كنت أعيد قراءة كتاب قديم صدر لمفكرنا الكبير سلامة موسي عن الحب عند العرب وعند الغرب، ويروي من خلاله أشهر قصص الحب عندنا وفي أوروبا، ولفت نظري تلك الدراسة التي كتبها عن (يزيد وحبابة) ويزيد هذا كان أحد خلفاء بني أمية.. إنه يزيد بن عبد الملك وكان يعشق جارية تدعي حبابة عرفها مغنية جميلة فاشتهاها ثم أحبها وأخلص في حبه حتي بلغ من جزعه علي فقدها أن مات بعد موتها بخمسة عشر يوما! ونعرف من خلال ماكتبه سلامة موسي عن الجارية أن حبابة كان اسمها العالية وهي من مولدات المدينة، وكانت حلوة جميلة الوجه، ظريفة حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة بالعود، واشتراها يزيد بألف دينار قبل أن يرقي عرش الخلافة، وبلغ ذلك الخليفة سليمان بن عبد الملك فهم بالحجر عليه لسفهه وإنفاقه هذا المبلغ الكبير ثمنا للجارية، فردها يزيد إلي مولاها، ثم أعادها بعد أن آلت إليه الخلافة. وألهته الجارية عن أمور الخلافة، فكانت تستخدم جميع الأساليب النسائية في جذبه وتعلقه بها. وحدث أن ماتت حبابة بعد أن »شرقت« بعد أن أكلت (رمانة) وماتت. وحزن عليها يزيد حزنا شديدا، حتي أنه قرر ألا يدفنها ثلاثة أيام، إلي أن ظهرت رائحة الجثة وعاب عليه المقربون منه ذلك فدفنها. وجلس الخليفة علي قبرها، فلما دفنت قال أصبحت والله كما قال كثير: فإن يسل عنك القلب أو يدع الصبا فباليأس نسلو عنك لا بالتجلد فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتي دفن إلي جنبها! والقصة تخبرنا عما يفعله الحب بالمحب، حتي يكاد تصرفه كما فعل يزيد بن عبد الملك أن يكون ضربا من الجنون.. بل هو الجنون بعينه، فقد أفقده الحب كل منطق وكل عقل حين نبش قبر حبيته ليراها، وترك أمر الحكم وشئون الحكم جاريا وراء سراب خادع، وكانت نهايته تلك النهاية الأليمة عندما مات ودفن بعد أيام بجانبها.. أليس هذا من جنون الحب!!.. منتهي الجنون!!