لقطات متنوعة من المشهد المتشابك إعلان دستوري جديد للرئيس يتخذ فيه الدكتور مرسي حزمة من قرارات وجدت من يدافع عنها بوصفها المخرج الوحيد لحالة ركود تمر بها البلاد في كافة المجالات، وتحقق طموحات شعب سئم جدلا سياسيا عقيما يدور في حلقات مفرغة ولا يحقق نتائج علي الأرض. أنصار الرئيس من التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين دافعوا عن الإعلان الدستوري وعبروا عن تضامنهم مع الرئيس وهم يقفون بحشود ضخمة يوم الجمعة الماضية أمام قصر الاتحادية وهتفوا لنصرة مرسي.. علي الجانب الآخر كان المشهد في التحرير يتبني مواقف مضادة، فالقوي المدنية ذهبت إلي الميدان بهدف إلغاء قرارات الرئيس وطالبوه أن يتراجع عن إعلانه الدستوري واعتباره شيئا لم يكن، وتم نصب الخيام داخل الكعكة الحجرية بعد أن أقسم أصحابها من الأحزاب والحركات الثورية علي أنهم لن يغادروا المكان إلا بعد أن يتراجع مرسي عما فعل. وبالقرب من الميدان كان شارعا محمد محمود وقصر العيني يشهدان أحداثا دموية لم تنته حتي كتابة هذه السطور لتقدم للوطن مصابين تتزايد أعدادهم كل لحظة لتنشط سيارات الإسعاف وهي تحمل في جوفها ضباطا وجنودا وشبابا وصبية وأطفالا إلي المستشفيات القريبة. أمام القضاء العالي من حيث الشكل والحشود الضخمة لم يكن المشهد أمام دار القضاء العالي مساء الخميس الماضي يختلف كثيرا عن مساء السبت، ومن حيث الهدف والمضمون فإن الأمر اختلف جذريا. ذهب أنصار الرئيس قبل إعلان قراراته بأعداد غفيرة (يوم الخميس) ليهتفوا بإسقاط عبد المجيد، في الوقت الذي كان فيه الدكتور ياسر علي يستعد لإلقاء الإعلان الدستوري، وبعد أن انتهي ياسر علي من إذاعة إعلان مرسي كان تأييد الرئيس هو ما تضمنته هتافات جماهير غفيرة اكتظ بهم الشارع ليتوقف مرور السيارات لساعات طويلة. جموع أخري قصدت دار القضاء العالي (يوم السبت) لتهتف ضد قرارات الرئيس، لتفاجأ بهجوم كاسح عليها يأتي من شارع رمسيس وشماريخ يتم إطلاقها في الهواء مع صوت رصاص مجهول المصدر، وشبان يندفعون لتحطيم الحواجز الأمنية رغبة في اقتحام المحكمة. قوات الأمن الموجودة سيطرت بسرعة علي الموقف بإطلاق قنابل الغاز المسيّلة للدموع، ليتفرق الجميع ويسود هدوء حذر بعد انسحاب المعتدين، ويعود التزاحم من جديد أمام دار القضاء العالي الذي وجد من يقف علي سلالمه وهو يهتف بإسقاط حكم المرشد. تتزايد الأعداد شيئا فشيئا ويظهر اللواء محمد محمود محمد من الأمن المركزي ويلتف حوله الناس يشكون له من البلطجية ويطالبونه بحمايتهم ويحملونه مسئولية الحفاظ علي أرواحهم. الضابط الكبير طمأن من يحيطون به، وقال لهم" مهمتي حمايتكم.. ومن سيعتدي عليكم سنتعامل معه بحسم".. كلماته أغرت المتظاهرين من حوله بأن يوجهوا له نصائح من عينة " لا تدافعوا عن النظام الحالي مثلما فعلتم مع سابقه فالشعب هو من سيبقي دائما".. الهتافات التي كان يرددها المتظاهرون جذبت إليها الكثير من المارة، ليلتحم الجميع في هتافات ضد جماعة الإخوان المسلمين. لافتة صغيرة كان يحملها أحدهم ويقف بها في مدخل الشارع جعلتنا نتوقف أمامها، كانت اللافتة تحرض كل التيارات المتنازعة علي الوقوف صفا واحدا وتطالبهم بنبذ الفرقة فيما بينهم. صاحبها اسمه سيد عبود وعرف نفسه بأنه من أشهر متظاهري التحرير، وقال إنه يود أن يشكر الرئيس مرسي علي ما منحه للشعب من وردتين كان من الممكن ألا يتم تقديمهما في حزمة جرجير! وفسر عبود كلامه قائلا: أؤيد الرئيس فيما اتخذه من قرار جريء باستبعاد النائب العام، وكذلك قراره بإعادة المحاكمات قصاصا للشهداء، ويضيف: كنت أتمني أن يتوقف الرئيس عند هذا الحد ولا يحصن مجلس الشوري والتأسيسية من الحل، ولا يحصن قراراته. ترحم صاحب اللافتة علي الرئيس جمال عبد الناصر الذي تزعم ثورة شاهد الشعب ثمارها بعد أربعين يوما من قيامها بانحيازه للفقراء، وتغيير حالهم والارتقاء بمستواهم الاجتماعي، في مقابل أربعة شهور حكم فيها مرسي البلاد بعد ثورة كبيرة ولم ير الفقراء فيها أي تغيير في معيشتهم.. طموح سيد كان يقتصر علي أن يشاهد رغيف الخبز بعد الثورة أكبر حجما ! ميدان التحرير وقصر الاتحادية لم يكن خروج الجماهير بقيادة زعماء الأحزاب السياسية: الدكتور محمد البرادعي، وحمدين صباحي، وعمرو موسي وغيرهم من الأحزاب الأخري والقوي المدنية والنشطاء السياسيين إلي ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية بهدف أن يتراجع الرئيس عن إعلانه الدستوري هو الحدث الوحيد اللافت، كان أيضا يقف أمام قصر الاتحادية قيادات من وجدوا في قرارات الرئيس مخرجا للأزمة التي تمر بها البلاد، توافد الآلاف من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والتيارات الإسلامية الأخري، من مختلف محافظات مصر؛ للمشاركة في تظاهرة أمام قصر الاتحادية تأييدًا للإعلان الدستوري المكمل. أما الرئيس فقد اختار أن يوجه خطابا للأمة من منصة الاتحادية وسط مناصريه ومؤيديه الذين طالبوه باستكمال أهداف الثورة التي وعد الشعب بتطبيقها، وأولها تطهير مؤسسات الدولة والإعلام من فلول النظام السابق ومن يريدون إجهاض الثورة.وردد المتظاهرون هتافات: "ثوار أحرار بنأيد القرار" و"بنحبك يا مرسي"، وخصوا الإعلام بجانب من هتافاتهم مرددين "تامر خيري أديب ولميس أنتم عصابة مع إبليس" و"يا رئيسنا يا همام يلا طهر الإعلام" و"يلا يا ريس قولها قوية الإعلام هو القضية". وعلي العكس كان ميدان التحرير يزأر ضد قرارات الرئيس التي ندد بها المتظاهرون رافعين هتافات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل ارحل". نجحت القوي المدنية في قدرتها علي منافسة الإخوان علي الحشد فيما كانت القوي السياسية تطالب مرسي بإسقاط الإعلان الدستوري الجديد، محذرة إياه من أن شرعيته ستكون في حكم المنتهية شعبياً ودستورياً ما لم يتراجع عن هذا الإعلان فوراً. وقالت القوي في بيان تلاه نقيب المحامين، سامح عاشور، إن المصريين لم يتصوروا أن يختصر الرئيس السلطات الثلاث في شخصه، ويمهّد للحكم بالأحكام العرفية والطوارئ. وبينما كان كل من الفريقين يقول رأيه بحرية وبسلمية تامة سواء في التحرير أو الاتحادية تصاعدت الأمور في ثلاث محافظات قام فيها متظاهرون بإحراق مقار حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، مما أدي إلي وقوع إصابات بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه.. قام المتظاهرون بحرق مقر جماعة الإخوان في الإسكندرية، ، ودارت اشتباكات عنيفة بين مؤيدي مرسي ومعارضيه في الإسكندرية، والمحلة وأسيوط والسويس. محمد محمود وقصر العيني حتي مثول المجلة للطبع فإن تفاقم الأمور في محيط شارعي محمد محمود وقصر العيني هو مشهد وحيد يتكرر لحظة بعد أخري ولا يجد من يوقفه أو يتعامل معه.. الفرجة فقط هي كل ما تفعله القيادات السياسية سواء الرسمية منها أو المعارضة. الدماء لا تكف عن النزيف وسيارات الإسعاف لا تتوقف عن الهرولة وهي تنقل مئات المصابين في وطن كأنه لا يكترث بمنظر الدماء. وحالة محمد محمود التي يظنها البعض عصية علي الفهم قد تحتاج لما هو أبعد من مجرد اتهام المتظاهرين بالبلطجة واختصار الصورة بالكامل في وزارة الداخلية التي تدافع عن نفسها ضد ما يقع عليها من اعتداءات. العدالة التي غابت عن محاكمات الشهداء فتحت الطريق أمام الثأر وروجت لقانون الغاب بعد أن فشل القانون في القصاص من القتلة. ولكن من هم الذين يتواجدون في محمد محمود وقصر العيني وهل هم مدفوعون بالفعل من جهات تحرضهم علي القيام بتلك الأفعال؟! مشاهداتنا تقول إن المتظاهرين يمكن تقسيمهم إلي عدة فئات أولا: صف يقف في الخلفية بهدف الفرجة ليكون شاهدا علي الأحداث وبعيدا عن مرمي النيران. ثانيا: المسعفون ممن يحملون بين أيديهم بخاخات ممتلئة بمحاليل بإمكانها تخفيف حالات تهييج العيون ويستقبلون المصابين الفارين من قنابل الغاز برش المحلول علي وجوههم. ثالثا: أطفال الشوارع ممن لا يجدون في الوطن ما يمكنه أن يستحق الحياة، وغالبا ما يتقدمون الصفوف الأولي بشجاعة نادرة وهم يقذفون قوات الأمن بالحجارة ويعرفون كيف وأين يختبئون. وهؤلاء الأطفال لن يتخلوا عما يقومون به من مهام لسبب بسيط، أنهم يلتقون بمن يثمن أفعالهم ويقدرهم وهو الشيء الذي لم يصادفوه من قبل، خاصة أنهم في الغالب لا يقابلون إلا من يزجرهم وينهاهم عما يفعلون، ويتعامل معهم كما يتعامل مع الكلاب الضالة. رابعا: مراهقون ذهبوا إلي الشارع للبحث عن بطولات وهمية وزعامة مبكرة تتيح لهم التفاخر بين أقرانهم. خامسا: شبان يتصيدون الكاميرات وفلاشات المصورين والظهور في وسائل الإعلام المختلفة. وأخيرا: متظاهرون قتل بين أيديهم أصدقاؤهم وأصيب بجانبهم رفقاؤهم أثناء الثورة وشاهدوا بأعينهم ضباط الداخلية وهم يصوبون بنادقهم علي العيون والرؤوس والقلوب وتفاجأوا بالمحاكم وهي تبرئهم فلم يكن أمامهم خيار (وجهة نظرهم) إلا أن يأتوا بحق الشهداء بأيديهم عن طريق التحرش بالداخلية والنيل منها. ومن هؤلاء التقينا بشاب رفض ذكر اسمه خوفا من استهدافه في الوقت الذي كان يفاخر فيه بغنيمته التي حصل عليها من جنود الأمن المركزي التي كانت عبارة عن خوذة ودرع ارتدي الأولي فوق رأسه ووضع الدرع أمامه ووقف متباهيا بهما أمام مدخل ميدان التحرير من جهة شارع طلعت حرب. قال الشاب إنه ينتمي إلي ألتراس أهلاوي وأن أعز صديق له وهو ابن خالته مات في أحداث بورسعيد فوهب نفسه ليثأر له من الداخلية! بعد قليل سنعرف أن غنيمته التي حصل عليها لم تكن حصيلة معركة واحدة. قال إنه حصل علي الخوذة عن طريق هجومه مع عدد من المتظاهرين علي "بوكس" شرطة كان يقف علي كوبري قصر النيل احتوي علي أربعة عساكر وضابط فضلا عن السائق. تذكر كيف رفع الخوذة من علي رأس الجندي الذي كان في حالة انهيار تام ولم يقاومه. وقال: لم أفعل سوي أن سلبت منه الخوذة فتركها لي ولم يبد مقاومة من أي نوع، ويضيف: حاولنا أن نخطف مسدس الضابط ولم نتمكن من ذلك بعد أن لاذ بالفرار وهو يطلق رصاصة في الهواء! أما الدرع فيقول إنه حصل عليه من شارع محمد محمود عندما كان يتقدم الصفوف الأمامية ووجد الفرصة مناسبة بعد أن لاحظ وجود عسكري يعطيه ظهره فاقترب منه ولوي عنقه ليستقر الجندي علي الأرض ويقتنص الدرع ويعود من حيث أتي. يظهر الشاب تعاطفا مع جنود الأمن المركزي وهو يقول "العسكري زيي زيه" ويعارض ما يقوله سريعا بقوله: ولكن حين يستفزني ويشير بيده إشارات بذيئة أو يشتمني فإنني لا أرحمه! دموع أم محمد لم تستطع أم محمد أن تخفي دموعا انهمرت منها بغزارة فبللت البرقع الذي ترتديه لتحجب وجهها خوفا من أن يتم رصده بالكاميرات المسلطة علي الميدان ويشاهدها محمد ابنها الوحيد فيشعر بالمهانة أمام زملائه وهو يجد أمه تتحول إلي بائعة شاي في الشوارع. قالت إنها أتت من السويس، وبالتحديد من حي الأربعين بعد أن أعيتها الحيلة في الإنفاق علي ولدها الوحيد والصرف علي دراسته الثانوية، وحكت عن زوجها الذي طلقها منذ 41 عاما بعد أن تنازلت له عن كل شيء في مقابل أن تحتفظ بابنها، وكيف تلطمت وهي تقيم مع والدتها وتنتظر كل شهر ما يجود به أشقاؤها عليها من مبالغ مالية بسيطة لا تكفي أبدا لسد احتياجاتها وابنها من الطعام والدواء والكساء. موت أمها جعلها تشعر لأول مرة بالوحدة، ولا تعرف أين تذهب ولمن تشكو، تقدمت بطلب للحصول علي شقة من المحافظة منذ سنوات تعبت فيها من التردد علي مسئولين لا ينظرون إلي أمرها. قالت إنها لم تخبر ابنها محمد بوجهتها الحقيقية حين قررت أن تأتي إلي ميدان التحرير وتشتري "وابور" غاز بعين واحدة وأكوابا بلاستيكية لتجلس بها داخل الصينية في انتظار زبائنها من المتظاهرين. تحدثت عن الرئيس مرسي واتهمته بأنه يعطف علي أطفال غزة ويهمل مصريين هم في أمس الحاجة إلي عطفه وقالت إنها تتمني لو أتي الدكتور مرسي إلي التحرير واستمع إلي من بداخله وتعامل معهم كما يتعامل مع أنصاره من جماعة الإخوان المسلمين!