لوّنته الأرض التي دفنتم فيها ياسر عرفات، أرض لم تسمح لرُفاته الاستقرار حتي بعد الموت.! الأرض التي تسلُب المساحة المطلوبة في الرّحم من الجنين، والمُتاحة في الّلحد للدّفين.! إنها تُلبس الأخضر يابسا وتلوّن الأبيض أحمر.! الدنيا مصابة بعمي الألوان، لاتري الأحمر أحمر إلا إذا اختلط الدم الفلسطيني بالدم الإسرائيلي! ثمانية أيام والمجزرة بشلاّلات من الدماء الفلسطينة، لم يُر فيها اللون الأحمر، إلا إذا نطق (اوفير جندلمان) المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اليوم الثامن: "أن قنبلة انفجرت في حافلة بوسط تل إبيب، وأنه كان هجوما إرهابيا.! وأن معظم المصابين أصيبوا بجروح طفيفة.!" هنا فقط بدا اللون يتغير، رغم وصفه الجروح "طفيفة.!" يبدوا أن إسرائيل لاتحبّ لون الدم ولا رائحته ولو من جروح طفيفة، لأنه عمل إرهابي.! ونحن لانحب الإرهاب وندينه، فلم نحب لون الدم الفوّار بمجزرة عائلة (الدلو الفسلطينية).! وكان لونه أحمر ما رأته إسرائيل أحمر، لأنها اعتقدته نهرٌ لبن غير قابل للتلوين، إلا إذا اختلط الدم الفلسطيني بالدم الإسرائيلي.! في الليل كان قد أبلغني إبليس عن هدنة ستقع نهارا بغزة، لكنّي أنا الإبليس فاسمعوني، لن أقول لكم ماقالوا بأن: (كلام الليل يمحوه النهار)، لأن النهار إن وجدني فلن يجد معي كلام الليل، أنا الذي قلمي ينضب مداده إلا إذا ارتوي من اللبن الأحمر، أنا الذي تعبُر ناقتي كل ليلة سُمّ الخياط، ولا يعبر خيلي معبر رفح منذ أربعين سنة، أنا الذي هجرت القاهرة نهارا بمقاطعة آدم لحواء، وعدتُّ إليها ليلا بقاف (القاتل) من قابيل وهاء (الهلاك) من هابيل، أنا الذي لم أعد للقدس بوحدة آهات آدم الفلسطيني، وإنما عدتُّ لنفسي بانشقاقات حمساوي وفتحاوية.! أنا الذي وقفتُ علي بوابة رفح بمضاعفة الأسعار للجبن والرغيف والغاز والطحين، فرأيت خريطة مصر في قضية معبر رفح أكثر من قضية فلسطين، فأشغلت بها أكثر من إشغال إسرائيل، والشُعلة في سيناء أشعلتُها بنفسي قبل أضواء القنابل فوق غزة، لأني كنت أعرف أن إسرائيل تحب السهول العربية وتكره الجبال العربية، إنها تخشي لبنان الجبلية، والجولان الجبلية، وتخشي غزة لأنها جبال من الصمود والمقاومة، فمنذ بداية عام 6002 وهي مقبلة علي إحراق الجزء الأكبر من غابة جبل أبو غنيم، بهدف بناء أكبر تجمع استيطاني يتضمن مجمعاً ترفيهياً من برك سباحة وفنادق تجذب السياح، واستمر الحبو السلحفاتي الإسرائيلي هذا نحو الجبال إلي أن وصلت جبل الديك، وجبال مجاورة لجبل أبو غنيم، ببناء 0001 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم علي أراضي الفلسطينيين، وقد تختفي الجبال في فلسطين يوما بإحلال الجدار محل الجبال، وبتحويل الصمود الفلسطيني إلي نهري الشقاق بالضفة وغزة.! غير صحيح أن إسرائيل تحب الجبال العربية لأنها بالذهب والمعادن والأحجار الكريمة، وأنها تحب البحر الميت لأنها باللؤلؤ والمرجان، وتحب السهول العربية لأنها بالنفط والغاز، هذه كلها هراوات تم الترويج لها لإشغالنا، من يريد معالجة الجسم العربي من الغدة السرطانية الصهيونية يجب عليه أن يلد من جديد ولادة عقل قبل الجسم والاسم، ولادة فكر قبل الدرهم والدينار والنفط والغاز، لايجوز أن نترك أبناءنا القادمين تحت رحمة من الأقوي في الفضاء.! ومن يملك الأزرار بالريموت كنترول في الأرض.! قد تعيش الشعوب العربية كلها علي الأراضي العربية معيشة الشعب الفلسطيني في العراء، في تنّور الحرائق، فوق رصيف الصبر، أطفالٌ بلا خبز، رُضعّ بلا حليب، أراملٌ جنب الأزواج، أيتامٌ بجوار الأبوين، مزارعون بلا لوز وتين وزيتون وبقول، قوّالون بلا طبول، مفكّرون بلا عقول، وكتّابٌ مصابون بعمي الألوان يحملون أقلاما بلامداد، تستمدّ الوقود من نهر علي أنه نهرُ الّلبن.!