"إشراك كافة قوي الشعب في صياغة مستقبل هذا البلد".. ربما تكون تلك هي القضية الأبرز التي ينتظر طرحها من جانب المسئولين الألمان، علي الرئيس الدكتور محمد مرسي، خلال زيارته المقررة اليوم وغداً (الأربعاء والخميس) إلي برلين، بحسب تأكيد قاطع للسفير الألماني بالقاهرة، ميشائيل بوك، في مؤتمر صحفي له الأحد. هنا قد يسأل البعض: هل يمثل الوفاق الداخلي لمصر أي أهمية للعملاق الأوروبي "ألمانيا"، أم أن الأمر يرتبط بنهج بعض القوي الخارجية في الحديث وربما التدخل في شئون بلادنا؟.. الإجابة علي هذا التساؤل تبدو واضحة، في كلام بوك: "مسألة إشراك الشعب في صناعة غد مصر، ضرورية لأن تجد البلاد طريقها الصحيح، وحتي يتاح للشريك الألماني تقديم الدعم والمساعدة بصورة يعتمد عليها". بوك لم يترك كلامه عرضة لأي تأويلات خاطئة أو تفسيرات مطاطة. يقول: "إشراك الشعب كله في الإدارة، يعني إتمام مصالحة". غير أنه اعترف بصعوبة تلك المهمة، خاصة أنها تتطلب تحديد كيفية تحقيق المصالحة والآليات التي تتم بها، علي أساس أن هذا الأمر ضروري لإنجاحها، قبل أن يجزم أيضاً بلا مواربة، بأن شكل تلك الآليات، سواء بتغيير الدستور أو تعديله، أو بتبني أي نهج آخر، هي قضية يقررها المصريون بأنفسهم، وتابع بحسم "لا يبدو لائقاً . قيام حكومة أجنبية بتعليم المصريين ذلك، أو أن تخبرهم: كيف يجب أن يكون الدستور.. تلك مسألة يقررها شعب مصر بإرادته. دعوة ألمانيا للمصالحة بين التيار الليبرالي العلماني ونظيره، تيار الإسلام السياسي، تبدو في رأي بوك أيضاً، أعمق بمراحل من أن تشكل حكومة جديدة، حكومة وطنية، بشكل عاجل من عدمه، في حين أنه أبي الحديث في تفاصيل السياسة الداخلية لمصر، خاصة أن ذلك الاقتراح (حكومة الإنقاذ الوطني) هو مطلب ملح للمعارضة حالياً. ثم عاد وأكد علي أنه "من المهم أن يتلاقي الفريقان (الإسلاميون والليبراليون)، ووضع حد للمعركة المتصاعدة بينهما للوصول إلي السلطة، حتي يتسني لمصر أن تكون مثالاً يحتذي به، في جميع أنحاء العالم". ولم يخف أيضاً ما يساوره من قلق، جراء أن القوتين الكبريين في هذا البلد، قد فشلتا حتي الآن في التقارب علي النحو المأمول، وأطلق نداءً لجميع المتناحرين في مصر بقوله "كفاكم صراعاً وتوقفوا عن محاولة الاستحواذ علي الدولة بنسبة 100٪. كلام بوك جاء بعد أقل من يوم من صدور بيان لوزير الخارجية الألماني جيدو فيستر فيله، عبر فيه عن قلقه إزاء الأحداث والاضطرابات المشتعلة في مصر، مع حلول الذكري الثانية للثورة المصرية، مؤكداً أن "القاهرة لم تجر بعد نقاشاً سلمياً، حول الطريق الصحيح الذي يفترض سلوكه لصنع مستقبل إيجابي للبلد". كما نوه أيضاً إلي أن التظاهر السلمي حق مطلق وبلا حدود، قبل أن يجدد التأكيد علي استعداد برلين لدعم المرحلة الانتقالية. وبحسب السفير الألماني بالقاهرة، ينتظر أن يشتمل برنامج زيارة الرئيس مرسي لألمانيا، في حال عدم إلغائها بسبب أحداث العنف والاضطرابات في القاهرة وبورسعيد والسويس، وعدد من المحافظات، لقاءً مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ومع الرئيس الاتحادي لألمانيا، يواخيم جاوك، فضلاً عن لقاء سياسي مطول مع أعضاء البرلمان الألماني، إلي جانب مجموعة من الفعاليات الاقتصادية الأخري. وعلي ذكر الفعاليات الاقتصادية، لم يجمل بوك رؤية بلاده للوضع الاقتصادي السيئ في مصر، وقال إنه "مستمر في التفاقم، ونحن علي استعداد للمساعدة"، لكنه حصر تقديم تلك المساعدة في الاسهام في أن يتولي المصريون مساعدة أنفسهم بأنفسهم. وشدد بقوله "هذا يتوقف علي القرارات الضرورية التي يجدر بالحكومة في مصر تبنيها واتخاذها، حتي يتسني لصنبور المساعدات الأجنبية، أن ينفتح". وعليه لم يخف أن حكومته خصصت مساعدات مالية كبيرة لمصر، تتجاوز ما سبق أن خصصته برلين للقاهرة، وقال صراحة "افترض أنه من النتائج المتوقعة لزيارة الرئيس مرسي، أن يزاح الستار رسمياً، عن حجم تلك المخصصات"، رافضاً الكشف عنها بقوله "لا أود استباق الأمور". ولا يبدو أن ملف حقوق الإنسان، وقمع الحريات والتعبير عن الرأي في مصر، وضرورة إجراء حوار جاد مثمر بين جميع القوي الفاعلة، سيكون بعيداً عن اجتماعات ومناقشات الدكتور مرسي في برلين. خاصة أن ألمانيا، حكومة وبرلمان وممثلين للمجتمع الأهلي، يضعون هذا الملف كأحد محددات التعاون مع دول الربيع العربي. في هذا السياق، وفي تصريحات نقلتها، هيئة الإذاعة الألمانية، دويتشه فيله، مؤخراً، عن روبريشت بولانز، النائب في البرلمان الألماني (البوندستاج) عن الحزب الديمقراطي المسيحي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، هناك إشارة صريحة إلي أن الحوار وحده، في الحالة المصرية، يمكن أن يرسخ مبدأ حقوق الإنسان وأسس دولة القانون. مشدداً علي أن الألمان علي قناعة تامة بضرورة تحقيق هذا المبدأ، باعتباره من مطالب الثورة الأساسية، علي أرض الواقع، ما يعني ببساطة تحقيق مصلحة المصريين العليا. من جانب آخر، تشير جميع الدلائل إلي أن الجانب الألماني، سيفاتح الرئيس مرسي، أو علي أقل تقدير الوفد المرافق له، في ملف عشرات الجهاديين والسلفيين الألمان، ممن تركوا بلادهم طيلة العام الماضي، وتشير معلومات الاستخبارات الألمانية، إلي توجههم وربما استقرارهم في مصر، للالتحاق بالتخوم الجهادية في سيناء، أو لاستخدامها كمعبر، للوصول إلي غزة أو إلي سوريا، للاشتراك في أعمال القتال الدائرة هناك. أو استخدام الأراضي المصرية، كمحطة ترانزيت للوصول إلي مالي.