فتيات تم تمزيق ملابسهن بالكامل، تم استخدام أسلحة بيضاء لفض بكورتهن، تم اغتصابهن، هذا لا يحدث في عالم آخر غير الذي نعيش فيه. هذا يحدث هنا في القاهرة، في مصر، هذا يحدث في ميدان التحرير، وحدث في الماضي في التجمعات المزدحمة وفي مواسم الأعياد. كل ذلك يحدث والإعلام غافل والحكومة نائمة، والناس يلومون الضحية ولا يلومون المجرمين. في أي عالم نحن نعيش؟ "إحنا هنقاوم" هذا عنوان فيديو نشرته حملة "ضد التحرش" علي موقع يوتيوب، يظهر مئات من البشر – أو هكذا يبدون يهجمون علي فريسة، علي فتاة ضعيفة لا حول لها ولا قوة، لا تعلم من يعتدي عليها ولا من ينقذها، الكل يتزاحم عليها، تمزقت ملابسها لكن حظها كان أفضل من فتيات أخريات، استخدمت الأصبع الأسلحة البيضاء لإنهاء عذريتهن. وأنقذها فريق من متطوعي حملة »ضد التحرش«. فيديو آخر نشرته الناشطة والفيديو بلوجر "سارة عبدالرحمن" وإحدي المتطوعات في الحملة قالت فيه "إذا كان من يعتدي علي الفتيات يعتقد أنه سيقمعهن وسيبقيهن قابعات في منازلهن، فهو مخطئ، السيدات لن يتركن ميادين الثورة أبداً. "مش هنبطل ننزل الشارع، مش هنبطل ننزل مظاهرات، وهننتصر علي اللي بيحاول يقمعنا ويهدنا" لا يستطيع أحد أن يجزم ما إذا كانت هذه الحوادث مدبرة أم لا. حتي لو كانت مدبرة، حتي لو كان هناك 01 أو 02 يجتمعون في شكل تنظيمي للهجوم علي الفتيات والسيدات، لكن المؤكد أن هناك العشرات غيرهم الذين ينضمون إليهم في "الزيطة". وكما تقول سالي ذهني الناشطة في حركة بهية مصر ": مجتمع يتعامل مع المرأة كجسد فقط، كأداة للمتعة، كيان بلا قلب أو روح. ويروي مصطفي قنديل بأنه كان سيموت في محاولته لإنقاذ فتاة بسبب الآلاف الذين أحاطوا به والذين كانوا يتحرشون به هو لأنه أراد أن ينقذها. ورغم قيام أحد البائعين الجائلين "الجدعان" باستخدام نيران أنبوبة بوتاجاز لإبعاد الناس، إلا أنهم عادوا بعد أن انطفأت نيران الأنبوبة للاعتداء من جديد، وتروي نهلة عناني التي شاركت في مسيرة نسائية يوم 52 يناير: "من المستحيل تحديد من كان يتحرش، ومن كان يتدافع من أجل التدافع، ومن كان يحاول أن يحمينا. في ثوان تفرقت المسيرة ولم أجد بجانبي إلا أمي وصديقتها. أما باقي السيدات فاختفين. أنقذنا شاب اسمه (بيشوي) بخلعه حزامه وتهديد أي شخص يحاول أن يقترب منا. ثم جاء شاب من شباب (حملة ضد التحرش) يرتدي قميصا أصفر و طلب مني أن أشير علي المتحرش. و لكني لم أكن بحالة أستطيع فيها أن أتكلم حتي. الملفت للنظر أن الغرض مما حدث لم يكن التحرش الذي تعرفه كل فتاة في الشارع، بل كان هناك إصرار علي تجريد الفتيات والنساء من ملابسهن. وأوكد مجددا أن هناك من كان يريد، حرفيا، أن يجردني من البلوفر" حملة ضد التحرش مقسمة إلي مجموعات، مجموعة الميدان، مجموعة التدخل، مجموعة الإنقاذ، مجموعة تلقي البلاغات. كل مجموعة لها دور محدد، فمجموعة الميدان هي المجموعة التي تنتشر في كل أركانه لها دوران أساسيان، أولهما توزيع المنشورات وتوعية الناس بالظاهرة وكيفية التصرف في حال وقوع حوادث لهم أو أمامهم، وكيف يمكن أن يساهموا في إنقاذ الفتاة وجعل ميدان الثورة آمناً، ولهم دور آخر وهو مراقبة الوضع في الميدان والاتصال بفريق التدخل في حالة وقوع أي حادثة اعتداء. وتقول مريم كيرولوس إحدي مؤسسات الحملة "في البداية لم نكن نتخيل ما نواجهه، كنا ننزل كمجموعات نعتقد أننا باستطاعتنا حماية البنات بمجرد التدخل ولكننا وجدنا الواقع مختلفا تماماً عن الصورة التي في أذهاننا، وجدنا تصاعداً ملحوظاً في العنف، وجدنا استخداما للأسلحة البيضاء، وجدنا تنظيما غير متوقع وأكمنة تنصب للفتيات، مثلاً في مرة تعرضت إحدي الزميلات في المجموعة لموقف حين وجدت تزاحماً وخيّل لها أن هناك فتاة يتم التحرش بها وقام بعض الشباب بعمل كوردون حولها وبعدما وصلت اكتشفت أنه كمين منصوب لها لكي يتم التحرش بها، لكن تمكن زملاؤنا من إنقاذها" لكن لماذا تضم مجموعات التدخل التي تنقذ المعتدي عليهن بنات؟ ببساطة وكما تقول مريم "لايمكنك أن تتخيل كم الاطمئنان الذي تشعر به الفتاة عندما تري بنتا تحاول أن تنقذها وتهدئها، في حين أن وجود الشباب فقط في بعض الأحيان يزيد التوتر لأنها لا تريد أن تري ذكورا في هذه اللحظة" الغريب أنه بعد وقوع هذه الحوادث، كان هناك تجاهل مريب من كافة الجهات سواء الجهات الرسمية أو الأحزاب السياسية التي من المفترض أن أحد أدوارها هو تأمين الميدان، وأيضاً وسائل الإعلام التي لم تكترث لما وقع. وهو ما دعا المجموعة ومعها عدد كبير من الحركات النسائية إلي إصدار بيان شديد اللهجة وجهت فيه اللوم للإعلام وللأحزاب السياسية قبل أن توجهه للسلطة الحاكمة في تخليهم عن دورهم في حماية سيدات مصر وفي تأمين الميدان. وكان نص أحد فقراته " تعرب المجموعة عن خيبة أملها الشديدة من موقف القوي الثورية والأحزاب والحركات الداعية للمسيرات والفعاليات السياسية، التي لم تقم بأداء واجبها وتحمل مسئوليتها في تأمين الميدان ومحاولة حماية المشاركات في الثورة من مثل هذه الاعتداءات المتكررة. ويأتي تخاذل القوي الثورية في حماية المتظاهرات داخل الميدان من استهانة هذه القوي بجرائم العنف الجنسي التي ترتكب في حق النساء برغم بشاعتها وتكراراها، وتنظيمها في معظم الأحيان. فعلي الرغم من افتقارنا للأدلة المادية، تشير أغلب شهادات المعتدي عليهن والمتطوعين والأنماط التي رصدتها المجموعة والمنظمات - من حيث أسلوب الاستهداف والاعتداء وتوقيتهما وأماكن حدوثهما، إلي درجة من التنظيم والتعمد؛ تهدف في النهاية لإرهاب النساء المشاركات وإقصائهن من الفعاليات الثورية" الإخصائية النفسية خلود صابر التي تعمل في مؤسسة حرية الفكر والتعبير قدمت من ناحيتها لوماً بصورة مختلفة لوسائل الإعلام لإصرارهم علي معرفة معلومات شخصية عن البنات اللاتي تعرضن لاعتداءات وتسليط الضوء عليهن علي حساب عرض المشكلة الرئيسية وعلي حساب خصوصية البنت حيث ذكرت أن حالة كانت تقوم بالدعم النفسي لها بسبب تسليط الإعلام الضوء علي ميعاد تواجدها في الميدان وعلي سنها وعلي ملابسها، عرف الأهل أنها تعرضت للحادث وقاموا بقطع التواصل معها من كل الاتجاهات وصاروا لا يردون علي أي اتصالات. العنف ضد المرأة ليس مرتبطا بالثورة والميدان، يحدث هذا الأمر قبل الثورة، يحدث في الأعياد التي أصبحت تسمي الآن، بمواسم التحرش والاعتداء علي السيدات. الجديد فقط هو هذا العنف المتزايد، هو الرغبة في هتك عرض الفتاة كأن من يعتدي يريد عقاب السيدات علي النزول للشارع" وتقول مزن حسن مديرة مركز نظرة للدراسات النسوية "لا أعرف شخصياً ما هو الحل لهذه الظاهرة، الحل ليس عندنا ولا عند »ضد التحرش« ولا عند المبادرات الأخري، الحل عند الجميع هؤلاء، كل فرد له دور، الدولة الغائبة عليها الدور الأكبر. وقالت مزن إن الدعوات التي تنادي بعدم نزول الفتيات للشارع ليست الحل، النزول للشارع، الاتجاه للعمل العام، المشاركة في المظاهرات هو اختيار المرأة، ومن واجب المجتمع أن يحافظ علي هذا الاختيار" وحول ما إذا كانت المجموعة تتهم جهة بعينها في تدبير الاعتداءات الممنهجة علي السيدات في الشارع تقول مريم "لسنا جهة تحقيق، ليس لدينا مخابرات عسكرية أو جهاز لجمع المعلومات، هناك جهات أقدر مننا علي معرفة الجناة. كما أننا أيضاً لسنا جهة عقاب، ونحن لا نستخدم العنف إلا في حالة واحدة فقط هي حالة الدفاع عن النفس نظراً لأننا نواجه متحرشين بسنج ومطاوي وأسلحة بيضاء.