سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكام مصر.. من مينا إلي مبارك (الحلقة الثالثة والأربعون) اللواء محمد نجيب:أجهزة عبدالناصر تخلصت من أولادي
ابن رئيس الجمهورية يعمل علي سيارة أجرة في الضواحي
عندما سبني وضربني ضابط برتبة صغيرة!
عبدالناصر وعبدالحكىم عامر.. مشوار تفاهم واتفاق كانت دماء أبناء مصر ودماء خيرة شبابها دائما.. ثمن البقاء في السلطة.. وكان للواء محمد نجيب ثلاثة أولاد ذكور.. أحدهم هو »فاروق« الذي كان أحد هؤلاء الشباب.. تعذب فاروق وهو صبي نفسيا، وتعذب جسمانيا وهو شاب ورجل.. ومات من القسوة والغم والقرف.. أما ولداه الآخران.. فقد قتل »علي« في ألمانيا.. و»يوسف« كان موظفا بإحدي شركات الدولة، ولكنهم فصلوه من عمله بعد إصدار قرار جمهوري برفته والتخلص منه. ولندعه يحكي التفاصيل: في هذه الحلقة يتابع اللواء محمد نجيب (أول رئيس مصري لجمهورية مصر العربية) شهادته للتاريخ علي ماجري.. إنه يكشف ماذا فعلت حركة يوليو في مصر.. كيف أزالت الاحترام بدلا من الفوارق بين الطبقات.. كيف أطاحت بالكرامة في الوقت الذي كانت تقول فيه (ارفع رأسك يا أخي).. أي تغيير وقع في مصر؟! ذات يوم جاءني ابني فاروق بعد أن جئنا إلي معتقل المرج جاء إليّ فاروق ليسألني في اهتمام شديد: أبي.. هل صحيح أنك كنت رئيسا للجمهورية؟ .. يقول: وتعجبت للسؤال.. لكني ابتسمت لفاروق، وداعبته، وقلت له: نعم يا بني .. لكن ما الذي جعلك تسأل هذا السؤال.. هذا تاريخ مضي وانقضي.. ولمحت دموعا حائرة في عيني الصبي، وهو يقدم لي كتابا في المطالعة، جاءت فيه هذه العبارة: »وجمال عبدالناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر«. رفعت المطابع اسمي من كافة الكتب.. شطبوا اسمي من التاريخ.. وزوروا التاريخ.. بل وحاولوا أن يتعاملوا معي كأنني لم أوجد ولم أولد وكأنني كذبة أو خرافة أو إشاعة.. وهكذا يزيف التاريخ ببساطة.. وهكذا يتعلم الأولاد الكذب.. لكنني علي كل حال لست أول من فعلوا به ذلك.. فقد سبقني علي الأقل سعد زغلول الذي وصفوه بأنه قفز علي ثورة 9191 ونصب نفسه زعيما عليها دون وجه حق. وفعلوا نفس الشيء بمصطفي النحاس، الذي عندما مات، قبضوا علي كل من مشي في جنازته، وظل محرما علي المصريين أن يذكروه أو يتحدثوا عنه.. إلي هذا الحد تصور عبدالناصر أنه يمكن أن يعيد صياغة وكتابة التاريخ حسب مايريد. لكن .. هل يمكن أن يغير التزييف حقيقة التاريخ؟.. لا أعتقد.. وقلت لصغيري: لا تبتئس يا بني هذه إرادة الحاكم وليست إرادة الشعب.. ولا أعرف ما إذا كان ابني قد فهم هذا الكلام أم لا .. ولا أعرف ما إذا كان قد صدقني ساعتها، أم صدق كتبه المدرسية.. لكنني أعرف أنني حزنت جدا لأن ابني قد يعتبرني كاذبا، وهو أشق ما يمكن أن يتحمل أب من ابنه.. وحزنت جدا لأنهم أصدروا حكم الإعدام علي اسمي وأنا لا أزال علي قيد الحياة.. وأعرف أن فاروقا، عرف الحقيقة كاملة عندما كبر. أولادي ضحايا وأعرف أن فاروقا ذاق العذاب علي يد زبانية عبدالناصر الذين تسببوا في تحطيمه وانهياره وموته في النهاية، فعندما كبر فاروق شرب من نفس الكأس الذي شربت منه.. فقد استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه ويسيرون وراءه،، قال له: ماذا فعل أبوك للثورة.. لاشيء.. إنه لم يكن أكثر من خيال مآتة.. ديكور.. واجهة.. لا أكثر ولا أقل فلم يتحمل فاروق هذا الكلام علي أبيه، وضربه.. ويومها لم يعد فاروق إلي البيت.. ولم ينم فيه.. قبض عليه.. واتهموه بالاعتداء علي النظام وبسبه، ودخل ليمان طرة مع المعتقلين السياسيين، وبقي هناك خمسة شهور ونصف .. خرج بعدها محطما ومنهارا ومريضا بالقلب. وبعد فترة قليلة مات .. مات من القسوة والغم والقرف. كان ذلك عام 9691.. وقبل ذلك بعام واحد، قتل ابني الثاني »علي« .. في ألمانياالغربية كان علي يدرس في ألمانيا، وكان زعيما طلابيا له نشاط واسع ضد اليهود هناك.. كان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر وعن الثورة وعن حق الفلسطينيين.. ولم يعجب هذا بالطبع، رجال المخابرات المصرية، الذين رأوا في نشاطه إحياء للكلام عن أبيه.. عني.. وفي ليلة ما كان علي يوصل زميلا له بعد أن انتهيا من استذكار دروسهما فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وامرأة تهجم عليه وتحاول قتله.. وعندما هرب.. جرت وراءه السياراة، وحشرته بينها وبين الحائط، ونزل الرجال الثلاثة وأخذوا يضربونه حتي خارت قواه ونزف حتي الموت.. وتمدد علي غارقا في دمائه علي الأرض، دون أن يتقدم أحد لإنقاذه.. ونقل جثمانه من ألمانيا إلي مصر، ودفن، دون أن يسمح لي باستقبال نعشه، أو قراءة الفاتحة علي قبره. أما ابني الثالث (يوسف) فلم يكن رغم بعده عن النشاط العام، أكثر حظا من أخويه.. فبعد أن تخرج في معهد العلوم اللاسلكية اشتغل في إحدي شركات الدولة، ولكنهم لم يتركوه في حالة.. افتعل أحد أقارب شمس بدران مشاجرة معه، انتهت بإصدار قرار جمهوري برفته والتخلص منه.. ولم يجد يوسف مايفعل سوي أن يعمل علي سيارة أجرة في الضواحي.. ثم عمل بعد ذلك في شركة المقاولون العرب سائقا في الصباح.. وعلي تاكسي اشتراه بالتقسيط في المساء. العذاب ألوان لقد تعذب أولادي كما تعذبت أنا.. تعذبنا جميعا منذ دخلنا معتقل المرج.. كان ممنوعا علينا أن نستقبل أحدا.. وبعد سنوات طويلة سمحوا لنا بذلك، لكن علي شرط أن يجلس معنا ضابط ليسجل كل ما يقال.. وكانت إحدي نقاط الحراسة تقع علي السطح، وكان لابد للجنود والضباط ليصلوا إليها أن يمروا بحجرة نومي.. وكان من الطبيعي ومن المعتاد أن يفزع الجنود أفراد أسرتي بإطلاق الرصاص في الهواء، في منتصف الليل، وفي الفجر، وفي أي وقت يتصورون أنه مناسب لراحتنا.. وكانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلي المدارس، فيصلون إليها متأخرين ولا تصل إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من في المدرسة، فيعودون إلي المنزل مرهقين، غير قادرين علي المذاكرة.. وكل ما يفعلونه هو أن يأكلوا ويناموا.. وكان علي كل من في البيت ألا يخرج منه من الغروب حتي الشروق.. وكان علينا أن نغلق النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه عمدا الجنود والضباط، وهربا من جحافل الناموس التي تملأ المنطقة.. كانت نسمة الهواء ليلا في الصيف محرمة علينا.. ولم تفلح الشكوي التي اضطررت إليها بسبب الأولاد، إلي عبدالحكيم عامر، وإلي غيره.. وقد كتبت لعبد الحكيم عامر عشرات الخطابات بلا جدوي. ضربني ضابط صغير وذات يوم فوجئت بحضور ضابطين من ضباط البوليس الحربي هما جمال القاضي ومحمد عبدالرحمن نصير.. جاءا لينقلاني إلي مكان آخر. لم أعرف إلي أين.. ولم يقولا لي.. وعندما سألتهما.. كان الرد بشعا.. اعتذر عن عدم ذكره، وأشعر بالقيء كلما تذكرته.. كان الجواب سيلا من الشتائم، حاولت وقفه بصرخة احتجاج، فإذا بضابط منهما يدفع يده في صدري ويلكزني فيه.. ودارت بي الدنيا.. وهانت عليّ الحياة.. وهممت بالهجوم عليه، لكن أيدي الجنود حالت بيني وبينه.. وساعتها أدركت ماذا فعلت حركة يوليو في مصر.. كيف أزالت الاحترام بدلا من الفوارق بين الطبقات.. كيف أطاحت بالكرامة في الوقت الذي كانت تقول فيه أرفع رأسك يا أخي.. أي تغيير وقع في مصر.. أي انهيار حدث في تقاليد الجيش. كيف تتجرأ رتبة صغيرة علي سب رتبة أكبر منها وضربها إذا استدعي الأمر. وبعد أيام حضر حسين عرفة ضابط البوليس الحربي وقائد المباحث العسكرية الجنائية، يعتذر لي عما بدر من الضابط ويبلغني أننا سننتقل إلي جهة أخري بعد تغيير الضابطين جمال القاضي ومحمد عبدالرحمن نصير وانتقلنا إلي بيت محام في طما، عرفت أنه زوج شقيقة أحمد أنور وعديل حسين عرفة.. وبقيت هناك في إحدي الغرف 95 يوما كاملة، في حجرة رطبة، لاتدخلها الشمس.. وعند النوم، أنام ومعي حراسة مشددة داخل الحجرة.. حتي حرية النوم بمفردي فقدتها!