محكمة الثورة: حسن إبراهىم عضو »الىمىن« وأنور السادات عضو »الىسار« وعبداللطىف البغدادى رئىس المحكمة بعد اعتقال ضباط المدفعية كان أعضاء مجلس قيادة الثورة أشد إصرارا علي الظهور بأنفسهم علي خشبة المسرح بعد أن كانوا يؤدون أدوارهم خلف الكواليس.. وبدأ أعضاء المجلس يتحولون إلي مدنيين يباشرون مسئولياتهم السياسية بعيدا عن صفوف الجيش.. وبدأت مصر تعاني من ازدواج السلطات. وبدأ رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب يشعر بالضعف أمام الأغلبية في مجلس قيادة الثورة. وبدأ نجيب يشعر أنه لايمارس سلطاته كما يجب.. فماذا حدث؟.. وكيف جرت الأحداث بعد ذلك؟ يواصل اللواء محمد نجيب شهادته علي الأحداث والأشخاص عن هذه الفترة.. يقول: كنا قد اتفقنا قبل الثورة علي أن تصدر القرارات بالأغلبية.. وهو مانفذ بعد الثورة.. لكن .. كان معني ذلك أن المجلس هو الذي يحكم فعلا، بينما أنا مسئول عن هذه القرارات حسب نصوص الدستور المؤقتة.. ورفضت هذا الوضع.. وطالبت إما بممارسة سلطات كاملة وإما أستقيل.. وكانت هذه المطالبة بداية الخلافات الحادة بيني وبين باقي أعضاء المجلس.. ويبدو أنهم أحسوا بأن ذلك سيسحب البساط من تحت أقدامهم، خاصة أن شعبيتي في مصر والسودان كانت قد وصلت للذروة.. فبدأ الشك يقف بيني وبينهم.. ثم.. وقعت مفاجأة أخري.. لاحظت أنهم يعقدون جلسات المجلس بدوني.. ولاحظت أنني إذا حضرت بالصدفة وهم يجتمعون، توقفوا عن الكلام، وغيروا الحديث، واتجهوا إليَّ متسائلين عما يجب مناقشاته.. ولاحظت أنهم أصبحوا يجتمعون في أماكن أخري، بعيدة عني، خارج مقر المجلس.. ويبدو أنني كنت بريئا أكثر من اللازم.. فلم أتصور أنهم يحاولون إبعادي أو عزلي، وإنما تصورت أن مايفعلونه سببه فارق السن الذي بيني وبينهم والذي تصورت أنه بدأ يلعب دوره. لم أتصور أن هناك بيني وبينهم تناقضات أو خلافات، أو أشياء من هذا القبيل.. وكما قلت قبل ذلك: »دفعني هذا الاعتقاد إلي الحذر..بل الحذر الشديد.. مما دفعني إلي ارتكاب خطأ.. بل خطأ جسيم«!.. خطأ جسيم بلغني يوما من مصدر خارج الجيش أن خالد محيي الدين وثروت عكاشة غير راضيين عن تصرفات جمال عبدالناصر الذي بدأ ينفرد بنفوذه ويشكل قوة خاصة داخل المجلس.. وأنهما يعانيان من تأثيره علي بعض الأعضاء وإطلاقه جمال سالم مثلا للهجوم علي كل من يعترضه بينما هو صامت لايظهر انفعالا. وقال المصدر: إن خالد وثروت مستعدان لتأييدي في مواقفي داخل المجلس وخارجه.. وأحسست وقتها أن فخا ينصب لي وأني علي وشك الوقوع فيه.. إنني منذ اللحظة الأولي لم أطلب تأييد واحد منهم ولم أحاول تشكيل شلة من بينهم ولم أجابههم إلا بالصراحة وبكل مافي قلبي.. وخشيت أن أتورط في المواقف فأزيد من الإثارة والتمزق .. وحاولت أن أكشف الحقيقة عن طريق تفجير الموقف .. فرويت القصة كاملة في أحد اجتماعات المجلس.. وكانت صدمتي شديدة عندما تبينت أن ذلك لم يكن اتفاقا مدبرا بينهم، وأن صراحتي قد وضعت خالد وثروت في موقف حرج.. ولكن عذري في ذلك كان شعوري.. بل يقيني أن جمال عبدالناصر مواصل عمله التنظيمي داخل الجيش بعناصر مرتبطة به.. بعضها من الضباط الأحرار والبعض من العناصر الجديدة، وكذلك ما أعلمه علم اليقين عن العلاقة الوثيقة التي تربط جمال عبدالناصر بخالد محيي الدين. كان عبدالناصر بالفعل قد طلب تحديد خلايا الضباط الأحرار في الجيش، بعد الثورة، وأن تقوم هذه الخلايا بكتابة التقارير عن الحالة داخل الوحدات، كما أن من المهام التي كلفها بها، الدعوة لأي قرار يتخذ في المجلس، كما حدث بعد إقالة رشاد مهنا.. لكن، هذه الخلايا لم يكتب لعملها النجاح بعد أن فقد أعضاؤها الإيمان برجال القيادة، بسبب الفضائح التي أشيعت عنهم، والانحرافات التي نسبت لهم. وكنت أرفض هذا الأسلوب، وحذرت جمال عبدالناصر منه بصراحة، وطلبت منه حل كل التنظيمات السرية التي كونها داخل الجيش، والاكتفاء بالتنظيمات العلنية خارجه.. كنت أري أن وجود التنظيمات السرية داخل الجيش سيؤدي إلي التصادم والاشتباك فيما بينها وربما إلي الانقلابات أيضا.. وقد حدث ماتوقعته.. ووقعت حركة المدفعية.. وبعدها جاء تمرد الفرسان. مشكلة الازدواجية وعندما رفض عبدالناصر وجهة نظري، مستندا في ذلك، إلي أن مايفعله يمثل قرار الأغلبية في المجلس، أجلت بحث هذا الموضوع، حتي ننتهي من علاج مشكلة أخري.. هي مشكلة الازدواجية بين الحكومة والمجلس. ناقشت هذه المشكلة مع د.السنهوري وسليمان حافظ، واتفقنا علي تشكيل لجنة اتصال دائمة بين الحكومة والمجلس، تقوم بالتحكيم بينها إذا وقع الخلاف وشُكلت اللجنة برئاستي، وعضوية سليمان حافظ والدكتور عبدالجليل العمري، وأحمد حسني، وفؤاد جلال، والشيخ أحمد حسن الباقوري، عن الوزارة.. وجمال عبدالناصر، وجمال سالم، وعبدالحكيم عامر، وعبداللطيف البغدادي، عن المجلس.. وكانت هذه اللجنة تجتمع في ثكنات قصر النيل.. وكانت اجتماعاتها سرية.. وظلت لجنة التحكيم قائمة حتي أعلن إسقاط دستور 3291، فاستعيض عنها بمؤتمر مشترك من كل الوزارة وكل المجلس، يجتمع كل أسبوعين، علنا.. في اللجنة كان الوزراء يجلسون بالتبادل.. وزير ثم ضابط.. وهكذا.. وفي المؤتمر كان الوزراء يجلسون في جانب.. وكان الضباط يجلسون أمامهم علي الجانب الآخر. علي أن كل هذه المحاولات لم تنجح في سد ثغرة الازدواجية بين المدنيين والعسكريين، ولا بين الوزارة ومجلس القيادة.. حتي أن سليمان حافظ في أحد اجتماعات المؤتمر المشترك في مايو 3591 أعلن ذلك بصراحة، وطلب من الوزراء المدنيين أن يستقيلوا فورا ليعطي الفرصة لمجلس القيادة في اختيار الحكومة المناسبة له.. كان سليمان حافظ عسكريا أكثر من العسكريين.. وكان هذا التصرف منه تأكيدا علي أن الأولي بالسلطة هم الضباط، وأن عليهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم.. وعارضت الأمر.. ولم أقبل استقالة الوزراء المدنيين.. وتركت الموقف علي حاله. وكما عرفت بعد ذلك كانت »حركة« سليمان حافظ، المباغتة، تمهيدا لإعلاني رئيسا للجمهورية ولإبعادي عن الجيش، وضع سلطة التصرف فيه إلي عبدالحكيم عامر، الذي رقي رغم معارضتي من صاغ إلي لواء، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة. محكمة الثورة وكان أول خلاف بيننا في تلك الفترة حول »محكمة الثورة«.. لأننا سنكون، كما قلت، خصما وحكما في نفس الوقت.. وتشكلت المحكمة في أوائل سبتمبر 3591، من عبداللطيف البغدادي رئيسا، وحسن إبراهيم وأنور السادات أعضاء.. وخولت هذه المحكمة سلطات محاكمة قضايا الخيانة العظمي وبعض قضايا أمن الدولة.. وكان من حقها أن تكون جلساتها علنية أو سرية.. أما أحكامها فلا تكون نهائية إلا إذا صدق عليها مجلس الثورة بالأغلبية.. ولم تكن هذه المحكمة سوي أسوأ دعاية للثورة.. فقد أشاعت الكراهية لنا بعد إعادة اعتقال بعض الزعماء السياسيين الذين سبق الإفراج عنهم.. حتي إنني نجحت في إلغائها بعد ذلك. لكن بين 62 سبتمبر 3591 و 03 يونيو 4591، نظرت المحكمة 13 قضية، وحكمت علي 4 أشخاص بالخيانة العظمي والإعدام، ونفذ فيهم الحكم فعلا.. وكان خامسهم إبراهيم عبدالهادي رئيس وزراء مصر الأسبق، الذي حكم عليه بالإعدام أيضا، لكنني خففت الحكم، عندما طلبوا التصديق عليه، إلي الأشغال الشاقة. أزمة النحاس باشا بعد فترة قصيرة، قدم جمال عبدالناصر لمجلس الثورة بصفته وزيرا للداخلية كشفا بأسماء بعض الزعماء السياسيين، الذين رأي أنهم خطر علي النظام، ورأي أن من الضروري اعتقالهم.. وكان من بينهم مصطفي النحاس، الذي طلب تحديد إقامته.. ورفضت ووافقني المجلس علي رفضي.. وتم شطب اسمه من الكشف، ووقعت الكشف.. لكنني فوجئت بأنهم أعادوه للكشف بعد توقيعي.. واعتبرت ذلك تزويرا لايمكن السكوت عليه.. وطلبت شطب اسم النحاس من جديد.. فقال جمال عبدالناصر: إن الشطب بعد نشر الكشف في الصحف يزيد الموقف بلبلة.. وتعجبت من تصرف عبدالناصر.. وتعجبت من موقفه من النحاس، الذي سبق أن قال لي عنه: إنه رجل طيب واللي يتعرض له مايشوفش خير. ومرة أخري قررت الاعتكاف في بيتي. إلي هذا الحد كنت أرفض قرارات المجلس، سواء منه مباشرة، أو التي يصدرها من خلال محكمة الثورة.. فقد شملت هذه القرارات الكثير من فئات الشعب.. وزادت من حجم أعدائنا.. وضاعفت من كراهية الناس لنا خاصة قرارات محكمة الثورة، التي حكمت بمصادرة 223 فدانا من أملاك زينب الوكيل، حرم النحاس باشا.. وحكمت علي الدكتور أحمد النقيب، وعلي سائق الملك فاروق، وعلي كامل القاديش محافظ القاهرة الأسبق، بالسجن لمدة 51 عاما.. وحكمت علي أربعة من الصحافيين، منهم أبوالخير نجيب صاحب جريدة »الجمهور المصري« ومحمود أبوالفتح صاحب جريدة »المصري« بالمؤبد، وبمصادرة صحفهم، بتهمة إفساد الحياة السياسية. ويضاف إلي هذه القرارات، قرارات أخري صدرت، رغم أنني رفضت التوقيع عليها، منها القرار الجمهوري، الذي لم أوقعه لسحب الجنسية المصرية من ستة مصريين من الإخوان المسلمين منهم عبدالحكيم عابدين، والذي صدر من ورائي، ونشر باسمي في الوقائع المصرية!