هو دخيل علي البيئة المصرية نتيجة الغزوات والاحتلال من مختلف الشعوب والأعراق التي تهين المرأة. ولم تعد ثورة 25يناير علي المرأة إلا بمزيد من التهميش والإقصاء في شتي مجالات الحياة لدرجة أن القوانين والتشريعات التي حصلت عليها بعد نضال مرير في فترة ماقبل الثورة نراها الآن تتآكل، نتيجة محاولات إلغاء قوانين الأسرة والطفل وتحطيم ملصقات "لا للختان" وتعليق لافتات "نعم للختان" في بعض المحافظات، وغيرها من محاولات الهجوم الشرس علي حقوق المرأة ومكتسباتها القليلة. ولا شك في أن حالة الاستقطاب السياسي الشديد التي تسود الساحة السياسية المصرية بعد الثورة، بالإضافة إلي انتشار حالة الفوضي والعنف (البلطجة) قد ساهمت أيضا في تحجيم قدرة المرأة علي المشاركة السياسية، مما حدا بمركز الإسكندرية لصحة وتنمية المرأة للقيام بإجراء بحث يهدف إلي معرفة أسباب عزوف المرأة عن المشاركة السياسية ورؤيتها بعد الثورة والوقوف علي مدي ثقة المرأة في التغييرات التي أحدثتها ثورة يناير، فتري الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح أن المرأة لم تحصل علي حقها بسبب مبدأ الذكورية الذي يسيطر علي المجتمع حتي الآن، قائلة: "يكفي انتهاك حقوق المتظاهرات باختبار فحص العذرية يوم 19 أبريل 2012 وتعرية ست البنات". المعركة القادمة وتجد هالة مصطفي، ناشطة سياسية وإعلامية، أن الظواهر التي تمارس ضد المرأة بعد الثورة، ليست فردية إنما مخطط ممنهج ينفذه الإسلاميون علي مراحل، "فهم يتصرفون بشكل جماعي متفق عليه"، متابعة أن الخطورة التي تهدد المرأة تقع علي محورين، الأول إلغاء قوانين الأحوال الشخصية وإحلال قوانين تسلب حقوقها، وتجبرها علي ارتداء النقاب واللبس الشرعي من وجهة نظرهم كما يحدث في إيران، منذ سقوط طالبان فريسة بين أحضان التطرف الديني، التي ينتهي بها الأمر هناك إلي الانتحار لما تتعرض له من عنف، والثاني هو منعها من تقليد المناصب وفق مفهوم قوامة الرجل علي المرأة، لذلك فالمعركة المقبلة ستقودها المرأة حتي لا تمنع من التحرك والخروج وممارسة العمل. وتتطرق هالة إلي مصير الناشطات السياسيات، اللاتي يتعرضن للاضطهاد والاتهامات، إلي اللجوء السياسي، لكنها مؤمنة أن لا واحدة منهن يمكن أن تتنازل عن قضيتها، مؤكدة أن دور المرأة السياسي سيظل قائماً علي شخصيات واعية، وسيدات فاضلات، وأنهن سيخضن المعركة دون دستور يحمي حرياتهن، أو مجالس تدافع عنهن، مواصلة: "يبدو أن صراع المرأة طويل المدي، لكن صراع النشاطات في السياسة والمجتمع معاً، سيجعلها تفشل في الاثنين". صوت المرأة ولأن بعض الإسلاميين ينظرون إلي المرأة ككائن لا حول له ولا قوة، اتخذوها وسيلة للوصول إلي السلطة، وتحقيق مطامعهم، فهم يوهمونها بأنها جزء من المجتمع، والواقع أنهم يستغلون أصواتها من أجل الكرسي"، كما تري الناشطة حنان فكري، التي استكملت أنهم في حال استحواذهم علي كل البلاد، سيقومون بتهميشها ومنعها من المناصب، وذلك علي خطي التجربة الإيرانية، التي جعلت المناصب القيادية، الوزارة، النيابة، القضاء، عضوية البرلمان خطاً أحمر أمام النساء استناداً لحديث "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، وبحجة أن المرأة عاطفية لا تحسن التصرف في هذه المناصب الكبيرة. لا يمكن أن تتصور حنان أن تكون المرأة المصرية "مطية"، وأن تكون "وعاء للإنجاب" فقط كما يرونها، فتقول إن لديهم أفكارا رجعية وتراثا فكريا لا يسمو بالمرأة إلي مكانة الرجل، فهم يأتون بتفسيرات وفق قناعتهم، وهو ماحدث بالدستور الذي، وضرب فيه بحقوق المرأة عرض الحائط. سألتها: "وماذا عن المرأة المسيحية التي لا ترتدي الحجاب؟ هل يجبرونها أيضا؟ "، أجابت: " الحجاب كان رداء السيدة مريم العذراء، لكن ليس من حقهم أن يفرضوا شيئا علي أي إنسان مهما كانت ديانته، إذ كانوا يتهمون كل فتاة مسلمة غير محجبة بأنها مسيحية وكافرة، لذلك لا يمكن أن نلومهن إذا صدر منهم أي أمر، فهم يرون أنهم موكلون من الله لتنفيذ وصاياه، ونحن نقول لهم إن الله وحده المنوط بالدفاع عن البشر، وتوفير حرياتهم". لكنها عادت لتخشي من ممارسة بعض القوانين والتشريعات، التي من شأنها أن تحرم المرأة من العمل المهني والسياسي، وتقيد حياتها الخاصة، واقترحت حنان أن يكون هناك تجمعات نسوية مستمرة تدافع عن حق المرأة، وتنزل إلي الميدان، فلا أحد يدافع عن حقها سواها، فهي الأمان في أي انتفاضة، ومعركتها المقبلة هي الانتخابات البرلمانية كمرشحة وناخبة. الإيمان يحميها هناك فرق كبير بين نظام يطارد أي مناضل مهما كان رجلا أو امرأة، ونظام يتعمد تكميم أفواه المناضلات، وهذا ما حدث مع المناضلة اليسارية شاهندة مقلد، التي ظلت تكافح منذ 1956دون أن تيأس، مرددة "إيمان المرأة هو من يحميها من بطش الذين يدعون الإسلام"، إذ رفضت أن تقول عليهم إسلاميين، بل يستغلون الدين. "لا يمكن أن نورط الإسلام فيما يحدث مع النساء الآن، حتي يبتعدن عن الساحة السياسية، وأنا أخشي علي الفتيات من إصابتهن باليأس، فهن القيادات اللاتي ينتظرهن المستقبل، لذلك يجب علي كل امرأة في كل قرية ومدينة، أن تكون داعية ضد التيار الذي يريد أن يعود بمصر إلي الوراء".