الدرس انتهي لموا الكراريس المعجونة والملطخة بدماء أطفال أبرياء.. الدرس انتهي قبل مايبدأ.. لموا الكراريس المبعثرة علي قضبان السكك الحديدية.. مع أكياس الطعام والحلوي لزوم (الفسحة). انتهي الدرس.. لموا الكراريس المزينة بخطوط ورسومات الصغار لتكون آخر ذكري يتركونها للأمهات والآباء الثكالي.. فالتلامذة الصغار باتوا في ذمة الله.. ضحايا إهمال وسوء حال ما آلت إليه المنشآت الحيوية، لهذا لن يكون هذا الحادث هو الأول أو الأخير طالما أن هناك تجاهلا تاما لتدهور الخدمات يسوء يوما بعد يوم. فهذه الكارثة لو حدثت في بلد المواطن فيها له (سعر) لاستقالت الحكومة كلها وليس وزير النقل فقط. لموا الكراريس.. وجففوا دموع الأهالي التي أشك كثيرا إنها سوف تجف .. فالحسرة والنار في قلوبهم ستظل مشتعلة حتي يرحمهم الله ويشملهم بعطفه وهم الثكالي والحزاني علي فلذات الأكباد. حكايات وقصص حول هؤلاء الصغار الراحلين الذين ملأوا الدنيا بضحكاتهم.. ليغادروها بصرخة مدوية مفزعة في لحظة واجهوا فيها الموت.. وهم مازالوا صغارا لايعرفون حتي معناه. والله أشعر بخجل شديد وحزن أشد علي ماحدث لهؤلاء الصغار.. كيف ندعو أن تستمر الحياة.. ومن قتلوا عددهم يفوق ما قتلته إسرائيل من أطفال غزة.. إن نيران العدو مفهومة.. لكن إهمال الدولة الذي يصل إلي هذه الدرجة هو الذي بات غير مقبول.. إن البنية الأساسية في مصر تحتاج إلي (ناس) قلوبهم علي البلد. وإذا كان موت 05 طفلا يساوي خمسة آلاف جنيه تعويضا لكل طفل مما يعني إن (كلهم علي بعضهم) يساوون مائتين وخمسين ألف جنيه.. فإن الحصول علي طفل قد يساوي أضعاف هذا المبلغ.. فالروح والبني آدم رخيص فما بالك الصغيرة. وبمناسبة الحديث عن الأطفال والله أشعر بالخجل وأنا أتحدث أو أكتب وسط هذا الحدث الجلل عن أمور أخري دنيوية.. لكنها سنة الحياة التي لن تتوقف.. وإن كان الحزن سيظل. فالحروب التي يشهدها العالم تحصد من أرواح الأطفال أقل مما يحصده الإهمال وسوء الإدارة والحال للأطفال في بلدنا.. خاصة المرضي منهم. هذه المأساة التي حلت بنا تذكرني بأطفال سراييفو وضحايا الحرب بها.. و(أطفال سراييفو) للمخرجة (عايدة بجيك) كان قد عرض في مهرجان (كان) في شهر مايو .. وفي مهرجان مونبيليه شارك في المسابقة الرسمية ضمن اثني عشر فيلما تمثل خمس عشرة دولة.. (أطفال سراييفو) نموذج للإنتاج المشترك فهو (ألماني .. فرنسي.. تركي) وهو ترجمة صادقة لحال هؤلاء الأطفال ضحايا الحروب التي أبيدت بسببها شعوب وأجناس عرقية لأن معظم هذه الحروب ضد العرق.. وفي البوسنة هناك ملايين الأطفال بلا مأوي أيتام.. بعد المجزرة التي ارتكبها الصرب في حقهم. (أطفال سراييفو) هو الفيلم الثاني للمخرجة (عايدة بجيك).. عن سيناريو لها.. وهو يروي مأساة (رحيمة وشقيقها) (نديم) هي في الثالثة والعشرين من عمرها وهو في الرابعة عشرة.. وجدا نفسيهما وهما في هذه السن بلا عائلة.. وعليها هي تدبر أمر معيشتهما.. وبالنسبة (لرحيمة) فقد وجدت الحل أن تختفي وراء حجاب إشهارا لهويتها الإسلامية وذلك لكي تحتمي به من شراسة المجتمع الذي يحيط بهما.. وقد وجدت الراحة في ذلك المظهر ومايتبعه من سلوك ديني جعلها تتصالح مع نفسها. وفي المقابل نجد أن نديم سنوات مراهقته تجعله يخوض تجارب تقوده إلي المشاكل .. هذا بالإضافة لاستغلال الشباب الأكبر سنا منه ليروج لتجارة المخدرات.. وتزداد الأزمة عندما يختلف مع أحد زملائه ويضربه.. فتستدعي مدرسة الفصل (رحيمة) لكي توبخها علي تصرفات شقيقها ابن المسئول الكبير.. وكأنها وشقيقها ضحايا الحرب لن يكفا أبدا عن كونهما ضحايا جددا للفساد الذي استشري في البلاد بعد المذبحة التي حدثت لأبناء البلد.. وكأنه لم يكفهم ماحدث بالفعل.. ووسط المحارق التي تجتاح العاصمة والحياة شديدة القسوة.. تنجح (رحيمة) في أن تجد حبا حقيقيا لها.. بالإضافة لاستعادة شقيقها وضمه إليها فلم شملهما كان أقصي أمانيها في مدينة تعيش قسوة الحروب وتحت القصف دائما.
مهرجان مونبيليه احتفل هذا العام بالمخرج العالمي كوستا جافراس الذي أصبح مديرا للسينماتيك الفرنسي.. وفي هذا المنصب نوع من التكريم للرجل الذي دفع ثمنا غاليا لمواقفه مع العرب.. فقد جلب عليه فيلمه (هناك) الذي كان يدور عن مواطن فلسطيني وحقه في تملك منزله ودفاع محامية يهودية عنه أزمة شديدة وصلت إلي أن تم حرق أحد دور العرض في الشانزليزيه.. وظل لسنوات طويلة لايعمل كما حورب في أمريكا بشدة.. وقد عرض المهرجان في الافتتاح أحدث أفلامه (La capitaL) بطولة (جاد الملاح) و(جابريال بيرن) وفي هذا الفيلم يدخل إلي عالم المال والبنوك والسلطة.. وكيفية أن هذه المؤسسات المالية هي التي تتحكم في مصير العالم. وهي القوة الأساسية التي تحرك السياسة وفق مصالحها وأهوائها.