ألمانيا تقف علي أطراف أصابعها.. التهديدات السلفية القادمة إليها من قلب مصر، بارتكاب عمليات إرهابية علي أراضيها، باتت بالصوت والصورة، في حين تحولت المخاوف المتصاعدة، بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في برلين، منذ فترة، علي خلفية تنامي ظهور عدد من الألمان المتشددين، ممن يعتنقون الفكر السلفي الجهادي والتكفيري، في الداخل والخارج، كابوساً يؤرق الجميع هناك، وفي المقابل رجحت مصادر دبلوماسية غربية، طلب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، المساعدة رسمياً، من الرئيس مرسي، خلال زيارته المرتقبة للجمهورية الاتحادية. "أيها الألمان لن تعيشوا في أمان"، رسالة تهديد مفزعة، بعث بها مغني الراب الألماني الشهير، دينيس مامادو كوسبيرت، الذي تحول في فترة وجيزة لمطرب الأناشيد الجهادية، وأحد السلفيين المتشددين في ألمانيا، عبر فيديو مصور له مؤخراً، ترجح الأجهزة الاستخباراتية الألمانية، أنه سجله في مقر إقامته في مصر، حيث هرب إليها واستقر بها منذ يونيو الماضي، علي خلفية قرار وزارة الداخلية الألمانية، بحظر نشاط جماعة "ملة إبراهيم" السلفية المتشددة، بتهمة خرق النظام الدستوري، والتي يعد كوسبيرت إلي جانب السلفي النمساوي، محمود محمد (27 عاماً، ويشار إليه في الأوساط الجهادية بكنية أبو أسامة الغريب) أهم مؤسسيها، فضلاً عن أن صدور أمر اعتقال في حق كوسبيرت، إثر تفتيش شقته في برلين من قبل الشرطة، والعثور علي سترة متفجرات ناسفة فيها، قد عجل بمسألة هجرته الغامضة. كوسبيرت بدا محدداً وجاداً في تهديداته المصورة، مخاطباً ميركل، ووزيري داخليتها وخارجيتها، هانز بيتر فريدريش وجيودي فيستر فيله، بحسم "أنتم ترصدون الملايين والمليارات من أجل الحرب علي الإرهاب، ولذلك سيكون هذا البلد، جمهورية ألمانيا الاتحادية، مكان المعركة"، وتابع بحدة شديدة "سننقل الجهاد إلي بلادكم، فطويلاً ما أرقتم دماءنا، فستدفنون هنا (يقصد ألمانيا)، هنا سيكون قبركم"، قبل أن يخاطب أتباعه الألمان "ابقوا من أجل الجهاد، هاجروا، أو ابدأوا الجهاد فوراً". كان كوسبيرت واحداً من نحو 23 سلفياً ألمانياً، من بينهم أيضاً الملاكم السابق بيره فوجيل، والمعروف باسم "سيفين لو" من مدينة مونشنجلادباخ، يصنفون تحت بند الخطرين، هربوا إلي مصر، في يونيو الماضي، للحاق بمحمد محمود، الذي يعرف في الأوساط الأمنية الأوروبية ب"طالبان فيينا"، وكان قد قضي عقوبة السجن، أربع سنوات، لتأسيسه ودعمه جماعة متطرفة، في موطنه بالنمسا، فضلاً عن جهره بأن هذه الأرض ملك لله، وليس البشر، وأنه يسعي لفتح تلك الأرض (يقصد النمسا وألمانيا، وأوروبا عموماً)، لتطبيق شريعة وحكم وحدود الخالق عليها، ولتطهيرها من الكفر والإلحاد. كانت الشكوك أثيرت حول محمد محمود، في العام 2007 حينما رصدت المخابرات النمساوية، بالتعاون مع عدة أجهزة استخباراتية دولية، اتصالات وإسهامات له مع موقع جبهة الإعلام الإسلامية العالمية، علي شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وهو موقع يرتبط بعدد من التنظيمات الجهادية المسلحة، وعلي رأسها تنظيم القاعدة، فيما اعترضت الأجهزة الأمنية النمساوية، رسائله التي كان يوجهها، عبر الموقع إلي زعماء القاعدة، طالباً الانضمام إليها، وفي إحداها كتب " ضعوني علي الطائرة التالية المتجهة إلي لندن أو واشنطن.. وامنحوني تي إن تي وديناميت وكفن".. بينما كان ظهوره ملثماً في برنامج تلفزيوني، بثته قناة "شبيجل تي في"، في ذلك الوقت، وترديده الآية الكريمة "فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ"، القشة التي قصمت ظهره وكشفت هويته. ومن ثم تم القبض عليه والحكم عليه بالسجن، ثم أفرج عنه في سبتمبر من العام 2011 ليغادر مباشرة إلي ألمانيا. إلي أن تم حظر إقامته بها، في أبريل الماضي، نظراً لتكرار خطب الكراهية والتحريض التي يلقيها علي أتباعه ضد السلطات الألمانية والمجتمع الألماني، الذي يصفه دوماً بالكافر، ومن ثم انتقل وزوجته المنتقبة إلي مصر، قبل أن يتبعه عدد من أنصاره، كان علي رأسهم مغني الراب السلفي. كما قالت كاترين رباند، من هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، في ولاية هيسن الألمانية، ل"شبيجل تي في".. "إن الأخير بدا واضحاً في إسهاماته الراديكالية تجاه الناس". في حين رصدت الأجهزة الأمنية في برلين، عبر عمليات منظمة لاختراق المكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني الخاص بعدد من المشتبه فيهم، نحو 30 إلي جوار زعيمهم "محمد محمود"، بحثاً عن الإسلام الحقيقي، والاستعداد للجهاد ضد "الكفرة"، خاصة أن الأخير بث لهم رسالة مصورة أيضاً من مصر، قبل نحو شهر، قال فيها نصاً "سأدخل ألمانيا مجدداً في حالة واحدة، كفاتح، ومن أجل تطبيق الشريعة هناك، أنا لا أبقي في بلد أعيش فيه بين الكفار"، قاطعاً بأن المسلمين سيلاحقون ويحاربون في ألمانيا، وعليه فإن "الهجرة إلي بلد مسلم مثل مصر، بات واجباً شرعياً لكل مسلم"، علي حد قوله. من جانبها، بدت برلين قلقة بشدة، من تواجد سلفييها الخطرين في مصر، بعيداً عن أعين أجهزتها الاستخباراتية، ومن ثم كان قرارها، الذي بدا متأخراً نوعاً ما، بمنع سفر كل من تشتبه في أن له صلة بأي جماعة أو فكر إرهابي. الشهر الماضي منعت السلطات الألمانية سفر شاب "متدين" ادعي توجهه إلي مصر لدراسة اللغة العربية. رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية، هانز جورج ماسن، وهو رجل قانون ومتخصص في مكافحة الإرهاب، وتقلد منصبه قبل أسابيع قليلة، لم يخف خشيتهم في برلين، من الإقبال المتصاعد للسلفيين والأصوليين، للهجرة إلي مصر، استناداً لصعود القوي الإسلامية فيها، وقال في مقابلة صحفية قبل أيام، مع جريدة "تاجس شبيجل" اليومية "البلاد ستكون هدفاً للجهاديين". ولم يخف رئيس مكتب التحقيقات الجنائية الاتحادي، في برلين، يورج تيرسكه، في مقابلة له مع التليفزيون الرسمي الألمانيZDF مؤخراً، رعبه من أن يتخذ السلفيون الألمان من مصر محطة ترانزيت، للانتقال إلي مناطق الصراع في باكستان والحدود الأفغانية، أو إلي الأماكن الأفريقية المتأزمة مثل الصومال أو مالي، أو ينضمون إلي القاعدة في المغرب، أو يلتحقون بمعسكرات تدريب علي الأعمال القتالية مع الإسلاميين في سيناء، كما لم يستبعد انتقال عدد منهم "للجهاد في سوريا"، جازماً بأن السلفيين "سيجمعون خبرة من الصراع في سوريا أو في العمليات الإرهابية في سيناء، ثم يعودون إلي أوروبا مجدداً"، وتابع بأن الخوف من وجود عناصر للقاعدة في مصر بعد الثورة، أو أنهم قد تم إرسالهم خصيصاً إلي هناك، لتشكيل وبناء شبكات يمكن استخدامها ضد الغرب، عموماً، ودول غرب أوروبا تحديداً. تيرسكه وغيره من مسئولي الأجهزة الأمنية في برلين، قلقون من تشكيل حلف سلفي في مصر، يقوم بأعمال "استشهادية في ألمانيا"، حتي أنه قال لZDF تعليقاً علي فيديو مغني الراب كوسبيرت "نأخذ الموضوع علي محمل الجد، فهناك إشارة علي أن شخصاً قد قرر أن يموت شهيداً"، مشدداً علي أن عودة السلفيين من مصر أكثر عنفاً، واحتكاكهم باليمين الألماني المتطرف والنازيين الجدد، سيكون بمثابة "اللعب بالنار".. وقد نفت مصادر مطلعة بالسفارة الألمانية، في القاهرة ل"آخر ساعة"، علمها بأي تفاصيل أو تطورات في الموضوع، وإن جزمت بضرورة وجود اتصالات بين الأجهزة الأمنية في البلدين، في هذا الشأن، بينما كشف صحيفة "فيلت" اليومية الألمانية، واسعة الانتشار، نقلاً عن مصادر استخباراتية ألمانية، أن مراقبة الإرهابيين والإسلاميين الخطرين أسهل في ألمانيا، فالوضع أكثر صعوبة في مصر، وأصبح جاذباً للإسلاميين والجهاديين الراديكاليين، وتبقي حادثة رفح مثالاً علي ذلك.